القاهرة– للمرة الثانية خلال أيام قليلة، خرج رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الدكتور ضياء رشوان ببيان رسمي جديد ضد إسرائيل، عبر فيه، بنبرة حادة وحازمة، عن مواقف مصر الرسمية من الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إليها مؤخرا، متهما دولة الاحتلال بتصدير مسؤولين متطرفين، للكذب على مصر وجيشها، وتهديد معاهدة السلام وحدودها.
ويرى خبراء ومراقبون تحدثوا لـ”الجزيرة نت” أن هناك دلالات لتفويض القاهرة هيئة الاستعلامات المصرية ورئيسها ضياء رشوان للقيام بتلك المهمة، أهمها الإعلان عن تبني مصر لخطاب تصعيدي مناسب لتصعيد الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، دون إصدار مواقف رسمية من مؤسسات أخرى، لإبقاء الباب مفتوحا أمام المسؤولين الإسرائيليين للتراجع.
وهيئة الاستعلامات هي هيئة حكومية تتبع لرئاسة الجمهورية بموجب القرار الجمهوري الصادر في السادس من سبتمبر/أيلول 2012، وتضطلع بدورها “كجهاز إعلام رسمي” لشرح سياسة الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ونقل الحقائق عن البلاد إلى وسائل الإعلام الدولية، بحسب ما جاء في القوانين المنظمة.
ويتولى ضياء رشوان (64 عاما)، رئاسة الهيئة منذ عام 2017، بجانب توليه حاليا منصب المنسق العام للحوار الوطني، ويعد أحد أبرز المقربين من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
خط أحمر جديد
وأعلن رشوان -في بيان- مساء 22 يناير/كانون الثاني الجاري خطا أحمر جديدا لمصر، وهو احتلال إسرائيل ممر فيلادلفيا/صلاح الدين، بجانب الخط الأحمر المصري الأول وهو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، متهما المسؤولين الإسرائيليين الذين سمى منهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالكذب والادعاء والمساس بمعاهدة السلام، وتهديد العلاقات المصرية-الإسرائيلية.
وأكد رئيس هيئة الاستعلامات أن “لمصر جيشا قويا قادرا على حماية حدودها بكل الكفاءة وانضباط”، وأن مصر”قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين”.
وفي 12 يناير/كانون الثاني الجاري، نفى رشوان بصورة قاطعة ما اعتبره “مزاعم وأكاذيب” لفريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بمنع مصر مرور مساعدات الإغاثة إلى غزة، مؤكدا أن مصر لم تغلق معبر رفح أبدا، وأن إسرائيل تحاول الهروب من إدانتها المرجحة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
توكيل له أسبابه
من جانبه، يوضح السفير السابق عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية، والخبير الإستراتيجي في الصراع العربي-الإسرائيلي، أن بيانات الهيئة العامة للاستعلامات يعتد بها في الموقف الرسمي الخارجي، لأنها تتبع رئاسة الجمهورية، ولكنها تعتبر بدرجة أقل أهمية من بيانات الرئاسة ووزارة الخارجية والقوات المسلحة المصرية.
ويقول الأشعل في حديث للجزيرة نت “أعتقد أن توكيل هيئة الاستعلامات بهذه المهمة جاء باعتبارها أضعف الحلقات الرسمية في النفي، ومن ثم يمكن أن تتراجع الدولة عن مواقفها بسهولة وقت الحاجة، على عكس بيانات الخارجية والرئاسة والجيش، التي يمكن تكوين موقف بناء عليها، مع الوضع في الاعتبار أن البيان الأهم في هذه المسائل الحربية هو بيان الجيش ثم بيان الرئاسة ثم بيان وزارة الخارجية”.
ويقلل الدبلوماسي السابق من تأثير تحديد هيئة الاستعلامات لخط أحمر سيادي جديد، ما لم تعلن عنه أجهزة الدولة السيادية بشكل صريح، بحسب قوله، مضيفا “تلك المواقف لا قيمة لها، لأنه إذا وجدت إسرائيل أنه من الضروري احتلال الممر سوف تفعل، ولا عبرة بأي موقف مصري ما دامت واشنطن تدعم إسرائيل”، وفق رأيه.
لكن يختلف أستاذ العلوم السياسية الأكاديمي الدكتور خيري عمر مع “الأشعل” في درجة أهمية بيانات الهيئة، وقال في حديث للجزيرة نت “هيئة الاستعلامات مؤسسة من مؤسسات الدولة، ويؤخذ كلامها على محمل الجد، وله اعتباره، خاصة أنها تقوم مقام وزارة الإعلام، وبالتالي فمستواها معتبر خاصة أن مضامين البيانات نفسها التي صدرت ذكرتها جهات الدولة في أوقات سابقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
محاولة لتصعيد النبرة
من جانبه، يرى الخبير الإستراتيجي المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، واتفاقيات كامب ديفيد، محمد عصمت سيف الدولة، أن استخدام مصر لهيئة الاستعلامات هو محاولة منها لتصعيد نبرة تصريحاتها الرسمية، ضد ما تفعله إسرائيل من جرائم إبادة جماعية وتهجير قسري أو ما تصوره من تصريحات حول نواياها في إعادة احتلال محور فيلادلفيا.
ويقول سيف الدولة في حديث للجزيرة نت “آن الأوان أن تبدأ الدولة المصرية في تصعيد نبرة تصريحاتها الرسمية، في خطوة لتحويل هذا التصعيد اللفظي الرسمي إلى تصعيد على الأرض، فإسرائيل لا تعبأ كثيرا بأي تصريحات”.
ويوضح سيف الدولة مقصده من التصعيد على الأرض “على الدولة الدفع بأكبر عدد من القوات المصرية إلى الحدود وكسر للقيود المفروضة علينا منذ 1979، وإلا ستكون هناك مخاطر جمة على سيناء، وعلى أمن مصر القومي، خاصة مع كل هذه الحشود الإسرائيلية حول غزة”، وفق مقترحه.
ويضيف الخبير الإستراتيجي أنه “إذا كان هناك في السلطة المصرية من لا يزال يتمسك بهذه المعاهدة المجحفة فعليه أن يرفض رفضا قاطعا انتهاك إسرائيل لبنودها بإعادة احتلال محور فيلادلفيا، خاصة أنه ليس من حق الدولة المصرية أو أي دولة أخرى أن تعطي لإسرائيل أي حق في احتلال أراض فلسطينية”.
تحذير رسمي
من جانبه، يصف الكاتب الصحفي قطب العربي، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة بمصر، رد هيئة الاستعلامات بأنه “نوع جديد من مستويات الرد الرسمي تريد به الدولة تحذير إسرائيل بشدة، دون أن يخرج التحذير من الرئاسة أو وزارة الخارجية، خاصة أن الأصل أن هيئة الاستعلامات مختصة بالتعامل مع ما ينشره الإعلام الأجنبي، وليس الرد على ما يصدر من تصريحات على ألسنة مسؤولي دول أخرى.
وفي حديثه للجزيرة نت، يفسر العربي هذه الخطوة بقوله “السلطة المصرية لا تريد التصعيد مع الجانب الإسرائيلي أو ربما تريد تصعيدا خفيفا، فتتولى هيئة الاستعلامات الرد وكأنها لا ترد مباشرة على تصريحات مسؤولين إسرائيليين، ولكنها ترد على ما نشرته وسائل الإعلام منسوبا لأولئك المسؤولين، وكأنها أرادت أن تبقي الباب مفتوحا أمام تفسيرات مختلفة من أولئك المسؤولين”.