القدس المحتلة- احتجزوه ثم فتحوا هاتفه عنوة، وحين عثروا على صور تتعلق بمعركة “طوفان الأقصى”، ضربوه بأعقاب البنادق وأسلحة أخرى على رأسه وأنحاء جسده، ثم صوروه بعد تغطيته بالعَلم الإسرائيلي، وأجبروه على شتم المقاومة الفلسطينية وتمجيد الاحتلال، ثم ألقوه أرضا في غرفة للنفايات بعيدا عن كاميرات المراقبة، وواصلوا ضربه لمدة ساعة ونصف الساعة، ثم أخلوا سبيله بعد تهديده بالقتل.
هذا ما حدث مع شاب مقدسي -فضل عدم ذكر اسمه- في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما صادف دورية لجيش الاحتلال في حي الصوانة، أحد أحياء بلدة الطور، بالقدس المحتلة، حيث ينصب الجنود بكثافة حواجز فجائية في كل أحياء القدس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتفتيش الشبان والتنكيل بهم.
وبعد هذا الاعتداء بيوم، ظهر الشاب محمد جرادات في مقطع مصور وآثار الدماء بادية على وجهه، قائلا إنه تعرض للضرب المبرح مع رفيق له يدعى “مالك”، أثناء مرورهما من حي الصوانة، وذلك لأنهما نظرا إلى الجنود فقط.
بؤر استيطانية وموقع مهم
وتكررت حوادث الاعتداء تلك على مدار الأسابيع الماضية، ضمن سياسة انتقامية من المقدسيين عامة وأهالي قرية الطور شرقي المسجد الأقصى وأحيائها خاصة، وذلك بسبب وجود بؤرتين استيطانيتين: “بيت هحوشن” و”بيت أوروت”، إلى جانب استشهاد شاب من القرية بعد تنفيذه عملية طعن.
وفوق أعلى جبال القدس (جبل الزيتون) المطل على المسجد الأقصى من ناحية الشرق تمتد قرية الطور وأحياؤها؛ الصوانة، والشياح، والشيخ عنبر وغيرها، ويسكنها نحو 35 ألف مقدسي، وتحتضن معالم أثرية إسلامية ومسيحية، وتضم 3 مستشفيات فلسطينية.
وعدا عن موقع القرية المطل، وقربها من المسجد الأقصى، يربط أحد أحيائها وهو حي الصوانة، بين حي وادي الجوز وقريتي الطور والعيساوية، إضافة إلى احتوائه على أراض فارغة تفتح شهية الاحتلال لتوسيع البؤر الاستيطانية.
نصرة لغزة
واستهدف الشبان بالمفرقعات النارية البؤرتين الاستيطانيتين في قرية الطور، ردا على مجازر الاحتلال في قطاع غزة، وردا على اعتداءات مستوطنيها الذين هاجموا مساء 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيوت ومركبات المقدسيين في حي الصوانة بحماية قوات الاحتلال.
يقول أحد الأهالي للجزيرة نت، مفضلا عدم كشف اسمه، إن مستوطني تلك البؤر باتوا ولأول مرة يمشون مسلحين في شوارع الحي بعد بدء معركة طوفان الأقصى.
وعلاوة على تمرير اعتداءات المستوطنين، شنت شرطة وقوات الاحتلال حملة تفتيش واعتقالات في قرية الطور وأحيائها طالت العشرات بينهم يعقوب أبو عصب وهو أسير سابق، ورئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي بعد اقتحام منزليهما في حي الصوانة الثلاثاء الماضي، ثم أفرج عنهما لاحقا بعد إبعاد الهدمي إلى الضفة الغربية، وفرض مخالفات وتقييدات على منازل عائلة أبو عصب.
وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان شبان حي الصوانة أول المقدسيين تبرعا بالدم في مستشفى المقاصد بالطور لصالح جرحى العدوان على غزة، كما أرّقت الأعلام الفلسطينية التي نصبها الشبان شرطة وقوات الاحتلال التي اقتحمت القرية غير مرة لانتزاع الأعلام وإزالتها.
بعد إعدامه ظهر اليوم.. قوات الاحتلال تقتحم منزل الشاب آدم أبو الهوى في قرية الطور بـ #القدس وتعيث فيه خرابا pic.twitter.com/3o4LyBnmgu
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) October 30, 2023
استشهاد أحد أبنائها
واشتدت المواجهات حدة في قرية الطور، بعد استشهاد ابنها آدم أبو الهوى (17 عاما)، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، برصاص الاحتلال قرب مدرسة المطران بالقدس، بعد اتهامه بطعن أحد الجنود وإصابته بجراح حرجة، حيث ترك ينزف حتى الموت واحتجز جثمانه، واقتحمت القوات منزل عائلته وعاثت فيه خرابا واعتقلت بعض أفراد أسرته.
ولأنها قالت في مقابلة مصورة “قتلوا واحد بس رح يجي بدل الواحد ألف، والنار بتزيد بقلوبنا” اعتقلت شرطة الاحتلال خالة الشهيد آدم بعد ساعات من ارتقائه، ووجهت إليها تهمة “التحريض على الإرهاب وتربية الأطفال عليه” وما زالت رهن الاعتقال.
لم تنقطع المواجهات في الطور والصوانة بعد استشهاد آدم، والتي استخدم فيها الاحتلال الرصاص المطاطي والقنابل الغازية والضوئية، ورش المياه العادمة على منازل المقدسيين، وأوقع عشرات الجرحى الذين نقل بعضهم إلى مستشفى المقاصد في الطور.
#شاهد.. “من اقتحام قوات الاحتلال لمستشفى المقاصد في بلدة الطور بالقدس المحتلة”. pic.twitter.com/QD4XGNBPa9
— شبكة فلسطين للحوار (@paldf) November 2, 2023
استهداف مستشفى المقاصد
طالت اعتداءات الاحتلال مستشفى المقاصد -أحد أكبر المستشفيات بالقدس- حيث اقتحمته قوات الاحتلال خلال الأسابيع الماضية أكثر من 3 مرات، كان أحدثها الخميس.
وقالت شرطة الاحتلال إنها اعتقلت 12 فلسطينيا من قطاع غزة -معظمهم من النساء- كانوا يمكثون داخل المستشفى رغم انتهاء صلاحية تصاريحهم الطبية، علما أنهم علِقوا في القدس بعد إحكام الاحتلال حصاره على القطاع وبدء العدوان عليه.
لم يكن آدم أبو الهوى شهيد الطور الأول، فقد سبقه كثيرون بينهم إبراهيم أبو غنام الذي استشهد داخل المسجد الأقصى إبان هبّة النفق في سبتمبر/أيلول 1996، ومحمد أبو غنام الذي ارتقى على أرض الطور في جمعة “النفير للأقصى” خلال هبّة باب الأسباط في يوليو/تموز 2017، وخيري علقم من حي الشياح الذي ارتقى بعد قتل 7 مستوطنين في يناير/كانون الثاني الماضي وما زال الاحتلال يحتجز جثمانه.
مصادرة أموال ومركبات
وضمن خطواته الانتقامية بحق المقدسيين، اقتحم الاحتلال منازل أكثر من 25 أسيرا وأسيرا محررا مقدسيا، الأربعاء الماضي، وصادر أموالهم ومركباتهم بحجة تلقيها من السلطة الفلسطينية، من بينهم أسرى أحمد أبو الهوى، وعبد الله الهدرة، وفيصل شبانة من قرية الطور.
يقول أبو الهوى (23 عاما) للجزيرة نت، إن قوات الاحتلال اقتحمت منزل عائلته وعاثت فيه خرابا، وصادرت مركبة شقيقته، و19 ألف دولار.
ويضيف الشاب المقدسي الذي أمضى 3 سنوات في السجن، ويستعد لزفافه بعد أشهر: “لم يبقوا شيكلا واحدا في الدار، حتى حصالة أخي الصغير (5 سنوات) صادروا كل ما فيها”.
ويفسر المحلل السياسي راسم عبيدات استهداف الطور وأحيائها بـ “سعي الاحتلال لبث الرعب والفزع في قلوب المقدسيين بعد عملية طوفان الأقصى، والانتقام منهم وتحطيم معنوياتهم”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن الاحتلال، وإضافة إلى تنكيله اليومي بالشبان وتأمينه البؤر الاستيطانية، عمل على فتح ملفات هدم المنازل والضرائب والتراخيص، كوسيلة إضافية للانتقام.
وتابع أن الاحتلال يستغل الظرف القائم للعبث بجبل الزيتون وقرية الطور، ضمن مخطط إقامة حزام استيطاني شرقي القدس بدءا من حي الشيخ جراح إلى وادي الجوز وجبل الزيتون وسلوان، ووصولا إلى جبل المكبر.