القدس المحتلة- بالتزامن مع صدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، والذي طالب إسرائيل بوقف هجومها العسكري على رفح فورا، شن الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة على مناطق متفرقة في قطاع غزة.
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إجراء مشاورات أمنية عاجلة، للتباحث في الإجراءات الممكن اتخاذها للالتفاف على قرار المحكمة.
وعكست الهجمات الجوية المكثفة التي تركزت على محافظة رفح الإجماع الإسرائيلي المتمثل بالائتلاف الحكومي وأحزاب من معسكر المعارضة، الرافض للقرار الصادر عن المحكمة، والذي يشمل أيضا تدابير احترازية جديدة بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك بناء على الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا.
وإلى جانب الأمر بالوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، تنص التدابير الاحترازية الجديدة على إعادة فتح معبر رفح أمام دخول المساعدات إلى القطاع، وأن تضمن إسرائيل وصول أي لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق بشأن تهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية بالقطاع، وكذلك إلزام تل أبيب بتقديم تقرير للمحكمة خلال شهر عن الخطوات التي ستتخذها.
إجماع على الانتقاد
قوبل قرار المحكمة الدولية بإدانات شاملة من قبل الأوساط السياسية والحزبية في تل أبيب، حيث أكدت دعمها للجيش الإسرائيلي والعلميات العسكرية التي يقوم بها في القطاع، بزعم “الدفاع” عن إسرائيل وإعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس.
وفي إشارة لعدم الالتزام بقرار المحكمة وتبرير استمرار العدوان على الفلسطينيين، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن إسرائيل في حالة حرب من أجل وجودها، وإن الشعب اليهودي يتمتع بالاستقلال والقدرة على حماية حياته، “ومن يطالب إسرائيل بوقف الحرب يطالبها بإنهاء وجودها، ولن نوافق على ذلك”.
الموقف ذاته عبر عنه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي هاجم المحكمة في لاهاي، وقال إن الأمر غير الواقعي الصادر عن المحكمة المعادية للسامية في لاهاي يجب أن يكون له إجابة واحدة فقط، “احتلال رفح، وزيادة الضغط العسكري حتى هزيمة حماس، وتحقيق النصر الكامل في الحرب”، على حد تعبيره.
وتجند عضو مجلس الحرب ورئيس “المعسكر الوطني” بيني غانتس للدفاع عن إسرائيل، حيث سارع بالتحدث هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشأن قرار العدل الدولية، وطالب دعم الإدارة الأميركية في حال رفع قرار المحكمة إلى مجلس الأمن.
وأتى هذا الاتصال الهاتفي لغانتس، بالرغم من استبعاد نتنياهو له، إلى جانب الوزير غادي آيزنكوت، من المشاورات العاجلة للرد على قرار المحكمة الدولية، حيث أكد غانتس في تغريدة له على منصة “إكس” أن “إسرائيل ملتزمة باستمرار القتال حتى استعادة مختطفيها وأمن مواطنيها في كل مكان، وفي رفح”.
وأتت الانتقادات لقرار المحكمة الدولية أيضا من زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، الذي قال إن عدم ربط محكمة العدل في حكمها بين وقف القتال في رفح وعودة المختطفين “انهيار أخلاقي وكارثة أخلاقية” بحسب تعبيره.
وواصل لبيد توجيه انتقادات لحكومة نتنياهو، قائلا في تغريدة على منصة “إكس” إنه “كان من الممكن منع حكم محكمة العدل، ولكننا لن ننتصر مع هذه الحكومة”.
وبدا رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، المعارض لحكومة نتنياهو، أكثر انتقادا لقرار المحكمة، حيث قال في بيان مقتضب إن “قرار محكمة العدل يثبت أن مؤسسات الأمم المتحدة وكذلك المحكمة الجنائية أصبحت مساعدة للإرهابيين في جميع أنحاء العالم، قرار الحكومة الإسرائيلية بالمثول أمام المحكمة الدولية كان خطأ جسيما”.
عملية رفح مستمرة
وقال مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” للشؤون السياسية إيتمار آيخنر إن قرار المحكمة الدولية يضع القيادة الإسرائيلية أمام معضلة مركزية وحيرة فيما إذا كان على إسرائيل أن تطيع الأمر أم لا؟، أو أن تواصل العلميات العسكرية بالقطاع دون الاكتراث للأوامر والتدابير الاحترازية الصادرة عن المحكمة.
ويعتقد المراسل أن القرار الذي اتخذته المحكمة، وعلى الرغم من أنه لم يشمل كل ما طلبته جنوب أفريقيا، فإنه “قرار مثير للقلق” بالنسبة لإسرائيل، ويمكن اعتباره أكثر إشكالية بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
وأوضح أن القرار يتحدى أيضا الولايات المتحدة، التي عارضت العملية العسكرية في رفح وحذرت من كارثة إنسانية، وهو التحذير والموقف الذي استشهد به رئيس المحكمة القاضي اللبناني نواف سلام، في معرض قراره.
وبشأن تأثير قرار المحكمة الدولية على سير القتال في رفح، أشار محلل الشؤون العسكرية والأمنية في الموقع الإلكتروني “واينت” رون بن يشاي إلى أن إسرائيل والجيش الإسرائيلي يمكنهما التعايش مع قرارات المحكمة الدولية، قائلا إن مطالبة إسرائيل بوقف القتال في رفح ليست قطعية، بل مشروطة بعدم المساس أو الضرر بالسكان المدنيين الفلسطينيين وضمان سلامتهم.
وبذلك، يقول محلل الشؤون العسكرية والأمنية إن المحكمة تبنت موقف الإدارة الأميركية، التي اقتنعت بالفعل بأن إسرائيل تفعل ما هو ضروري لمنع إلحاق الأذى بالسكان الفلسطينيين، وبالتالي فإن واشنطن لا تعارض استمرار العملية العسكرية في رفح، ويمكن لإسرائيل أن تدعي أنها تعمل كل ما بوسعها لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين، وتركز عملياتها العسكرية ضد التنظيمات المسلحة.
ويعتقد محلل الشؤون العسكرية والأمنية أنه حتى لو تم رفع القرارات إلى مجلس الأمن، فمن غير المؤكد أن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في فرض حق النقض “الفيتو”، لكنه يقول إنه على الرغم من الدعم الأميركي، فإن المحكمة في قراراتها أشهرت “بطاقة برتقالية زاهية” لإسرائيل، وسببت لها أضرارا خطيرة على الساحة الدولية.
وفي استعراض للمعاني القانونية لقرار المحكمة الدولية من وجهة النظر الإسرائيلية، قال المحامي راز نزري النائب السابق للمستشار للمدعي العام الإسرائيلي إن قرار المحكمة “سيئ وخطير بالنسبة لإسرائيل” على المستوى السياسي والقانوني والاقتصادي والإعلامي، وهو يعبر عن تسييس المحاكم الدولية.
ويعتقد المحامي أن إسرائيل ستواصل العلميات العسكرية في رفح والقطاع، وستقول إنها “تتصرف بهدف تجنب إيذاء المدنيين”، لكنها عندما تقاتل حماس من بين السكان المدنيين، فإنها ستقتل مدنيين أيضا.
ورجح نزري خلال حديثه للقناة 12 الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي الذي سيدعي في تبريرات أنه لا ينتهك قرارات المحكمة الدولية، سيواصل العلميات العسكرية من أجل النيل من حماس سياسيا وعسكريا وإعادة المختطفين الإسرائيليين.