كيف أصبحت دول الساحل الأفريقي ساحة لتجارة المخدرات؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

في آخر تقرير له عن تجارة المخدرات في موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، قال مكتب الأمم المتحدة المعني بتجارة المخدرات والجريمة إن منطقة الساحل بغرب أفريقيا أصبحت معقلا للشبكات العاملة في تجارة المخدرات والتي تعمل على تهديد السلام والاستقرار.

وقال التقرير الذي صدر أبريل/نيسان 2024 إن المسؤولين السياسيين والأمنيين وأعضاء السلطة القضائية يعملون على تسهيل إجراءات التحرك للمجرمين حتى يفلتوا من العقوبات والإجراءات القانونية.

وقد أعاد التقرير ملف تجارة المخدرات للساحة السياسية والإعلامية من جديد، وأثار الجدل حول الجهات التي تحتمي بها شبكات الإجرام، خاصة أنه تزامن مع تقارير وأخبار محلية في موريتانيا حول تفشي تجارة الكوكايين.

مكتب للأمم المتحدة: منطقة الساحل بغرب أفريقيا أصبحت معقلا للشبكات العاملة في تجارة المخدرات (شترستوك)

كميات كبيرة

وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة التي تدهورت فيها الأوضاع الأمنية في الساحل، ارتفعت نسبة المخدرات المصادرة بشكل ملحوظ، إذ وصلت كمية الكوكايين المحجوز عام 2022 إلى 1455 كيلوغراما سنويا، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالفترة الممتدة بين 2015-2020 حيث كانت النسبة بين 13 و40 كيلوغراما سنويا.

وبين عامي 2021-2022 تم ضبط كميات متنوعة من المخدرات في منطقة الساحل، وشملت الأنواع التالية:

  • الحشيش أو الماريغوانا 71.4 طنا
  • راتنج القنب 24.8 طنا
  • الكوكايين 1.5 طن
  • المواد الأفيونية 1.2 طن

ولا توجد معطيات رسمية تتعلق بالكميات المصادرة عام 2023، لكن تم ضبط 2.3 طن من مادة الكوكايين في موريتانيا، منها 1.2 طن كان في شحنة قادمة عن طريق البحر، وأبلغت عنها الولايات المتحدة الأميركية عبر مكتب الكحول والتبغ والمتفجرات، وتعد هذه أكبر شحنة يتم توقيفها داخل الحدود الموريتانية، وهي تفوق ما تم ضبطه في منطقة الساحل كلها خلال عام 2022.

وخلال العام الجاري 2024، صادرت موريتانيا كميات من المخدرات قادمة من مناطق الضفة على الحدود مع السنغال، في حين أحبط أمن الحدود المغربي عند معبر الكركرات محاولة إدخال شحنة من الكوكايين تزن 37 كيلوغراما في سيارة للنقل الدولي قادمة من موريتانيا في أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وأوقفت السلطات السنغالية في أغسطس/آب الماضي كمية من المخدرات قادمة من مالي تتجاوز 800 كيلوغرام من الكوكايين.

Man passed out on couch after drug use
مع تزايد التهريب، انتشر استهلاك المخدرات في دول الساحل وزادت نسبة التعاطي بين الشباب (شترستوك)

منطقة عبور واستهلاك

وتزامنا مع كثرة إنتاج المخدرات في أميركا اللاتينية وتزايد الطلب في أوروبا، أصبحت منطقة غرب أفريقيا بحكم موقعها الجغرافي نقطة عبور للمخدرات نحو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

ويقول التقرير المتعلق بتجارة الممنوعات في دول الساحل إن “منطقة غرب أفريقيا بحكم موانئها أصبحت مكانا لتفريغ المخدرات، ومن ثم يتم شحنها في السيارات والحافلات إلى دول الساحل بالصحراء”.

ومن خلال دول الساحل يتم تهريب المخدرات إلى أوروبا عن طريق موريتانيا وعبر ليبيا والجزائر، وفي الفترة الممتدة بين عامي 2017-2021 سجلت أفريقيا نصف المواد الأفيونية الصيدلانية المضبوطة في جميع أنحاء العالم.

ومع تزايد التهريب ووفرة المنتج، انتشر استهلاك المخدرات في دول الساحل وزادت نسبة التعاطي بين الشباب، ورغم غياب بيانات حول قاعدة المستهلكين في المنطقة، فإن مراكز العلاج في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو تشير إلى نسبة تعاف محدودة للأشخاص الذين يتوجهون لأماكن العلاج.

وتشير ورقة أعدها مركز الدفاع الأفريقي إلى أن معدل الانتشار السنوي لاستخدام المواد الأفيونية في المنطقة ارتفع من 0.33 عام 2011 إلى 1.24 في 2021.

وبحسب معطيات رسمية، فإن النيجر تشهد إقبال الشباب على استخدام المواد الأفيونية غير الطبية بهدف الإدمان، ونقلت مصادر صحيفة عن شبكة غرب أفريقيا للوبائيات- وجود أرقام مقلقة لأعداد من يتعاطون المؤثرات العقلية.

وفي موريتانيا، يوجد مركز صحي وحيد لمعالجة الإدمان ومقره في العاصمة نواكشوط، بينما تبقى المدن الكبرى بدون عناية، خاصة الواقعة على خط التماس مع دول الجوار التي تنشط فيها حركة الكوكايين.

خريطة دول الساحل وتجارة المخدرات الأساسي: موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد
(الجزيرة)

جهات نافذة

ورغم التحذيرات الأممية بشأن تزايد تجارة المخدرات، فإن الأمر ليس شيئا جديدا، فمنذ بداية الألفية الثالثة ظهرت عصابات تجارة الكوكايين في غرب أفريقيا بشكل لافت للانتباه، خاصة منطقة الساحل.

وتطورت شبكات التهريب في المنطقة وزادت من وسائلها منذ فترة، ففي مايو/أيار 2007 حطت طائرة قادمة من فنزويلا في مطار العاصمة الاقتصادية نواذيبو وعلى متنها شحنة من المخدرات.

وبعدما أفرغت جزءا من حمولتها في مدينة نواذيبو من باب التمويه، واصلت رحلتها من دون اعتراض حتى وصلت عمق الصحراء الموريتانية وتم إنزالها في أماكن مهجورة، حيث كان ينتظرها المهربون لينقلوا بضائعهم. وقد ترك المهربون الطائرة متوقفة وركبوا في السيارات، ولاحقا أخذها الجيش وأصبحت وسيلة نقل لكبار المسؤولين.

وكانت هذه العملية التي أطلق عليها “طائرة نواذيبو” تابعة لعصابة يقودها سيدي محمد ولد هيدالة، نجل الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونه ولد هيدالة، وهو الآن طليق يتمتع بكامل حريته.

ولا يختلف الوضع في موريتانيا عن باقي مجموعة دول الساحل الأخرى، حيث يتمتع المهربون بكثير من النفوذ، وغالبا ما تغلق الملفات من دون الإمساك بأصحاب الشبكات الإجرامية.

ففي عام 2009، حطت طائرة من طراز “بوينغ 727″ في مالي قادمة من فنزويلا وعلى متنها 11 طنا من الكوكايين. وتم نقل حمولة الطائرة التي نزلت في صحراء مالي بين مدينتي غاو وتمبكتو في السيارات العابرة للصحراء إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط لتسلك الطريق الأخير نحو أوروبا. ومع دخول البلاد الحرب على الإرهاب، تم طي الملف دون العثور على أحد من المهربين.

ومع تزايد الإرهاب في منطقة الساحل، خاصة بعد المواجهات مع الانفصاليين في مالي، تحدثت الأمم المتحدة عن دخول الجماعات المسلحة على خط التهريب وأصبحت تنسق مع تجار الكوكايين.

وفي التقرير الصادر عن مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة، فإن تجار المخدرات يمتلكون علاقات ونفوذا داخل الوسط السياسي والأمني، ولهم ارتباط بالسلطة القضائية وذلك ما يجعلهم يفلتون من العدالة والعقاب.

وفي أغسطس/آب الماضي، فتحت النيابة العامة في موريتانيا تحقيقا حول تجارة المخدرات، وذلك بعد أخبار نشرها الصحفي والمدون عبد الرحمن ولد ودادي، إذ اتهم بعض الشخصيات المنحدرة من المشْيخة الصوفية بتجارة المخدرات وتبييض الأموال زاعما أن طائرة محملة بـ”البودرة البيضاء” حطت في إحدى حواضرهم الروحية.

وبعد شهر من التحقيق، قالت العدالة الموريتانية إنه لا توجد أدلة على تجارة المخدرات أو تبييض الأموال، لكنها أكدت وجود حركة للأموال تتم خارج الإطار القانوني المعتمد، مما يستدعي اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الوضع.

وسبق للولايات المتحدة الأميركية أن اتهمت مسؤولين أفارقة بتجارة المخدرات عام 2013، من ضمنهم الفريق أنطونيو إندجاي قائد الجيش سابقا في غينيا بيساو التي أصبحت مركزا لإمداد المهربين إلى أوروبا.

وحسب نتائج المكتب الوطني لتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية في موريتانيا، فإن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تفكيك 12 خلية للتهريب والتجارة وإحالة 1193 شخصا للعدالة.

موريتانيا صادرت كميات من المخدرات خلال عام 2024 قادمة من مناطق الضفة على الحدود مع السنغال (شترستوك)

تحذيرات وتداعيات

ووفقا للتقارير الأممية، فإن تزايد تجارة المخدرات في دول الساحل جعلها تنتقل من نقطة عبور إلى منطقة عبور واستهلاك، ويرجع ذلك إلى أسباب متنوعة، أهمها الفساد الذي ينخر الأجهزة السياسية والأمنية والقضائية.

ومنذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم، أنشأت دول الساحل منظومة قانونية رادعة لتجارة المخدرات قد تصل إلى عقوبة الإعدام كما هي الحال في موريتانيا، لكن عدم تطبيق العقوبات، وتزايد الحضور القبلي، ونفوذ الزعامات التقليدية مثل شيوخ القبائل وأصحاب الوزن السياسي يسهل من عدم نفاذ القانون على المجرمين.

وتقترح الأمم المتحدة تفعيل العدالة من أجل الحد من تزايد جريمة المخدرات التي تهدد المجتمع وتساهم في تفشي الجرائم، كما حذرت من انتشار الفساد الذي قد يدفع بالجهات النافذة سياسيا من التنافس على النفوذ والثراء الذي قد يفتح الباب نحو التعاطي مع شبكات تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

ومن شأن تفشي تجارة الكوكايين والمؤثرات العقلية أن يخلق كثيرا من التداعيات التي من أخطرها عدم الاستقرار الأمني، خاصة أن منطقة الساحل تعيش على وقع الانقلابات والأحكام العسكرية التي ما زالت عاجزة عن بسط نفوذها على كامل التراب الوطني، بالإضافة إلى الصراع المستمر مع الحركات المسلحة، وتهجير ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *