لسان حال النازحين من “عين الحلوة”: هل هي رحلة بؤس جديدة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

في إحدى زوايا مدرسة “نابلس” للاجئين الفلسطينيين تستلقي طفلة فلسطينية على الأرض حاملة قلمها وتقرأ في كتابها ولكن عيونها شاخصة نحونا وكأنها تسألنا: هل سيكون مستقبلي هكذا أم أنها فقط بداية رحلتي في البؤس؟

وتحولت هذه المدرسة التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأنروا” الواقعة في مدينة صيدا اللبنانية إلى مأوى لمئات النازحين من مخيم عين الحلوة عقب الاشتباكات الدامية الأخيرة التي استمرت لأسابيع.

الداخل إلى هذه المدرسة يشعر بحجم المصيبة التي حلت بعدد كبير من النازحين الفارين من جحيم القتال في “عاصمة الشتات الفلسطيني”، فهنا سيدة تصرخ: منزلي يحتله مسلحون ولا أستطيع العودة إليه وأخرى تسألنا هل يسرقون منازلنا ولن يسمحوا لنا بالعودة إليها؟ ومسن يطالب بترميم منزله بعد أن أحرق بفعل الاشتباكات.

طفلة افترشت الأرض في مدرسة نابلس للاجئين الفلسطينيين في صيدا (الجزيرة)

قصص معاناة لا تنتهي في هذه المدرسة والتساولات تطير من الفصول الدراسية التي تحولت إلى غرف نوم: ماذا بعد؟ ومن سيعوضنا؟

ننقل هذه التساؤلات إلى المتحدثة الرسمية باسم “الأونروا” في لبنان هدى السمرا والتي قالت للجزيرة نت إن الوكالة تمر بأزمة مالية كبيرة.

وتابعت أن “كل الجهود التي تقوم بها الأونروا للاستجابة لهذه الأزمة ولا سيما في القطاع التعليمي مكلفة وخاصة أنها أمور مستجدة وطارئة ولم تكن مرصودة في الميزانية”.

دى السمرا المتحدثة باسم الأونروا في لبنان
السمرا: هناك خطط بديلة ومرحلة انتقالية ستكون مكلفة للوكالة ومرهقة للطلاب بهدف إنقاذ العام الدراسي (الجزيرة)

وأوضحت أنه “من بعد جولة الاشتباكات الأولى، أطلقنا نداء عاجلا بأكثر من 15 مليون دولار كتمويل لتلبية الحاجات الأولية والفورية للمتضررين من القتال ولكننا فوجئنا بجولة ثانية، لتزداد معاناة الناس وتتسع رقعة الدمار وترتفع كلفة وتقديرات التعويضات والتقديمات للناس، وحتى الآن لم يلق هذا النداء الإنساني الاستجابة المطلوبة والتمويل الكافي”.

وأشارت إلى أن هناك خططا بديلة ومرحلة انتقالية ستكون مكلفة للوكالة ومرهقة للطلاب بهدف إنقاذ العام الدراسي ولكنها رفضت الكشف عن تفاصيلها.

المدرسة باتت مأوى

في خضم الزحمة والعمل الدؤوب في المدرسة، لاحظنا أن مديرة مدرسة “نابلس” رولا أيوب أصبحت مديرة اجتماعية ونفسية تنتقل بين فصول المدرسة ليس لتوجيه الطلاب أو إعطاء ملاحظات للأساتذة بل لسماع النازحين ومحاولة التخفيف عنهم من هذه المعاناة.

وتخبرنا أنه “رغم توقف الاشتباكات والاستقرار الأمني الهش في المخيم، فقد وصلت عائلة قبل أيام كانت مستضافة عند أقاربها ولكن الظروف وإطالة أيام الأزمة أجبرت العائلة النازحة للجوء إلى مدرسة “نابلس”.

وتقول مديرة المدرسة للجزيرة نت، إننا “كنا كمدرسة وطاقم تعليمي ننتظر بفارغ الصبر انطلاق العام الدراسي واستقبال الطلاب لنفاجأ بهذه الاشتباكات فحولنا المدرسة إلى مركز لإيواء النازحين ومع الخطورة على حياة الكوادر التعليمية والطبية والأخصائيين الاجتماعيين، وخاصة عند اشتداد الاشتباكات ولكنهم أصروا على الوصول وفتح المدرسة لاستقبال الناس”.

مدارس مخيم عين الحلوة غدت ثكنات عسكرية
يتحصّن مسلّحون من طرفي الاشتباك في 4 مدارس من أصل 8 تابعة لـ”الأونروا” (الجزيرة)

ويتحصّن مسلّحون من طرفي الاشتباك في 4 مدارس من أصل 8 تابعة  “للأونروا” في مخيم عين الحلوة، وتقع المدارس في مجمعين تربويين منفصلين وهي توفر التعليم لنحو 6 آلاف طالب في مختلف المراحل التعليمية. ويعتبر إخلاء هذه المدارس من المعضلات التي تعوق استقرار الوضع الأمني في المخيم بعد وقف إطلاق النار بسبب موقعها على خطوط تماس بين المتقاتلين.

وسبق هذه الخطوة اتصالات مكثفة تولّتها “القوى الإسلامية” الفلسطينية، بين حركة فتح و”الشباب المسلم” واللذين وافقا على الإخلاء المتزامن للمدارس، وكانت القضية طرحت قبل تجدّد الاشتباكات في جولتها الثانية في السابع من الشهر الجاري وتأجلت إلى مرحلة لاحقة.

نكبة لا تغيب

ولكن مخاوف الناس باتت في مكان آخر، فهناك من يحتل بيته المسلحون ولا يستطيع العودة إليه حتى لو توقف إطلاق النار وعاد الاستقرار.

وتقول مريم مزيان من سكان عين الحلوة إن بيتها في حي الصفصاف “أحد محاور القتال”، إنها وعائلتها وجيرانها لا يستطيعون الدخول إلى منازلهم ويخافون من الأسوأ إذا عادوا إليها ولا يعلمون إن كان هناك ذخائر غير منفجرة داخله”.

يوسف محمد سمور
يوسف محمد سمور أحرق منزله في مخيم عين الحلوة ويعيش في خيمة بمدرسة نابلس (الجزيرة)

وتسألنا إكمال مشرف من سكان عين الحلوة “برأيكم، هل سيبقون في المنزل؟ هل سنمكث هنا في المدرسة طويلا؟”.

وبما أننا لا نملك الإجابة، تابعنا سيرنا في المدرسة لنقابل المسن السبعيني يوسف سمور الذي يتوكأ على عصا وملامح وجهه تشرح الأزمة المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون منذ النكبة وإلى يومنا هذا.

عصاه ووجهه ليسا الوحيدين اللذين يذكران بنكبته بل الخيمة التي ينام فيها والمرتبة التي ينام فيها على الأرض ورغم ذلك يقول “لا أحتاج إلى أحد”.

ويتابع قائلا “إنني مريض، منزلي ومنزل ابني احترقا بالكامل وأنا أشعر بالإهانة وهذا ليس مكان رجل في عمري، إيجار الشقق في صيدا تجاوز 300 دولار، وما أطلبه تأمين بيت لأعيش بكرامة أو يرمموا لي منزلي ومنزل ابني”.

وختم “لست مرتاحا وأطالب الأونروا بتأمين منزل لي”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *