القدس المحتلة- يصر وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت على رفض تسليم جثمان الشهيد الأسير وليد دقة، في حين يتواصل الحراك الشعبي في الداخل الفلسطيني المطالب بتحرير الجثمان، حيث تتجه الأنظار إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، التي ستتداول -غدا الخميس- الالتماس الذي تقدمت به عائلة الشهيد، والذي طعنت من خلاله في شرعية الإجراءات الإسرائيلية، وطالبت بتحرير جثمان ابنها.
واتخذ غالانت قراره بالتنسيق مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، وتوصية المسؤول عن ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى والمفقودين نيتسان ألون، إذ أجمعوا على أن الشهيد الأسير دقة أصبح “كنزا إستراتيجيا” بالنسبة لإسرائيل بكل ما يتعلق في مفاوضات صفقة التبادل مع حركة حماس.
وحسب معطيات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين، فإن إسرائيل تواصل احتجاز جثامين 17 أسيرا من شهداء الحركة الأسيرة البالغ عددهم 398 شهيدا، منهم 256 شهيدا في مقابر الأرقام و142 شهيدا منذ عودة سياسة الاحتجاز عام 2015.
وتواصل اللجنة الشعبية لتحرير جثمان الشهيد الأسير وليد دقة من بلدة باقة الغربية في الداخل الفلسطيني الحملة الخاصة، التي تحمل عنوان “لا لاحتجاز الأجساد، لا لاحتجاز الجثامين، لا لاحتجاز الأرواح”، عبر تنظيم وقفات احتجاجية للشهر الثاني على التوالي، مطالبة بتحرير جثمان دقة وجثامين عشرات من الأسرى الذي استشهدوا في سجون الاحتلال بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وترفض إسرائيل تحريرها.
وتحتجز السلطات الإسرائيلية جثمان دقة الذي استشهد في السابع من أبريل/نيسان الماضي، في مستشفى “أساف هاروفيه” في الرملة، جراء مرض السرطان والإهمال الطبي، بعد أن قضى 38 عاما في غياهب السجون، إذ تطالب بعض الأوساط الإسرائيلية بمواصلة احتجاز جثمانه حتى انتهاء محكوميته في مارس/آذار 2025.
وتقدم مركز “عدالة” الحقوقي -نيابة عن العائلة- بالتماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لإلزام مصلحة السجون الإسرائيلية وشرطة إسرائيل بوقف انتهاكاتهما لحق وليد دقة وعائلته بالكرامة.
تناقضات
وقالت المحامية نادية دقة -التي تمثل عائلة الأسير الشهيد- إن المؤسسة الإسرائيلية تواصل التعامل مع العائلة بالاستخفاف منذ لحظة استشهاده، فلم تبلغ العائلة حتى الآن بشكل رسمي بخبر استشهاده وحيثياته، في الوقت الذي سارعت فيه قوات الشرطة وعناصر الوحدات الخاصة باقتحام منزل العائلة وتفكيك خيمة العزاء.
وفي سياق نهج المماطلة الذي تعتمده المؤسسة الإسرائيلية بالتعامل مع الملف، طلبت النيابة العامة الإسرائيلية منذ مطلع مايو/أيار الماضي، من المحكمة العليا 3 مرات مهلة حتى تقديم ردها على التماس العائلة للتداول والبت في تحرير الجثمان.
ولفتت المحامية دقة -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن العائلة ترقب موعد انعقاد المحكمة العليا للتداول في الالتماس الذي قدمته العائلة، مشيرة إلى أن هناك تناقضات بالموقف الإسرائيلي وخلافات بين أذرع المؤسسة الإسرائيلية بشأن تحرير الجثمان بشروط أو مواصلة احتجازه بالأسر.
واستذكرت دقة حالات متعددة لشهداء من فلسطينيي 48 تم احتجاز جثامينهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، بزعم ضلوعهم في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، حيث أفرج عن الجثامين بشروط مقيدة بمنع الجنازات وتحديد أعداد المشاركين، واقتصارها على أفراد عائلات الشهداء، وكذلك منع نصب خيام للعزاء.
انتقام وورقة ضغط
لكن في حالة الأسير الشهيد، تقول المحامية دقة إن “الحديث يدور عن أسير أمضى بالسجون الإسرائيلية 38 عاما، ولا يوجد أي سند قانوني أو أي صلاحية دستورية للشرطة الإسرائيلية لاحتجاز جثمانه، وبالتالي كان من المفروض تسليم الجثمان للعائلة عند لحظة استشهاده، بعد استكمال الإجراءات الروتينية”.
وأشارت إلى أن سياسة احتجاز جثامين الأسرى الشهداء التي تعتمدها سلطات الاحتلال لا تسري في حالة الأسير وليد دقة كونه يحمل الجنسية الإسرائيلية، وتستدرك “لا يمكن التعويل على ذلك، بسبب خصوصية حالة وليد الذي باحتجاز جثمانه يتم الانتقام من عائلته لدوافع واعتبارات سياسية”.
وأوضحت المحامية أن المؤسسة الإسرائيلية توظف قضية احتجاز جثمان وليد دقة من أجل مواصلة استخدامها ورقة ضغط على حركة حماس في مفاوضات صفقة التبادل، علما أن مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي شكك في نجاعة مثل هذه الورقة، وهو ما يعكس التناقضات والخلافات بين أذرع المؤسسة الإسرائيلية.
ووسط المماطلة الإسرائيلية، استعرض أسعد دقة (شقيق الأسير الشهيد) ما تمر به العائلة التي ناضلت على مدار 38 عاما من أجل تحريره، لينال الحرية ويعانق والدته التي دخلت غيبوبة منذ 10 أعوام جراء حزنها على فلذة كبدها وليد، واليوم تخوض العائلة نضالا شعبيا وحقوقيا من أجل تحرير جثمانه ليوارى الثرى.
منذ استشهاد وليد في السابع من أبريل/نيسان الماضي وحتى اليوم، يقول أسعد للجزيرة نت “لم تتلق العائلة أي معلومة أو بلاغ رسمي من السلطات الإسرائيلية بشأن حيثيات وملابسات استشهاد شقيقي الذي كان يرقد بالمستشفى، حيث تم اختطاف جثمانه من قبل الشرطة الإسرائيلية التي تواصل احتجازه بمكان نجهله”.
ازدواجية معايير
وأوضح أن العائلة التي توجهت بالتماس للمحكمة العليا لا تعوّل على القضاء الإسرائيلي الذي لم يكن منصفا للفلسطينيين، وتخوض نضالا شعبيا عبر تنظيم وقفات احتجاجية أسبوعية على مداخل البلدات العربية بالداخل الفلسطيني تطالب بتحرير جثامين الشهداء، ويرى بذلك وسيلة ضغط على متخذي القرار في الالتماس الذي يطالب بتحرير جثمان وليد.
وأكد أسعد دقة أن العائلة لن تهدأ حتى تحرير جثمان شقيقه ودفنه بالمراسم الجنائزية التي يستحقها، قائلا إن “المؤسسة الإسرائيلية حرمتنا على مدار نحو 4 عقود من احتضان وليد والتواصل المباشر معه، حيث كان يتم اللقاء به عبر جدار زجاجي فاصل، إذ اقتصر اللقاء الشهري على أفراد العائلة من الدرجة الأولى، ولمدة نصف ساعة فقط”.
وأشار إلى أن المؤسسة الإسرائيلية تمعن بالانتقام من العائلة وتواصل احتجاز جثمان وليد وتماطل في الرد على الالتماس، وتدعي أن الجثمان يشكل كنزا إسرائيليا وورقة مساومة في مفاوضات صفقة التبادل مع حماس، لتحرير الجثامين والرهائن الإسرائيليين.
ونبه إلى أن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل بازدواجية معايير في حالة شقيقه وليد، إذ رفضت إدراجه هو وجميع الأسرى القدامى من فلسطينيي 48 المعتقلين قبل اتفاقية أوسلو ضمن أي صفقة تبادل في الماضي، بذريعة أن هؤلاء الأسرى -الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية- هم شأن إسرائيلي داخلي ترفض التدخل به، والآن توظف جثمانه ورقة للضغط والمساومة.