القدس المحتلة- سارعت الشرطة الإسرائيلية إلى مداهمة مكاتب شبكة الجزيرة في القدس المحتلة وتل أبيب، وصادرت الأجهزة ومعدات العمل الصحفي، وذلك حتى قبل انقضاء المهلة الزمنية المحددة بـ24 ساعة، والمنصوص عليها بالأمر الاحترازي الصادر عن الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأسبوعية الأحد، ليتسنى مراجعة القرار من قبل قاضٍ بمحكمة إسرائيلية قبل أن يكون نافذا.
وفي إجراء يتعارض حتى مع الأمر الذي أقرته الحكومة وبالإجماع، قامت شركات الاتصالات والكوابل والأقمار الصناعية الإسرائيلية “هوت” و”يس” و”بيزك” وجميع شركات الهواتف الخليوية بإخراج قنوات شبكة الجزيرة من خدامتها ورزم البث، وحجبت موقع الجزيرة نت، وكافة منصات التواصل الاجتماعي التابعة للشبكة.
وبموجب القانون الذي شرعه الكنيست الإسرائيلي في أبريل/نيسان الماضي، الذي يقضي بتقييد عمل وإغلاق فضائيات أجنبية بزعم أنها “تضر بأمن الدولة”، فإنه يعطي الحكومة صلاحيات بإصدار أمر بإغلاق قناة الجزيرة لمدة 45 يوما، ويمكن تمديده لمدة 45 يوما إضافية، بتوقيع وزير الاتصالات شلومو كرعي.
ويسمح الأمر الاحترازي بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في إسرائيل، ومصادرة معدات البث، والأجهزة المستخدمة في بث محتوى القناة، ومنع بث تقارير القناة باللغتين العربية والإنجليزية، وإخراج القناة من شركات الكابل والأقمار الاصطناعية الإسرائيلية، وحجب المواقع الإلكترونية للقناة على الإنترنت، بما في ذلك الهواتف الخليوية المحمولة، وإلغاء بطاقة الصحافة الإسرائيلية للطواقم.
“دوافع سياسية”
أجمعت الفعاليات السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، أن قرار الحكومة الإسرائيلية يعد انتهاكا للحريات، وقمعا لحرية العمل الصحفي، ويستخدم سياسة الترهيب وتكميم الأفواه، ويندرج في سياق السعي الإسرائيلي لإخفاء الحقيقة ولإسكات الجزيرة بسبب تغطيتها للحرب على غزة.
ورجحت الفعاليات الفلسطينية أن إغلاق مكاتب الجزيرة وحظر بثها وحجب مواقعها وحسابتها على منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، يعد بمثابة مؤشر على النية المبيتة للحكومة الإسرائيلية لاستمرار العدوان على غزة واجتياح رفح، وللتصعيد بارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين دون شهود.
وقدمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية طالبت من خلاله إلغاء القانون، وقدرت أن أحد الأسباب الرئيسية لإقرار القانون “للضغط على دولة قطر المالكة لقناة الجزيرة”، أي أن الدوافع سياسية وليست أمنية.
وذكرت المحامية هجار شخطر في معرض استعراضها للالتماس الذي قدمته باسم الجمعية الحقوقية أن القانون ينتهك حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات وحرية الصحافة، ويدوس مبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء، لأنه يتضمن ما يسمى “قانون فقرة التغلب” الذي يمنع المحكمة مسبقا من إمكانية إلغاء القرار، حتى لو رأت أنه غير قانوني ووجب إبطاله.
وتفنيدا لمزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن القرار بالإغلاق اتخذ بحجة “المس بأمن الدولة”، أضافت شخطر في الالتماس أنه “خلال أشهر الحرب السبعة، كان بإمكان الدولة فرض عقوبات على القناة، إذا كان هناك بالفعل مخاوف من أنها تضر بأمن الدولة”.
وأوضحت المحامية أن القانون مدفوع باعتبارات انتخابية وشعبوية، قائلة إن “المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة يأتي نظرا لطبيعة بثها المناهض لسياسة الحكومة الإسرائيلية، وأن التذرع بالحجة الأمنية ساخر للغاية، فالغرض الحقيقي من أمر الساعة هو تصنيف ومعاقبة وسائل الإعلام الأجنبية بسبب محتوى برامجها، وتبنيها خطا نقديا أثناء الحرب”.
قمع لحرية الرأي
وتعقيبا على قرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق قناة الجزيرة ومنعها من البث في البلاد، أصدر حزب التجمع الوطني الديمقراطي بيانا قال فيه، إن “حرية الصحافة والرأي والتعبير لا مكان لها في نظام فصل عنصري (الأبارتايد)، وحكومة تقودها عقلية الإجرام والإبادة والانتقام”.
وأكد التجمع في البيان -الذي تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أن “هذا القرار، رغم إشكالية تطبيقه، يعد جزءا من سلسلة قمع حرية الرأي والتعبير لكل ما هو فلسطيني وداعم للحق وصوت المنطق والعدل”.
وأوضح البيان أنه لا يمكن لأي نظام فاشي أن يقبل النقد أو أن يتحمل سماع رواية أخرى، لا سيما رواية الضحية التي يعمل على إبادتها أو تهجيرها من أرضها على أقل تقدير.
إخفاء للحقيقة
الموقف ذاته عبر عنه النائب بالكنيست عن الجبهة الديمقراطية يوسف العطاونة، الذي علق على قرار إغلاق قناة الجزيرة بالقول إن قرار حكومة الحرب بإغلاق القناة ليس مفاجئا، فما هو إلا حلقة من مسلسل كبت الحريات ومحاولة تشويه الحقائق وإخفائها من أجل تضليل الرأي العام المحلي والعالمي، على حد تعبيره.
وفي بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه، قال العطاونة إن حكومة اليمين التي تمعن في القتل والدمار، لا تريد للعالم أن يرى حقيقة ما يحصل في غزة من مجازر وأهوال.
“إغلاق قناة الجزيرة اعتداء صارخ وسافر على حرية الرأي والتعبير، وبهذا تفتح حكومة اليمين جبهة أخرى في حربها الظالمة، وهذه المرة ضد الإعلام الحر، وضد كل من يريد إيصال الحقيقة ونقلها”، أضاف النائب العربي.
واستنكر العطاونة هذا الإجراء التعسفي، وأكد دعم الفعاليات السياسية والحزبية في الداخل الفلسطيني وبكل قوة كل الأصوات الحرة التي تنقل الحق والحقيقة، وسط هذا الجنون والتخبط الذي تمارسه حكومة اليمين المتطرف.