مخيم جنين – بعد 8 أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، خرج الطفل عبد الكريم السعدي من مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية فجر اليوم الأحد، ضمن صفقة تبادل الأسرى، لكنه حتى الآن لم يستطع الالتقاء بعائلته والعودة إلى منزله في المخيم، بسبب اقتحامه من قِبل قوات الاحتلال وتجريف مداخله ومحاصرته من كل الجهات؛ وهو ما منع أسرة عبد الكريم من الخروج لاستقباله.
وقالت أم ظاهر السعدي والدة عبد الكريم “طوال أمس كنا على أعصابنا، ففي كل ساعة كانت تنشر قائمة بأسماء الأسرى المتوقع الإفراج عنهم على مواقع التواصل، وطوال الوقت لم نكن متأكدين من خروجه، لكن مع ساعات المغرب وصلتنا القائمة الأكيدة من نادي الأسير والتي تضم اسم عبد الكريم، ومع وصولها كانت قوات الاحتلال تحاصر مداخل المخيم، حاولنا الخروج لكن ذلك لم يكن متاحا”.
دخلت قوات الاحتلال مخيم جنين وبدأت الاشتباكات في كل أزقته تقريبا، وكانت جرافات الاحتلال تدمر ساحة المخيم، ومحيط دوار الحصان وعدة شوارع في عمق المخيم، وبدأت الإصابات تصل إلى مشافي المدينة التي تم محاصرتها من لحظة الاقتحام الأولى.
لذلك بقيت العائلة عالقة في منزلها لا تتمكن من مغادرته، وأضافت أم ظاهر “كل ساعة كانت تمر كان توتري يزيد، من جهة لا أستطيع الخروج من المخيم بسبب وجود جيش الاحتلال، ومن جهة لا أعرف شيئا عن ولدي، بقينا في هذا القلق والتوتر، حتى ساعات الفجر، حينها شاهدت ولدي عبد الكريم يظهر على شاشة الجزيرة، بهذه الطريقة فقط تأكدت من إطلاق سراحه”.
الاستقبال بالهاتف فقط
وباتصال هاتفي استقبلت عائلة السعدي ولدها عبد الكريم المحرر من سجون الاحتلال، ولم تتمكن والدته من معانقته لحظة وصوله إلى رام الله، وفي الوقت الذي كانت تحاول السعدي محادثة ابنها، والاطمئنان عليه، كانت طائرة مسيّرة إسرائيلية تقصف المنزل المقابل لمنزلها في محيط مقر وكالة الغوث “الأونروا” في المخيم، وقبلها كانت جرافة الاحتلال تجرف الشارع. وتقول الأم “جرفوا الشارع كله ووضعوا الركام أمام باب منزلنا، لا أعرف كيف يمكن أن يصل عبد الكريم إلى هنا، السيارات لا تتمكن من عبور شوارع المخيم، بالتالي لا يمكن لعبد الكريم العودة إلى المنزل”.
وأضافت “من 8 أشهر لم ير عبد الكريم المخيم، ولم يدخل المنزل، وطوال هذه الفترة يعيش في ظروف صعبة في السجن خاصة وهو طفل صغير، لا أريد أن يعود إلى المنزل بهذه الظروف، بدل أن يعود إلى بيته بالفرح سيعود ليرى جنازات الشهداء وقصف منزل الجيران، وتدمير الشارع إغلاق باب المنزل، آثرت عدم عودته اليوم”.
إلى جانب عبد الكريم السعدي، كان الطفل محمد حواشين (17 عاما) على موعد مع الإفراج عنه ليلة أمس، وبذات الحال لم تتمكن عائلته التي تعيش في حارة الحواشين في مخيم جنين من الخروج لاستقباله، ولم يتمكن هو حتى اللحظة من العودة إلى المخيم بسبب اقتحامه.
تقول سهير حنتولي والدة محمد “منذ 7 أشهر اعتقل محمد، هو ابني الوحيد، وكل شهر كان يجري تأجيل محاكمته، استقبلته بمكالمة هاتفية، وأنا التي كنت أنتظر بفارغ الصبر أن أعانقه وأشمّ رائحته”.
البقاء في محافظة أخرى
وبقي محمد وعبد الكريم في رام الله في منزل قريب محمد، ولا يستطيع الاثنان العودة إلى منزليهما في المخيم، بسبب توتر الأوضاع هناك وتكرار الاقتحامات الإسرائيلية.
لذلك بقيت والدة حواشين طوال الليل على أعصابها، وتقول “في اللحظة التي علمت بها بتعذر إطلاق سراح الأسرى بسبب خلافات حول اتفاقيات الهدنة بين المقاومة وإسرائيل، انهرت تماما، كنت أفكر في نفسية محمد الذي وصل إلى سجن عوفر وهو يستعد للخروج من السجن ثم يعاد مرة أخرى إذا ألغيت الصفقة، فكرت كيف ستتأثر نفسيته فما يزال طفلا بكل الأحوال”.
وتؤكد الحنتولي أن الاحتلال يسعى دائما لتخريب أي فرحة للفلسطينيين، ليس فقط باعتقالهم وقتلهم، بل منعهم من التنقل بسهولة بين المدن الفلسطينية، وحرمانهم من الأمان، مضيفة “طلبت من أقاربي في رام الله استقبال محمد ورفيقه عبد الكريم، لأني لم أتمكن من الوصول إليه في رام الله لحظة تحرره، وقلت له إن الوضع في المخيم خطر، وإنه من الأفضل البقاء في رام الله لحين هدوء الأوضاع هنا”.
وأكدت أنه “شعور لا يوصف أن أمنع من احتضان ابني بعد كل هذه الفترة، ألا يتمكن من النوم في فراشه، ولا رؤية منزله وأهله، لكن هذا حكم الاحتلال وهذه هي ظروف معيشتنا في المخيم، هم يقتلون أي فرحة لنا”.
واعتُقل محمد وعبد الكريم في الربع الأول من هذا العام بتهمة محاولة تنفيذ عملية وقتل شخص في مدينة القدس، ومنذ لحظة اعتقالهما، تتم تأجيل محاكمتهما كل شهر، وتؤكد عائلتاهما أن المحاكمة القادمة كانت مقررة الشهر القادم، ووفق المحامين فإن التقديرات كانت تتجه إلى احتمالية توجيه حكم قاس لسنوات طويلة.