بيروت- أحدث اختراق شاشات الوصول والمغادرة بمطار بيروت، وتعرضه لقرصنة برسالة إلكترونية، إرباكا واسعا على المستويين الأمني والسياسي، وسط تساؤلات شعبية عن واقع المطار الأمني والتهديدات التي تحيطه، في حين تستمر التحقيقات لكشف الجهة المتورطة.
وكان فحوى الرسالة اتهام حزب الله وإيران بجر لبنان إلى الحرب مع إسرائيل، وخُتِمَت بعبارة “فليتحرر المطار من قبضة الدويلة”. وأدى الخرق، لتعطيل نظام تفتيش الحقائب، واستمر الإرباك بالمطار لساعات.
ويرجح كثيرون وقوف إسرائيل خلف العملية، نظرا لتاريخها الحافل بالهجوم السيبراني المضاد، وتأتي على وقع تفلت قواعد الاشتباك بين حزب الله وقوات الاحتلال، منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
خرق وإجراءات
مساء الأحد، انتشرت على نطاق واسع صور لرسالة على شاشات المطار، ومما جاء فيها “ليس مطار حزب الله وإيران.. يا حسن نصر الله، لن تجد نصيرا إذا بليت لبنان بحرب تتحمل مسؤوليتها وتبعاتها.. لن نحارب نيابة عن أحد”.
واستدعى الخرق الأول من نوعه، إلى تحرك وزاري وأمني واسع نحو مطار “رفيق الحريري الدولي”، حيث تتولى شعبة المعلومات التحقيقات الداخلية لكشف المصدر الحقيقي لهذا الخرق، في حين قال وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، في أثناء جولة له الثلاثاء بالمطار “على الأرجح الخرق خارجي والتحقيقات ستظهر الحقيقة”.
وأقر مولوي أن الطيران يعمل بظروف صعبة للغاية، وأنه بحاجة إلى أمن سيبراني، و”ما حصل يمس أمن الطيران والمسافرين والمواطنين ولبنان”.
وقبله، قال وزير الأشغال اللبناني علي حمية إنه تم الكشف المبدئي على هذا الخرق من قبل الأجهزة الأمنية، وإنه “خلال الدقائق الأولى اُتُّخِذَت إجراءات فورية لإيقاف التواصل عبر الإنترنت بين الخارج والمطار، واستعادة نظام العمل للشاشات، وحصر الخرق لكل السيرفرات”.
اختراق شاشات مطار بيروت من أشخاص يريدون إرسال رسالة لحسن نصرالله وكتبوا التالي:
بسم الرب والشعب
مطار رفيق الحريري مش حزب الله وإيران، يا حسن نصرالله ما راح تلاقي نصير إذا بليت لبنان في حرب تتحمل مسؤولياتها وتبعاتها، يا حزب الله ما راح نحارب نيابة عن حدا، طيرتوا مرفأنا والآن بدكن… pic.twitter.com/dfnZiFW5YQ— إياد الحمود (@Eyaaaad) January 7, 2024
غياب الخطة
وفي عام 2018، بعهد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، أقر لبنان إستراتيجية وطنية شاملة بمجال “الأمن السيبراني”، من دون تنفيذها. وعلل الوزير ذلك بأنه “لم تصدر مراسيم تطبيقية لها، مما يعني أن دول العالم لناحية الأمن السيبراني بمكان، ولبنان بمكان آخر”.
في ذلك العام أيضا، نظم الأمن العام اللبناني مؤتمرا بشأن “الأمن السيبراني”، محذرا من مخاطر الاختراقات الأمنية عبر الإنترنت والحرب الإلكترونية مع إسرائيل.
وفي يونيو/حزيران 2019، صدرت نسخة حول تفاصيل تلك الإستراتيجية، ووضعت بعنوانها الثانوي هدفا فات عامان على عدم تحققه “منذ عام 2022 يهدف لبنان لأن يكون لديه فضاء سيبراني أكثر أمنا واستقرارا في داخل الوطني، أو في التبادلات الدولية”، بعدما فصلت نوع التهديدات الرقمية التي تواجهها داخليا وخارجيا.
الحرب السيبرانية
منذ أن ألمح وزير الداخلية بأن مصدر الهجوم خارجي، اعتبر كثيرون أن فرضية ضلوع إسرائيل بالعملية وارد، بعد تحول جنوب لبنان لساحة حرب ومساندة ممتدة من قطاع غزة.
وفي حين، لم توجه السلطات الأمنية والسياسية أصابع الاتهام لأي طرف بانتظار التحقيقات، يرى البعض أن احتمالية ضلوع أطراف أخرى (غير إسرائيل) داخلية أو خارجية بالهجوم وارد أيضا، على قاعدة استغلال ظروف الحرب بغية التجسس واختراق المطار، الذي يعاني أساسا من هشاشة بهذا المجال.
لكن منذ أكثر من عقد، ذاع صيت إسرائيل بما يعرف “حرب السايبر”، دفاعا وهجوما، بعدما أضحت لوحات الحواسيب من أشرس ساحات المعارك التي تخوضها إسرائيل مع أعدائها، فصارت عدوى متنقلة إلى ساحات الصراع بالعالم، وهو ما تجلى بالهجمات السيبرانية الواسعة بين روسيا وأوكرانيا خلال حربهما.
ومنذ اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت الآلاف من عمليات القرصنة والهجوم السيبراني على بعض المرافق الإسرائيلية، حتى إن محللين اعتبروا أن الحرب بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال لا تدور بالميدان فحسب، بل بالعالم الافتراضي والرقمي أيضا.
رجّح وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، أنّ يكون مصدر عملية الخرق خارجياً، ورفض الجزم قبل انتهاء التحقيقات#لبنان #مطار_بيروت #جسور pic.twitter.com/bLIQlkOgT9
— Jusur (@JusurArabia) January 9, 2024
ماذا حدث؟
مع انتظار التحقيقات، يرجح عبد قطايا مدير المحتوى بمنظمة “سمكس” للحقوق الرقمية أن يكون الهجوم السيبراني تم بعدة طرق أبرزها إيميل خارجي وصل لأحد أنظمة المطار محمل ببرمجية خبيثة، وفُتِح من قبل موظفين عن طريق الخطأ، أو عملية برمجة تمت داخل أنظمة المطار، مما أحدث عطلا أيضا بنظام جر وتفتيش الحقائب.
ويؤكد قطايا، للجزيرة نت، ضرورة صدور نتائج التحقيق بشفافية للرأي العام، لأن ما حدث يمس السلامة العامة، ويذكر مجددا أن عمليات الاختراق متفشية لحد كبير بلبنان، نظرا لعدم وجود قوانين وضوابط لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
ويقول “رغم صدور قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، لكنه غير مطبق، ويعاني لبنان أساسا من غياب أنظمة الحماية الرقمية المتطورة”.
ويرى قطايا أن ما شهدناه على شاشات المطار، قد يكون جزءا فقط مما ظهر من عملية الهجوم السيبراني، مشيرا إلى أن عدم اتخاذ تدابير صارمة بعد انتهاء التحقيقات، يعني أن أمن المسافرين والمعلومات الخاصة بهم ونظام الملاحة والعمليات اللوجستية، سيكون عرضة للخطر ولهجوم سيبراني بنطاق أوسع مما حصل.
ولا يستبعد قطايا فرضية ضلوع إسرائيل بالهجوم، ربطا بتاريخها الحافل، ولتعرضها أيضا لعمليات مضادة، ولاختراعها وتصديرها أنظمة تجسسية مثل بيغاسوس.
ويجد الخبير الرقمي بأن إقرار الخطة الوطنية بمجال الأمن السيبراني، حاجة ماسة للبنان، لأنه منذ مرحلة تفشي كورونا (كوفيد-19) وما تبعها، كثرت المنصات الإلكترونية التي أطلقتها الدولة بموجب عقود مع شركات خاصة (فحص كورونا، منصة الأمن العام لجوازات السفر، ومنصة النافعة لتسجيل السيارات وغيرها..) والتي سجل اللبنانيون فيها كامل بياناتهم، بلا قوانين صارمة تضمن عدم تعرضها للانتهاك أو الخرق.
وزير الداخلية #بسام_مولوي يتفقد سير العمل في #مطار_بيروت@MawlawiBassam #alafdalnews pic.twitter.com/9MV7kslCPP
— Alafdal News (@AlafdalNews) January 9, 2024
تحديات المطار
بعد نحو أسبوعين على انخراط حزب الله بالمواجهة الحدودية مع إسرائيل دعما لقطاع غزة، انعكست تداعيات الحرب على مطار بيروت، إذ قررت شركة “طيران الشرق الأوسط” اللبنانية (مالكة الخطوط الجوية الرسمية) إجلاء 10 طائرات من أصل 22 طائرة للدول المجاورة، بعدما أبلغتها شركات التأمين، أنها ستخفض تأمين الحرب على الطائرات بنسبة 80%، كون لبنان أمام مخاطر حرب.
ورغم استمرار الملاحة بالمطار، لكن هذه الإجراءات تضاف إلى الواقع الميداني، وما شهده أخيرا، عرضته لضغوط كثيرة وإرباك، بعدما خفضت شركات طيران أجنبية مستوى وعدد رحلاتها من وإلى لبنان.
وتسود المخاوف بلبنان على المرافق الحيوية، كلما تصاعدت المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، لأن الأخيرة تعمد إلى تسجيل ضربات بأعماق بلغت ضاحية بيروت الجنوبية بعملية اغتيال أحد أبرز قادة حماس صالح العاروري.
ويخشى كثيرون أن يكون مطار بيروت ضمن بنك أهداف إسرائيل، كلما وسعت نطاق هجماتها نحو حافة الحرب، مما يعيد إلى الذاكرة عدوان يوليو/تموز 2006، حين قصفت خزانات وقود و3 مدارج لمطار بيروت، باستثناء المدرج التاريخي، مما تسبب بخروج المطار عن الخدمة خلال الحرب، وشهرا بعد انتهائها.
وهنا، يقول الكاتب والمحلل السياسي علي شكر للجزيرة نت إن “إسرائيل صاحبة المصلحة الأولى بالهجوم السيبراني على المطار، مذكرا بأنها لا تعترف بمعاركها بالفضاء الرقمي”.
وما يعزز هذه النظرية برأيه، بأن الهجوم حمل رسالة مباشرة لحزب الله، وجاء بعد ضرب الحزب لأكبر قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية شمالا برد أولي على اغتيال العاروري ورفاقه الستة.