طهران – بعد أسبوع من تسريب تقريري الوكالة الذرية بشأن برنامج طهران النووي إلى مجلس المحافظين، بدأت الوكالة أمس الاثنين اجتماعها الفصلي في جنيف، مؤكدة أن إنتاج إيران من اليورانيوم العالي التخصيب “ينمو رغم تباطؤه”.
وأعرب المدير العام للوكالة رافائيل غروسي -خلال مؤتمر صحافي بمقر الوكالة في جنيف- عن أسفه لما عدّه “استخفافا” بما تقوم به إيران من تصعيد نووي، على وقع خفض محدود للتوتر بين طهران وواشنطن.
ووفق أحد التقريرين اللذين قدمهما غروسي، فإن طهران زادت على مدى الربع السنوي الماضي مخزونها من اليورانيوم بدرجة نقاء بلغت 60% بواقع 7.5 كيلوغرامات إلى 121.6 كيلوغراما، على الرغم من تخفيف 6.4 كيلوغرامات منه بيورانيوم مخصب بدرجات نقاء أقل.
ورغم انتقاد غروسي -في تقرير آخر قدمه إلى اجتماع مجلس محافظي الوكالة- استمرار طهران في منع الوكالة من الوصول إلى صور “كاميرات” المراقبة، وعدم توضيح مسألة العثور على آثار يورانيوم عالي التخصيب في موقعين، فإن مراقبين إيرانيين يلمسون في التقريرين تقدّما في تعامل بلدهم مع مخاوف الوكالة الدولية ونقاطا سلبية ستبقي الملف مفتوحا لديها.
تقدم سياسي
يركّز أستاذ العلاقات الدولية في “جامعة طهران” رحمان قهرمان بور، في قراءته لتقرير الوكالة، على “تباطؤ نمو مخزون إيران من اليورانيوم العالي التخصيب”، ويراه مؤشرا على قرار سياسي يهدف إلى خفض التوتر في ملف بلاده النووي.
ويصف قهرمان بور -في حديث للجزيرة نت- تقدم برنامج طهران النووي بـ”الخجول” على المستوى السياسي، موضحا أن التقرير جاء “متناغما مع اتفاق الجانبين الإيراني والأميركي الشهر الماضي على صفقة لتبادل السجناء، والتسريبات التي تتحدث عن تفاهم شفهي بينهما”.
وأضاف أن بلاده أقدمت على خطوات عملية لبناء الثقة مع المجتمع الدولي والوكالة الذرية عبر تخفيف نقاء اليورانيوم.
ويأتي التقدم النسبي في ملف إيران النووي بعد قرارها، قبل نحو 6 أشهر، باستئناف التعاون التقني مع الوكالة الذرية، مما انعكس إيجابا على الملف خلال اجتماعي محافظي الوكالة في مارس/آذار ويونيو/حزيران الماضيين.
وأوضح الأكاديمي الإيراني أنه بعد العمليات التخريبية التي استهدفت منشأة كرج لتركيب أجهزة الطرد المركزية ونقل معداتها إلى أصفهان، لم يتم تركيب معدات المراقبة التابعة للوكالة الذرية في الموقع الجديد بانتظار رفع العقوبات وفق قانون “المبادرة الإستراتيجية لإلغاء الحظر”، الذي أقره البرلمان الإيراني عام 2020.
وأوضح أن طهران تقصد من تخفيف مقادير اليورانيوم بدرجة نقاء 60% بدرجات نقاء أقل “تحويل اليورانيوم-235 إلى أوكسيد الأورانيوم”، معتبرا الخطوة دليلا على عدم رغبة طهران في تجاوز العتبة النووية.
وخلص قهرمان بور إلى أن الخلافات التقنية بين الوكالة الذرية وطهران من شأنها إبقاء الملف النووي مفتوحا، وقد تغطي على الإنجازات السياسية والتقنية الأخرى التي بذلتها طهران في سياق بناء الثقة، لكنها لا ترتقي إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، حسب تقديره.
عباءة السياسة
و”إلى جانب التقدم السياسي في ملف طهران النووي، فإن تقرير الوكالة الذرية يتضمن تقدما في التعاون التقني بإشارته إلى تقليص مسألة العثور على آثار يورانيوم عالي التخصيب في موقعين من أصل 4 مواقع”، وفق الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني.
ويقول أصلاني للجزيرة نت إن “سبب استمرار الخلاف بشأن الموقعين المتبقيين سياسي أكثر منه تقني”. ويرى أن تقديرات الوكالة الذرية عن الملف النووي الإيراني تراجعت من “التعبير عن القلق في التقارير السابقة” إلى “التعبير عن الأسف في التقرير الأخير”، مما يدل على “تقدم في تعاون طهران مع الوكالة وخفض التوتر بينهما”.
ويضيف “أنه من غير المنطقي أن تُقدم إيران على تركيب جميع الكاميرات المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، في ظل تنصل الأطراف الغربية عن الوفاء بتعهداتها فيه”.
ورأى أصلاني أن سياسة بلده “قد تكون صائبة في مساعيها الرامية إلى إبقاء بعض القضايا الخلافية لاستثمارها في المفاوضات السياسية”.
وبشأن رغبة طهران بتأجيل الملفات العالقة مع الوكالة حتى موعد الرئاسيات الأميركية 2024، خشية فوز الجمهوريين وتكرار تجربتهم مع الاتفاق النووي حيث انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه عام 2018، يعتقد أصلاني أن الإدارة الديمقراطية هي التي تمنع حسم بعض القضايا الخلافية مع طهران لتحييد ضغوط صقور الجمهوريين في الكونغرس الأميركي.
وساطة عمانية
وخلص أصلاني إلى أن التقدم السياسي والتقني في ملف طهران النووي قد يدفع بعجلة المساعي السياسية لحلحلة المزيد من الخلافات العالقة بين واشنطن وطهران.
من جانبه، يعتبر مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان أن تقارير الوكالة الذرية لطالما تأثرت بالمستجدات السياسية وأجندة القوى الكبرى طوال العقود الماضية.
وقال -للجزيرة نت- إن مخرجات الاجتماع الراهن للوكالة ستتأثر بنتائج الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن، لا سيما صفقة تبادل السجناء بينهما.
ويرى صدقيان أن تقرير الوكالة الذرية يصب في مصلحة بلاده انطلاقا من “عدم تطرقه بتاتا إلى نوايا إيرانية لعسكرة برنامجها النووي أو توصل مفتشي الوكالة إلى معطيات تؤكد وجود برنامج سري لدى طهران”.
ويعتقد أن إشارة الوكالة الذرية إلى إبطاء إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم وتخفيف درجة نقاء مقادير منه، يتناغم والتسريبات عن صفقة توصل إليها الجانبان الإيراني والأميركي بوساطة عمانية، مفادها -كما تقول التسريبات- “إبقاء إيران مستوى تخصيب اليورانيوم عند درجة 60% وخفض وتيرته”.
وأكد “أنه خلافا للعلاقة بين الأروقة السياسية الغربية والمنظمات الأممية، فإن طهران تسعى حثيثا لفصل المفاوضات السياسية عن تعاونها التقني مع الوكالة الذرية”.