واشنطن- عرفت الجامعات الأميركية مؤخرا حراكا طلابيا واسعا احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ومع تجاوز عدد الضحايا 34 ألفا، وتسجيل قرابة 100 ألف مصاب، وتدمير نصف مباني القطاع والبنية الأساسية به، يلقي الكثير من الأميركيين، طلابا وغير طلاب، باللوم على إدارة الرئيس جو بايدن الداعمة والمشاركة بصور مختلفة غير مباشرة في العدوان.
ونصب الطلاب خياما في الحديقة الرئيسية في جامعة كولومبيا لإظهار التضامن مع سكان غزة. وتفاقم التوتر قبل أسبوع بعد أن أدلت رئيسة الجامعة نعمت شفيق بشهادة أمام الكونغرس ركزت فيها على محاربة معاداة السامية بدلا من حماية حرية التعبير. ثم اتخذت الخطوة المثيرة للجدل المتمثلة في استدعاء الشرطة لاعتقال الطلاب، وهو ما أشعل نيران الغضب الطلابي في مختلف الجامعات الأميركية.
وأتاحت وسائل التواصل الاجتماعي نشر الغضب بين طلاب مئات الجامعات بعدما شاهدوا قوات شرطة مدينة نيويورك تفض الاعتصام السلمي للطلاب بطرق خشنة، وتلقي القبض على 108 من الطلاب.
جدير بالذكر أنه ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، زادت التقارير عن الأعمال المعادية للسامية والإسلاموفوبيا في جميع أنحاء أميركا وخاصة في الحرم الجامعي.
بماذا يطالب المحتجون المعتصمون في مختلف الجامعات الأميركية؟
بصفة عامة، أصدرت أغلب التنظيمات الطلابية بالعديد من الجامعات، دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء تقديم المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، ووقف التعامل البحثي مع الجهات الإسرائيلية، ووقف أي علاقات للجامعات مع موردي الأسلحة والشركات الأخرى التي تستفيد من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تم تأديبهم أو فصلهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاج.
من هم المتظاهرون؟
اجتذبت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين عشرات الآلاف من الطلاب والآلاف من أعضاء هيئة التدريس من خلفيات مختلفة، بما في ذلك المنتمون للديانات السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلامية. وضمت تجمعات الطلاب الكثير من الطلاب الأميركيين وكذلك الطلاب الأجانب من مختلف دول العالم.
تنظيميا، من أهم المجموعات التي تنظم الاحتجاجات منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” التي يغلب عليها الطلاب ذوو الأصول العربية والإسلامية، ومنظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” التي يغلب عليها الطلاب اليهود.
ما الأساليب التي يلجأ إليها الطلاب أثناء احتجاجاتهم؟
يجمع الهتاف واليافطات والإعلام والمواد الدعائية المؤيدة للجانب الفلسطيني والمعادي لإسرائيل بين الطلاب المحتجين في مختلف الجامعات. ولجأ عدد من المعتصمين إلى إقامة الصلوات، وإلقاء الخطب، كما تميزت بعض الاعتصامات باللجوء للموسيقى والغناء.
كذلك تبرأ المنظمون على نطاق واسع من العنف ضد المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل. وعلى الرغم من أن بعض الطلاب اليهود قالوا إنهم يشعرون بعدم الأمان في الحرم الجامعي ويشعرون بالقلق من الهتافات التي يقولون إنها معادية للسامية، إلا أن المنظمين يؤكدون ضرورة الفصل بين انتقاد إسرائيل المشروع، وبين معاداة السامية.
ماذا كان رد فعل إدارات الجامعات؟
ارتبكت إدارات الجامعات إزاء هذه الموجة غير المسبوقة من الاحتجاجات، والتي امتدت لتصل إلى ما يقرب من 80 جامعة بانتصاف يوم السبت 27 أبريل/نيسان.
وأوقفت جامعة كولومبيا وكلية بارنارد التابعة لها عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات. وألقي القبض على أكثر من 100 محتج في جامعة كولومبيا بعدما استدعت رئيسة الجامعة شرطة نيويورك لإخلاء المخيم بعد يوم من إدلائها بشهادتها أمام لجنة بمجلس النواب الأميركي. وقالت إن المخيم ينتهك القواعد بشأن الاحتجاجات غير المصرح بها.
واعتقلت شرطة جامعة ييل أكثر من 60 متظاهرا عقب ذلك، ثم اعتقلت شرطة العديد من الجامعات، والتي استعان بعضها بقوات الحرس الوطني كما جرى في ولايتي تكساس وجورجيا، ما يزيد عن 600 طالب حتى منتصف يوم السبت.
ما التأثير على الحياة العادية في الحرم الجامعي؟
تعمد الطلاب المحتجون عدم عرقلة أي دروس أو فصول، خاصة مع اقتراب موسم الامتحانات. واختار المحتجون في أغلب الجامعات الأميركية الاعتصام في حدائق وسط الجامعة بعيدا عن المباني والمكتبات، والمعامل، وقاعات الدروس، والمدرجات.
إلا أن بعض الجامعات لجأت لإلغاء بعض الفصول الدراسية، ولجأت جامعات أخرى لآلية الدراسة عن بعد مثل جامعة كولومبيا وجامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية، هومبولت. كما أوقفت العديد من الجامعات مئات الطلاب وأبلغتهم بإيقافهم عن الدراسة. وبالنسبة لبعض هؤلاء الطلاب، فهذا يعني أنه يجب عليهم إخلاء سكنهم الطلابي، وذلك قبل أسابيع فقط من انتهاء الفصل الدراسي.
كيف يستجيب القادة السياسيون لهذه الأزمة؟
قال الرئيس جو بايدن إنه يدين كلا من “الاحتجاجات المعادية للسامية” و”أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين”. فيما وصف الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لانتخابات 2024، وضع الاحتجاج في الحرم الجامعي بأنه “فوضى”، وألقى باللوم على بايدن.
وندد حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو بإدارة الجامعات لفشلها في ضمان سلامة الطلاب، واتهمها بالسماح لتحول بعض الاحتجاجات على الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى مواجهة أدت إلى ارتفاع وانتشار حوادث معادية للسامية.
وأضاف “إذا لم تستطع الجامعات وفقا لسياساتها ضمان سلامة وأمن ورفاهية الطلاب، فأعتقد أنه يتعين على رئيس البلدية المحلي أو الحاكم المحلي أو عضو مجلس المدينة المحلي، أيا كانت القيادة المحلية هناك، التدخل وتطبيق القانون”.
ودعا الكثير من السياسيين إلى استخدام القوة ضد المحتجين، وطالب عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان، توم كوتون وجوش هاولي، إلى نشر الحرس الوطني في جامعة كولومبيا، وكذلك فعل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي طالب أيضا رئيسة جامعة كولومبيا بالاستقالة.
كما أرسل حاكم تكساس جريج أبوت قوات ولاية تكساس (الحرس الوطني) لتنفيذ اعتقالات جماعية، مما أدى إلى تفريق مظاهرة في جامعة تكساس بمدينة أوستن.
ولم تؤد دعوات استخدام القوة إلا لتأجيج تصميم الطلاب على الاستمرار في الاحتجاج.
ما جوهر المعضلة التي تواجه إدارات الجامعات الأميركية؟
كشفت الأزمة كيف فشلت الجامعات في الوفاء بالتزاماتها المزدوجة بحرية التعبير وحماية طلابها في لحظة سياسية مشحونة عندما يتعاطف المزيد من الطلاب مع القضية الفلسطينية أكثر من تعاطفهم من الموقف الإسرائيلي.
واعتبر كثير من المراقبين أن “استدعاء الشرطة في الحرم الجامعي هو خرق لثقافة الكلية أو الجامعة”، وأن القيام بذلك ردا على احتجاج طلابي سلمي أمر يتجاوز الحدود المألوفة، وهو يقوض مكانة الجامعة في نظر شريحة واسعة من السكان كمكان للحوار والنقاش الحر.
ما التهم التي توجه للطلاب الذين يتم القبض عليهم؟
تعتقل الشرطة الطلاب وتوجه لهم تهم التعدي على ممتلكات الغير. ويختلف موقف الجامعات الخاصة (مثل كولومبيا وهارفارد وجورج واشنطن) عن موقف الجامعات الحكومية (مثل جامعة ولاية تكساس، جامعة ولاية أوهايو، وجامعة ولاية فلوريدا)، حيث يمكن لحاكم الولاية إرسال قوات الحرس الوطني لفض اعتصامات الطلاب. ولا يمكن لحاكم الولاية فعل نفس الشيء في الجامعات الخاصة إلا إذا طلب رؤساء هذه الجامعات.
وقوبلت مشاركة الشرطة في قمع بعض الاحتجاجات برد فعل غاضب من أعضاء هيئة التدريس والناشطين في الجامعات.
كيف يتعامل الإعلام الأميركي مع هذه الأزمة؟
تُعادي وسائل الإعلام اليمينية والمعروفة بقربها من الحزب الجمهوري موقف الطلاب وموقف إدارة الجامعات المتردد في إنهاء الاعتصامات بالقوة. وركز الإعلام في مجمله، وبصورة كبيرة، على المزاعم بأن الاحتجاجات معادية للسامية بطبيعتها؛ لانتقادها إسرائيل، أو أن حوادث محددة معادية للسامية قد وقعت.
في حين لم يُركز الإعلام على مطالب الطلاب المحتجين أو على طبيعة العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وسماح إدارة بايدن لإسرائيل بتدمير قطاع غزة.
ما موقف الحكومة الإسرائيلية من هذه الاحتجاجات؟
في خطاب مصور يوم الأربعاء الماضي، حرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الطلاب المحتجين، مدعيا أن “الغوغاء المعادين للسامية استولوا على الجامعات الرائدة في أميركا”. وقارن نتنياهو بين التجمعات الطلابية في أميركا وتلك التي وقعت في ألمانيا خلال صعود الحزب النازي.
ماذا يقول أنصار إسرائيل ردا على هذه الاحتجاجات؟
يزعم أنصار إسرائيل أن دعوات حركة المقاطعة ومعاداة الصهيونية هما في جوهرهما معاديان للسامية، بحجة أن حركة المقاطعة تنزع الشرعية عن إسرائيل و”ترفض أو تتجاهل فعليا حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، أو أنها، إذا تم تنفيذها، ستؤدي إلى القضاء على الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، وهذا معاد للسامية”، وفقا لرابطة مكافحة التشهير، وهي أحد أكبر المنظمات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة.
كيف تتعامل الجامعات مع حرية التعبير وحرية التجمع اللذين ضمنهما الدستور الأميركي؟
تكافح الجامعات لتحقيق التوازن بين أهدافها المتمثلة في حماية حرية التعبير، ومكافحة معاداة السامية، منذ اندلاع الحرب في غزة، والتي أثبتت أنها حقل ألغام سياسي داخل الولايات المتحدة.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهم 3 من رؤساء الجامعات الذين أدلوا بشهاداتهم أمام الكونغرس بأنهم متساهلون للغاية مع حرية التعبير في مواجهة معاداة السامية، وأنهم متساهلون بشدة تجاه مخالفة قواعد وتقاليد الجامعات. واضطرت رئيستا جامعتي هارفارد وبنسلفانيا للاستقالة أمام ضغوط اللوبي اليهودي.
ما آفاق حل هذه الأزمة؟
لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الاعتصامات، وهل سيرتبط انتهاؤها بوقف العدوان على قطاع غزة من عدمه، أو بتغيير الجامعات موقفها تجاه إسرائيل، أو بتغيير إدارة بايدن من دعمها للجانب الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، تبدأ خلال أيام الامتحانات النهائية لهذا الفصل الدراسي، ومن ثم يبدأ موسم العطلات الصيفية، مما يرجح تراجع حجم المشاركة في هذه الاحتجاجات خلال الأسابيع المقبلة. لكن في الوقت ذاته، قد تدفع التطورات إلى معادلات جديدة.
وعلى الرغم من عدم وقوع أي ضحايا نتيجة الاعتصامات أو عملية فض بعضها حتى الآن، يخشى عدد من المراقبين من سيناريوهات صعبة حال وقوع ضحايا بين الطلاب أو رجال الشرطة، بما يشعل معه الأوضاع في الجامعات بصورة لا يرغب فيها أحد.