موسكو- منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، مرت العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بمراحل متنوعة تراوحت بين التقارب إلى درجة التعاون الإستراتيجي، والتباعد إلى درجة الخصومة واتخاذ خطوات تصعيدية متبادلة.
وشكل ملف توسع الناتو شرقا أول انهيار كبير في العلاقات بين الطرفين، إذ تعتبر موسكو أن قبول أعضاء جدد في الحلف يستلزم تقليص فترة النشر الإستراتيجي لقواته، ما يبقي لروسيا وقتا أقل لرفع قواتها إلى الاستعداد القتالي.
ودخلت العلاقات في أزمة إضافية ونوعية مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية وإعلان بروكسل وقوفها الكامل إلى جانب كييف وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية لها في الحرب مع موسكو.
فيما يلي أبرز محطات العلاقة بين روسيا والحلف منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن:
مرحلة التعاون
في ديسمبر/كانون الأول 1991، انضمت روسيا إلى مجلس التعاون لشمال الأطلسي، وهو برنامج يهدف إلى تحسين علاقات الحلف مع الدول خارج الكتلة. وفي عام 1997، تمت الاستعاضة عن هذه الصيغة بمجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، الذي ضم كافة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والدول الشريكة في المنطقة الأوروبية الأطلسية.
في يونيو/حزيران 1994، انضمت روسيا إلى برنامج الشراكة من أجل السلام، وأرسلت قوة لحفظ السلام تحت رعاية الناتو إلى غرب البلقان.
وشهد مايو/أيار 1997 التوقيع على القانون التأسيسي بين روسيا وحلف الناتو في باريس، ليصبح الأساس الرسمي للعلاقات الثنائية.
ونصت الوثيقة على عقد اجتماعات وإنشاء بعثة روسية دائمة لدى الحلف في بروكسل، بالإضافة إلى مكتب إعلامي وبعثة اتصال عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي في موسكو. وتضمنت الوثيقة تعهدا من قبل الحلف بعدم نشر قوات بالقرب من حدود روسيا على أساس دائم.
وفي مارس/آذار 1998 تم إنشاء بعثة دبلوماسية لروسيا لدى الناتو لتعزيز الحوار الثنائي. وفي مارس/آذار 2000، صرح القائم بأعمال الرئيس فلاديمير بوتين بأنه لا يستبعد إمكانية انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي ولكن مع الكثير من التحفظات.
وفي سبتمبر/أيلول 2000، تم افتتاح مكتب معلوماتي للناتو في موسكو ملحق بالسفارة البلجيكية. وفي عام 2001 استمر التقارب بين روسيا والحلف بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، وتطور التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب.
وشهد العام 2002 ذروة التقارب والتعاون بين الطرفين، من خلال التوقيع على إعلان روما “العلاقات بين روسيا والناتو: نوعية جديدة”، والذي بموجبه تم إنشاء مجلس روسيا والناتو في مايو/أيار من ذلك العام. وتتمثل مهام المجلس في تنسيق وتطوير المواقف المشتركة بشأن القضايا الرئيسية، وفي المستقبل، نقل العلاقات بين روسيا والحلف إلى مستوى أعلى مع إمكانية العضوية الكاملة.
وفي 2003 اقترح وزير الدفاع الروسي، سيرغي إيفانوف، أن يقوم الحلف بالعبور الجوي للوحدات العسكرية عبر الأراضي الروسية، وقبل الناتو هذا الاقتراح.
مرحلة البرود
في العاشر من فبراير/شباط 2007 دخل البرود العلاقات بين الجانبين بعد خطاب بوتين في مؤتمر ميونخ للأمن والذي قال فيه إن روسيا والحلف متحدان فقط في مكافحة تهريب المخدرات.
وبدأ التوتر بين الجانبين في 2008 بسبب المناقشات داخل حلف الناتو حول إمكانية انضمام أوكرانيا وجورجيا. وفي حين أصرت واشنطن على عضويتهما، وقال الحلف إن بوسعهما أن تصبحا أعضاء في الحلف عندما تلبيان متطلبات المنظمة، أكدت موسكو وجود نية لتوسيع التحالف شرقا، واعتبرت أن ذلك يشكل تهديدا لها.
في أبريل/نيسان 2008 صرح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، يوري بالويفسكي، بأنه إذا انضمت أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو، فإن موسكو ستستخدم “التدابير العسكرية وغيرها” للدفاع عن مصالحها على الحدود.
وفي أغسطس/آب 2008 تعمق الخلاف بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشأن الحرب التي استمرت 5 أيام في جورجيا، وسط اتهامات لموسكو باستخدام القوة العسكرية غير المتناسبة. وحتى ربيع عام 2009، تم تعليق اجتماعات مجلس روسيا والناتو وتجميد تنفيذ عدد من البرامج المشتركة.
تدهورت العلاقات تماما في مارس/آذار 2014، حيث تم تعليق كافة أشكال التعاون تقريبا بعد ضم روسيا لشبهة جزيرة القرم واندلاع الصراع المسلح في شرق أوكرانيا، مع اتهام الحلف موسكو بالتدخل في الصراع والقيام بأعمال عدوانية.
في الثامن من أبريل/نيسان 2014، حظر الحلف دخول جميع موظفي البعثة الروسية إلى مقاره باستثناء المندوب الدائم ونائبه ومساعده، وأمر بتخفيض عدد المندوبين الدائمين من 70 إلى 50 شخصا.
ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، لم تتم دعوة روسيا لحضور قمة الناتو التي انعقدت في المملكة المتحدة في سبتمبر/أيلول 2014 وبحثت الوضع في أوكرانيا و”التهديدات” الروسية، وتقرر فيها تشكيل قوة عمل على درجة عالية من الاستعداد في حالة وقوع هجوم روسي على أي من دول الناتو.
مرحلة التهديد المتبادل
في ديسمبر/كانون الأول 2014، تبنت روسيا عقيدة عسكرية جديدة تعتبر تعزيز القدرات العسكرية للناتو واقتراب الحلف من حدودها أحد التهديدات الرئيسية.
في حين اعتبرت قمة الناتو في يوليو/تموز2016 روسيا التهديد الرئيسي لأعضاء الحلف، واعتمدت برنامجا لزيادة القدرات الدفاعية في البيئة السيبرانية للحماية من الإجراءات المحتملة من جانب موسكو.
في 2018 تحدث الناتو عن “أنشطة استفزازية روسية” على حدوده الغربية، وكذلك في البحر الأسود وبحر البلطيق، وأدان حادثة تسميم ضابط الاستخبارات الروسية السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبوري (بريطانيا) ونسبها إلى روسيا.
وشهد عام 2019 انتهاء الحوار بصيغة روسيا-حلف شمال الأطلسي بشكل فعلي، وصرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن الناتو يعتبر “المسألة الأوكرانية” أولوية، بينما موسكو لا تنوي مناقشة هذا الموضوع بهذه الصيغة.
وفي مارس/آذار 2021، اتهم المشاركون في اجتماع مجلس وزراء خارجية دول الناتو روسيا بزعزعة استقرار الوضع في الدول المجاورة وأكدوا أن العلاقات معها لن تتحسن في المستقبل القريب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، طرد الحلف 8 من موظفي البعثة الدائمة الروسية وألغى منصبي اثنين آخرين وخفض طاقم البعثة من 20 إلى 10 أفراد، وردت موسكو بتعليق عمل بعثتها وأوقفت الاتصالات العسكرية وأنشطة مكتب معلومات الحلف في موسكو.
وقدمت السويد وفنلندا في مايو/أيار 2022 طلبات للانضمام إلى الحلف، وفي الخامس من يوليو/تموز من نفس العام، تم التوقيع على بروتوكولات انضمامهما إلى التحالف. وتأخرت عملية التصديق بسبب معارضة كل من تركيا وهنغاريا.
ومؤخرا في الأول من أبريل/نيسان، وصف رئيس الوفد الروسي في مفاوضات فيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح، قسطنطين غافريلوف، العلاقات الحالية بين روسيا والحلف بأنها أسوأ من الحرب الباردة.