كيف أربكت عملية الفندق معادلات الاحتلال الأمنية بالضفة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

من حيث الزمان والمكان وجغرافية المنطقة وطبيعتها الأمنية، عسكريا واستيطانيا، بدا هجوم مقاومين فلسطينيين على حافلة إسرائيلية في قرية الفندق شرقي قلقيلية، أو ما سماها الاحتلال “عملية مستوطنة كدوميم”، اختراقا كبيرا في المعادلة الأمنية التي يفرضها الجيش الإسرائيلي بشمال الضفة الغربية وبشكل أكثر تشديدا في تلك المنطقة التي تعج بالمستوطنات.

عند التاسعة من صباح أمس الاثنين، هاجم 3 مقاومين فلسطينيين، بينهم اثنان معروفان لدى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) حسب تصريح الاحتلال، حافلة ومركبات تقل إسرائيليين عند مدخل قرية الفندق وفي موقعين منفصلين على الشارع العام (شارع 55) الواصل بين مدينتي نابلس وقلقيلية.

وأسفرت العملية التي نُفذت قرب مستوطنة كدوميم (نسبة لقرية كفر قدوم المجاورة)، عن مقتل 3 إسرائيليين وجرح 7 آخرين بينهم إصابات خطرة.

خريطة فلسطين ويظهر فيها موقع مستوطنة كدوميم (الجزيرة)

استنفار إسرائيلي

بعد دقائق من وقوع العملية، سارعت قوات الاحتلال إلى تطويق المنطقة وشرعت بملاحقة المنفذين برا وجوا، ونصبت عشرات الحواجز المتحركة، كما أغلقت الحواجز الثابتة المحيطة بالمكان، وخاصة المنطقة الشرقية لقلقيلية.

كما أغلقت كل الحواجز المؤدية إلى نابلس وشددت من إجراءاتها العسكرية عليها، مما أدى لتعطل حركة آلاف الفلسطينيين ومنع تنقلهم بين مدنهم وقراهم، واحتجاز الكثير منهم وخاصة طلبة الجامعات.

وسارع المستوطنون لمهاجمة الفلسطينيين، فنصبوا الكمائن على الطرقات العامة واعتدوا على مركبات المواطنين ورشقوها بالحجارة. كما هاجموا القرى الفلسطينية شرقي قلقيلية وجنوبي نابلس واعتدوا على سكانها وأحرقوا ممتلكاتهم، وحشدوا لتجمعات عند مفارق الطرقات، وأطلقوا مسيرات من المستوطنات القريبة نحو مكان العملية.

وتدفق إلى موقع العملية قيادات جيش الاحتلال والمستوطنون لا سيما يوسي دغان، رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، الذين توعدوها بمزيد من الإجراءات العسكرية، وحرضوا على السلطة الفلسطينية.

وعلى منصة إكس، كتب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يسكن في مستوطنة “كدوميم” قرب مكان العملية “الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والإرهاب من غزة وإيران هو نفسه ويجب هزيمته، من يثق بالسلطة الفلسطينية للحفاظ على سلامة مواطني إسرائيل يستيقظ بقتل سكان يهودا، الفندق ونابلس وجنين يجب أن تظهر مثل جباليا حتى لا يصبح كفار سابا مثل كفار عزة”.

أما دغان فقال لوسائل إعلام إسرائيلية من مكان العملية “لو كانت الحواجز مغلقة وهناك فحص لمن يخرج من نابلس، لم تقع العملية”، وطالب الحكومة والجيش الإسرائيليين “ببدء مصادرة السلاح ومحاربة أبو مازن الذي يسمح بمثل هذه الأحداث، نحن نطالب بالأمن”.

بينما قال يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي “من يتبع طريق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة ويرعى قتل وإلحاق الأذى باليهود سيدفع أثمانا باهظة، ولن نقبل واقع غزة في يهودا والسامرة”.

تأثير كبير

و “عملية مستوطنة كدوميم” الفدائية ليست الأولى التي ينفذها الفلسطينيون، لكنها تميزت بتأثيرها الكبير وآلية الإعداد والتنفيذ والنجاح بالانسحاب من الموقع المعروف بحصانته الأمنية وربطه للمستوطنات وخاصة “كرني شمرون” و”كدوميم”.

يعزو الباحث بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، “نجاح العملية” لعوامل كثيرة أهمها أن المنطقة -وبحكم استخدامها من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي- تشهد احتكاكا مباشرا دائما بينهما، مما يجعلها مسرحا مفتوحا لأي هجوم مباغت، وأن الطبيعة الجغرافية المفتوحة والتداخل السكاني يعطيان أهمية إستراتيجية لهذه المنطقة.

كما أن المنفذين، ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، نجحوا بالوصول للمكان بسرية تامة مما يعكس تخطيطا دقيقا، ويبرز قصورا استخباريا رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المنطقة، ويؤكد محدودية القدرة الإسرائيلية على مراقبة جميع التحركات في ظل تعقيدات الوضع الميداني.

ويرى مناع أن توقيت العملية كذلك يفرض تحديا مباشرا للإجراءات الأمنية الإسرائيلية، إذ وقعت في ذروة أمنية واسعة النطاق تشمل نصب حواجز وشن حملات اعتقال واقتحامات، وأن تنفيذها يعني فشل كل تلك الإجراءات التي ربما زادت من دافعية تنفيذ مثل هذه العمليات.

وتوقع أن تتعدى ردود الفعل الإسرائيلية الإجراءات العقابية من إغلاق الطرق والعزل بين المدن والقرى، إلى تكثيف حملات الاعتقال وتصعيد المطاردات و”خاصة للمنفذين ومن يدعمهم”.

إرباك وفشل

بدوره، يرى المحلل السياسي سليمان بشارات، أن العملية شكلت تحديا كبيرا للمنظومة الأمنية والاستخبارية المعقدة للمنطقة، سواء بما تشهده من رقابة رقمية واستطلاعية أو بالوجود الفعلي للجيش الإسرائيلي عبر حواجزه العسكرية ودورياته المتواصلة.

كما أظهرت تحديا للبيئة الجغرافية، حيث إن نحو 20 مستوطنة وبؤرة استيطانية تنتشر بين مدينتي نابلس وقلقيلية، إضافة إلى تأثيراتها ونتائجها المباشرة وما ستحدثه من نتائج في البعد الإسرائيلي الداخلي.

وتدل المواقف المتسارعة للقيادات الإسرائيلية من كافة المستويات -حسب بشارات- على حجم وطبيعة الإرباك الذي أصاب هذه المنظومة، لا سيما وأن الضفة الغربية تعد هدفا دائما للاحتلال وعملياته العسكرية والأمنية المتواصلة من حملات “كاسر الأمواج”، و”جز العشب”، و”البيت”، و”الحديقة”، و”كلها أفشلتها هذه العملية”.

ولن تذهب إسرائيل بإجراءاتها العقابية، كما يقول بشارات للجزيرة نت، إلى أكثر مما تقوم به الآن من اعتقالات وهدم وقتل وإغلاق، و”هو ما يؤكد أنها فقدت قدرتها على التهديد والردع، وتحولت إلى معادلة التعاطي والتعامل بردود الأفعال عما يجري من عمليات مقاومة بالضفة الغربية”.

ووفقا له، ستحمّل إسرائيل السلطة الفلسطينية المسؤولية المباشرة عن هذه العملية رغم أنها وقعت في مناطق سيطرتها الكاملة، وقد أبلغت -حسب القناة 14- السلطة أنها ستستأنف نشاطاتها في جنين وستصعد من عمليات الاعتقال واستهداف الأشخاص والمؤسسات، وستطلق العنان للمستوطنين ليتمادوا أكثر.

وذهب خبراء آخرون إلى أن فشل الاحتلال بالتصدي لعملية مستوطنة كدوميم سيقود للمزيد من العمليات وأن “كفاح الفلسطيني ونضاله سيتصاعد أكثر ما لم يقبل الإسرائيليون بتسوية مع الفلسطينيين ويخفضوا من قمعهم لهم”.

وقُتل 48 إسرائيليا وأصيب أكثر من 380 آخرين، حسب “مركز معلومات فلسطين” (معطى) عبر مئات عمليات المقاومة النوعية والشعبية بالضفة الغربية خلال عام 2024.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *