كيف تنظر إيران والعراق إلى ربط سكك الحديد بين شلمجة والبصرة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

طهران – بغداد – بعد تأخير دام أكثر من 4 عقود، وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومحمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني، السبت، حجر الأساس لمشروع الربط السككي بين منطقة شلمجة الإيرانية ومدينة البصرة العراقية.

ورغم اتفاقهما على أهمية المشروع وتأثيره في تعزيز العلاقات الثنائية، فإن الجانب الإيراني تحدث عن نيته لربط أراضيه بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق، بينما يرى الأخير أن غايته لا تتجاوز نقل المسافرين بين البلدين.

إيرانيا، اعتبر مخبر أن المشروع “خطة إستراتيجية” من شأنها أن تُحدث قفزة كبيرة للغاية في زيادة المبادلات التجارية إلى 30 مليار يورو، مضيفا أن الربط السككي سيوفر الأرضية لربط “العتبات المقدسة” بين البلدين.

بذرباش قال إن المشروع سيمكن بلاده من الاتصال بموانئ غرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط (الصحافة الإيرانية)

الموقف الإيراني

وفي تصريح صحفي أدلى به قبيل التوجه إلى معبر شلمجة الحدودي ولقاء الضيف العراقي، وصف المسؤول الإيراني الربط السككي وامتداده إلى البحر الأبيض المتوسط بأنه “حدث مبارك”، مضيفا أن المشروع سيؤدي إلى تطور في الشرق الأوسط من خلال إكمال الممرات الدولية في مجال النقل والشحن.

من جانبه، تحدث وزير الطرقات وبناء المدن الإيراني مهرداد بذرباش، عن أهمية المشروع الذي سيمكن بلاده من الاتصال بموانئ غرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط عبر الممر “الشرق-الغرب”.

وأوضح بذرباش أن الخلاف الأساسي الذي حال دون تنفيذ المشروع حتى الآن “کان حول قضية الأرض، حیث سبق أن زُرع العديد من الألغام فيها خلال الحرب المفروضة (1980-1988)”، لافتا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة الألغام من هذا المسار.

وفي تصريحات صحفية على هامش تفقده معبر سلمجة الحدودي، كشف الوزير الإيراني عن اتفاق مع الجانب السوري للربط السككي بين طهران ودمشق، مضيفا أن بلاده ستضع مهمة تشكيل تحالف ثلاثي بمشاركة إيران والعراق وسوريا على جدول أعمالها وسيكون الربط السككي في صلبه.

الأسواق الأوروبية

ويرى مراقبون في طهران أن مد السكك الحديدية والطرق السريعة بين إيران والعراق وصولا إلى دمشق ثم بيروت يمثل هدفا إستراتيجيا بالنسبة لإٍيران، بيد أنه يواجه معارضة شرسة بسبب الحضور الأميركي على الأراضي العراقية والسورية.

ويصف العالم الاقتصادي الإيراني الدكتور بهمن آرمان، السكك الحديدية الممتدة من ميناء الإمام الخميني على الضفة الشمالية للمياه الخليجية إلى الأراضي العراقية بأنه جزء من الممرات الإيرانية لربط الشرق بالغرب.

وفي حديثه للجزيرة نت، كشف آرمان عن مشاريع إيرانية لربط المياه الخليجية بالأسواق الأوروبية مرورا بالعراق وتركيا، معلنا أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيقوم بزيارة خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى محافظة عيلام المحاذية للحدود العراقية من أجل وضع حجر الأساس لإنشاء طريق سريع يربط الأراضي الإيرانية بمدينة النجف عبر معبر جيلات الحدودي.

وأشار الباحث الإيراني إلى الأهمية البالغة التي تتمتع بها هذه المشاريع في تسهيل نقل المسافرين بين البلدين والمكاسب الاقتصادية لطهران التي سوف تتحول إلى مركز لتدفق البضائع بين الشرق والغرب، موضحا أن الدبلوماسية الإيرانية سوف تتولى مهمة الاتفاق مع بغداد لربط الطريق السريع والسكك الحديدية بميناء اللاذقية السوري حيث مياه البحر المتوسط.

آرمان يتحدث عن مشاريع إيرانية لربط المياه الخليجية بالأسواق الأوروبية مرورا بالعراق وتركيا 1 (الصحافة الإيرانية)
آرمان تحدث عن مشاريع إيرانية لربط المياه الخليجية بالأسواق الأوروبية مرورا بالعراق وتركيا (الصحافة الإيرانية)

الموقف العراقي

على الجانب العراقي،  فقد أثار المشروع حفيظة العديد من الباحثين بسبب ما یعتبرونه ضررا سيلحق بالمصالح الوطنية، في الوقت الذي تنفي فيه الحكومة هذه الادعاءات.

من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي إن “الحكومة مضت باتجاه مشروع الربط السككي وإنها خطوة عملية للنهوض بواقع البنية التحتية بعد عقود من العزلة في إقامة المشاريع المشتركة مع دول الجوار”.

وبيّن العوادي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن الموقع الجغرافي للعراق يقتضي أن يكون في قلب المنطقة في الترابط السككي والبري والجوي، مؤكدا أن المرحلة الجديدة للربط السككي تهدف لنقل المسافرين والزائرين من إيران وما وراءها من أواسط آسيا.

وفي رده على الآراء التي ترى أن المشروع سيؤثر على المكانة الاقتصادية لميناء الفاو، بيّن العوادي أن حكومته لم تقدم على وضع حجر الأساس للمشروع إلا بعد دراسة الجدوى الاقتصادية وضمان أمن العراق الاقتصادي والسياسي، وألا تمس مثل هذه المشاريع سيادة البلد.

وتابع “لا يمكن لحكومة تبنت إكمال ميناء الفاو، وخصصت له المليارات من الموازنة، واقترحت مشروع طريق التنمية بقيمة 17 مليار دولار على مدى 5 سنوات أن تذهب باتجاه مشروع آخر بالضد من أهدافها”.

انتقاد وتشكيك

من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني أن الربط السككي مع إيران لا يزال يفتقر للشفافية، حيث تؤكد الحكومة العراقية أنه يهدف لنقل المسافرين، في الوقت الذي تؤكد فيه إيران أن المشروع يهدف لنقل البضائع إلى ميناء طرطوس السوري.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال المشهداني إنه في حال كان الربط يهدف لنقل البضائع، فإن المشروع سيؤثر على ميناء الفاو العراقي (قيد التنفيذ)، لا سيما أن الرصيف الأول للميناء سيدخل الخدمة عام 2025، في حين تحظى إيران بموانئ ضخمة تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية.

في غضون ذلك، يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي -في حديثه للجزيرة نت- أن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين يبرر لهما الشروع بالربط السككي، حيث إن ميناء الفاو سيكون مخصصا للحمولات الثقيلة للبضائع وبتكاليف أقل من النقل بالقطارات.

وتابع قصي أن العراق يمكن أن يتحكم بنوع البضائع من خلال السياسة الجمركية من أجل عدم الإضرار بميناء الفاو، فضلا عن أن ما يشاع عن طموح ربط السكك الحديدية بموانئ سوريا يقف دونه الوضع في سوريا، إذ إن الأخيرة غير مهيأة حاليا لمثل هذا الربط، وفق قوله.

 

 

المصالح الوطنية

بدوره، يرى مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان، أن إيران ومنذ تبلور فكرة إنشاء ميناء الفاو عام 2017 شرعت بالضغط على بغداد لتنفيذ الربط السككي، وأن طهران استثمرت جميع اللقاءات الدبلوماسية بين البلدين لأجل ذلك.

وتابع الجنابي -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا المشروع سيضر بالمصلحة الوطنية للعراق، وأن ميزان المصلحة في المشروع يميل لصالح إيران، مبينا أنه رغم الطموحات الإيرانية، غير أن هناك العديد من المشاكل التقنية في التنفيذ، كون المنطقة تتسم بالوعورة ووجود العديد من حقول الألغام.

وخلص إلی أنه “من المستبعد تنفيذ المشروع انطلاقا من أن التحركات الأميركية في سوريا تعمل على منع ربط إيران بالبحر المتوسط، كما يمكن للعراق استغلال هذا المشروع لمساومة إيران في سبيل السعي للحصول على تنازلات إيرانية فيما يتعلق بملف المياه والتحركات العسكرية لطهران على الحدود المشتركة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *