بيروت– سلك التصعيد على جبهة لبنان وفلسطين المحتلة مسارين متوازيين: إسرائيل تكثف عملياتها الأمنية والاستخباراتية باستهداف مقاتلي وقياديي حزب الله الميدانيين، وحزب الله يكثف من عملياته العسكرية النوعية، كاشفا عن جانب جديد من قدراته العسكرية والجوية.
وردا على ما أسماه حزب الله “اغتيال العدو لعدد من المقاومين في عين بعال والشهابية جنوبي لبنان”، شن بعد ظهر أمس الأربعاء، هجوما مركبا بالصواريخ الموجهة والمسيَّرات الانقضاضية، على مقر قيادة سرية الاستطلاع العسكري المستحدث، في بلدة “عرب العرامشة” الواقعة بالقطاع الغربي، وتسمى بالمركز الجماهيري، وأصابه إصابة مباشرة وأوقع أفراده بين قتيل وجريح.
وشكل هذا الاستهداف بواسطة مسيرات انتحارية، صدمة في الأوساط الإسرائيلية، وسبقته قوات الاحتلال، الاثنين، باستهداف سيارة في بلدة عين بعال، مما أدى إلى سقوط قتيل وإصابة اثنين بجروح من مقاتلي حزب الله، كما سقط قتيل آخر لحركة أمل، يدعى حسين قاسم كرشت.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال، إنها اغتالت قائدا ميدانيا في حزب الله، يدعى إسماعيل يوسف باز الملقب بـ”أبو جعفر”، وهو من بلدة الشهابية، وقد نعاه الحزب من دون الإشارة إلى صفته كقائد. وادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أنّ بازا، هو قائد منطقة الشاطئ لدى الحزب.
توازيا، استهدفت إسرائيل بغارتين سيارتين ببلدة الشهابية، سقط على إثرهما شهيدان لحزب الله، هما محمد الشحوري من بلدة الشهابية ومحمود إبراهيم فضل الله.
وكان حزب الله عقب عمليات الاغتيال، الاثنين، شن أيضا هجوما جويا بمسيرات انقضاضية على دفعتين، استهدفتا منظومة الدفاع الصاروخي في بلدة بيت هيلل، وأصابت منصات القبة الحديدية وطاقمها، وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح، وفق ما أعلن الحزب.
عرب العرامشة
وتسبب استهداف حزب الله، لمركز قوات الاحتلال بعرب العرامشة -المحاذية للحدود اللبنانية، والتي تقع قبالة بلدتي يارين والضهيرة في القطاع الغربي– في إصابة 19 إسرائيليا بجروح معظمهم من الجنود.
وانشغلت الأوساط الإسرائيلية بتحليل هذا الهجوم النوعي لحزب الله، وشكل مادة دسمة للإعلام الإسرائيلي. وقالت قناة 12 العبرية، إن حزب الله حدد نقطة تجمع للجنود، ونفذ هجوما مركبا عبر إطلاق صاروخين مضادين للدروع ومسيّرتين انتحاريتين.
واعتبرت القناة أنه طيلة الأشهر الستة الماضية، تمكنت عدة طائرات بدون طيار تابعة لحزب الله، من اختراق نظام الدفاع الجوي في الشمال، و”رغم أنها طائرة بدون طيار بسيطة إلى حد ما، فإنه من الصعب اكتشافها”.
وعقبت قناة 13 الإسرائيلية، على تقييم الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله يتحدى أنظمة الرصد والاعتراض في الشمال عبر إرساله المسيرات. فيما أشارت وسائل إعلام أخرى إلى وجود ضباط كبار بمركز “الجماهيري” في عرب العرامشة، وأن الحزب علم بذلك فحاول استهداف غرفة العمليات الموجودة بالمركز.
من جهتها، قالت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية “لم يكن هناك صفارات إنذار، لليوم الثاني على التوالي لا يوجد صفارات إنذار، والمسيرات تضرب بالتمام حيث هي موجهة. حتى الآن لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي أجوبة من أين أرسلت المسيرة إلى عرب العرامشة وهو السؤال الأساسي”.
وفي هذا الإطار، ناقشت الجزيرة نت خلفيات وتداعيات هذا التصعيد، لا سيما لجهة استهداف حزب الله المركز المستحدث في “عرب العرامشة”، مع كل من الخبراء العسكريين والعمداء المتقاعدين اللبنانيين: رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة هشام جابر، والأكاديمي إلياس حنا ومدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات خالد حمادة.
هدف غير متوقع
المركز الذي استهدفه حزب الله، بعرب العرامشة، هو مركز استطلاع، يبعد عن الحدود اللبنانية بحدود 500 متر، وفق خالد حمادة. وبالتالي، فإن “مهامه كوحدة استطلاع ورصد، لأي تحركات لحزب الله ومحاولات تسلل أو محاولة لإطلاق صواريخ أو أسلحة مباشرة، تجعله هدفا ثمينا”.
ويجد الخبير أن استعمال الحزب للصواريخ والمسيرات بنفس الوقت، يعني أولا أن المسافة القصيرة بين المركز والحدود، أعاقت تعامل إسرائيل مع العملية.
ويقول حمادة: “المسيرة التي تجتاز 500 متر فقط، قادرة على الوصول إلى الهدف بسهولة دون تعامل إسرائيل معها. أما استخدام الصواريخ، فهو لإيقاع أكبر عدد من الإصابات بصفوف الوحدة”.
ويرجح حمادة أن إسرائيل لم تكن تتوقع اكتشاف الحزب للمركز، فيما تواصل إسرائيل “عملياتها الأمنية والاستخباراتية ضد عناصر الحزب، توازيا مع قصفها للجنوب اللبناني”.
من جانبه، يجد هشام جابر، أن ضرب حزب الله لمركز عرب العرامشة، يعني أن الطائرات المسيرة لم يكتشفها الدفاع الجوي الإسرائيلي. ويقول إن الحزب كان سابقا يتجنب كثافة القصف بالقطاع الغربي لأنه قريب من حيفا التي تعد خطا أحمر، “مما يضع إسرائيل داخليا أمام تحد جديد لجهة فقدان مزيد من الثقة بدفاعها الجوي”. وذلك مقابل تصعيد ضرباته بالقطاع الشرقي حيث وصل جبل الشيخ والجولان السوري المحتل.
ويرى جابر أن الأيام القادمة، قد تكشف المزيد من الجرأة بعمليات حزب الله العسكرية ونوعية الأسلحة التي يستخدمها، رابطا ذلك بالثقة التي استمدتها فصائل المقاومة من الهجوم الإيراني على إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي، وفق رأيه.
ويقول المتحدث: “إن ضربة عرب العرامشة معنوية أكثر مما هي هدف عسكري استثنائي، لأن كريات شمونة مثلا، تعد منطقة أهم منها، وهو يواصل استهدافها منذ أشهر”.
بالمقابل، يعتبر إلياس حنا، أن ضرب مركز عرب العرامشة، مجرد عملية ضمن العمليات الكثيرة والكبيرة لحزب الله، رغم وصفها بالعملية المركبة. أما ميزتها، فهي أنها كشفت -برأيه- عن قدرة لدى حزب الله بالاستعلام التكتيكي، إضافة إلى استخدام نوعية أسلحة جديدة، اعتاد الحزب أن يكشف كل فترة عنها في حربه النفسية مع إسرائيل.
ويقول حنا: “نحن أمام اختبار الحزب لمنظومته العسكرية وقواعد الردع مع إسرائيل، من دون أن ينفي تفوق إسرائيل الاستخباري والجوي”.
احتمالات
وهنا، يتوقع خالد حمادة ردا آخر من إسرائيل على عملية حزب الله، طالما أن الجبهة مفتوحة على شتى الاحتمالات. ويقول: “نحن أمام تصعيد مستمر في هذا النوع الجديد من الاشتباكات الحدودية، وهي موجهة ضد أهداف انتقائية يتم رصدها والتعامل معها لدى الطرفين”.
ويتوقع دخول “أنماط جديدة من قواعد الاشتباك العابرة للدول والحدود بين إسرائيل وإيران، مما قد يؤدي لدورة عنف غير محسوبة النتائج”، وفق قوله.
وبالمقارنة بين السلوكين، الإسرائيلي ولحزب الله، فإن إسرائيل، وفق حمادة، تستهدف مواقع وبنى تحتية وشخصيات، كما امتدت نارها إلى عمق كبير بلغ محيط بعلبك وشمال شرق لبنان، أما استهداف الحزب، فيقتصر على أهداف عسكرية، تبعد عن الحدود عموما ما بين 10 و12 كيلومترا.
لكن هشام جابر، يعتبر أن إسرائيل فشلت بالعمليات العسكرية رغم كثافة نيرانها ونجحت بالعمليات الأمنية ضد حزب الله.
في حين، يجد إلياس حنا أن حرب “المشاغلة” مستمرة بنفس الوتيرة صعودا وهبوطا، “غير أنها لم تؤثر إيجابا طوال 6 أشهر على واقع الحرب الصعب بقطاع غزة”.