قالت مجلة لوبس الفرنسية إن هذه هي أول مرة يتصور فيها زعيم سياسي رفيع المستوى، مثل رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، صراحة معاملة مختلفة للإسلام، وهو ما اعتبرته انجرافا خطيرا ونددت به نحو 50 شخصية، من بينها أستاذ علم اجتماع العلاقات الدولية المؤثر برتران بادي ومؤسس علم اجتماع العلمانية جان بوبيرو والكاتبة آني إيرنو، وغيرهم في بيان بهذه المناسبة.
وقد كتب إدوار فيليب في كتابه الأخير “أماكن تقول” أنه قد يكون من الضروري إنشاء “قانون وتنظيم خاص بالمسلمين”، وفي مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية أشار ولو بصورة متلكئة، إلى أن قانون 1905 “ربما لا يستطيع التعامل مع خصوصية الإسلام”، معتقدا أنه لا بد في يوم من الأيام أن تطرح قضية إنشاء نظام خاص “يفرض التزامات خاصة على المؤمنين والمسؤولين في المجتمعات الإسلامية”.
ورأى بيان المجموعة أنه من الضروري إعطاء هذه الكلمات مقدارها، إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها زعيم سياسي، على هذا المستوى، صراحة معاملة متباينة للأديان ويمثل هذا تحديا وحشيا لقانون عام 1905 الذي ينشئ فصلا مزدوجا، وهو الفصل بين المؤسسات العامة والخاصة، وبينها وبين المؤسسات الدينية، وبالتالي حرية الأديان في تنظيم نفسها كما تشاء، إضافة إلى المساواة بين الأديان أمام القانون.
وهذان المبدآن الأساسيان هما اللذان انتهكهما إدوار فيليب، لأن ما قدمه من تصور يعني التشكيك في هذا الفصل المزدوج، وهوما يعني -في خرق تام لقانون عام 1905- وجود رغبة في السيطرة على الدين من قبل السلطة العامة، وبالتالي نهاية الفصل بين الدين والسياسة، خاصة أنه يخول السلطة -حسب إدوار فيليب- السيطرة على تنظيم عبادة المسلمين، وهو كذلك يقضي على المعاملة المتساوية للأديان إذ سيتم التعامل مع الإسلام بشكل مختلف.
وأشارت الوثيقة إلى أن هذا الموقف يذكر برفض الحكومات آنذاك والسلطات الاستعمارية تطبيق قانون 1905 في المستعمرات وخاصة في الجزائر، رغم مطالبة زعماء المسلمين بذلك، فإن السلطات الاستعمارية فضلت الحفاظ على رقابة وثيقة على كل من كان خاضعا للقانون المحلي، إلى درجة أن مصطلح “مسلم” أخذ بعد ذلك دلالة عرقية، إذ قضت محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة عام 1903 بأن هذا المصطلح “ليس له معنى طائفي بحت، بل على العكس من ذلك يشير إلى أن جميع الأفراد من أصل مسلم، حتى إن المحكمة تحدثت عن “الرعايا المسلمين المسيحيين”.
انهيار المساواة بين الأديان
وفيما يتجاوز التشكيك في قانون 1905، يذهب إدوار فيليب إلى حد التشكيك في مسألة مساواة المواطنين أمام القانون، إذ يرى أن هذا المبدأ الأساسي لا تمكن معاملة المسلمين على أساسه لأن دينهم نفسه لا يعاملهم بالطريقة نفسها، حسب إدوار فيليب.
وخلصت الوثيقة إلى أن هذا الطرح يوضح الحد الذي وصله الهوس بقضية الإسلام وكراهية الإسلام التي أصبحت الآن ترفع بلا خجل، وهكذا يخبرنا إدوار فيليب أن الإسلام “متأثر بالتطلعات الظلامية”، وحتى إذا كان ذلك صحيحا فهو لا يختلف فيه عن الأديان الأخرى، ألم تستقبل أصولية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الهندوسية بضجة كبيرة في فرنسا مثلا، ألا توجد كذلك ميول أصولية قوية في اليهودية والمسيحية؟ ولا غرابة في ذلك لأن جميع الأديان تشهد باستمرار صراعات داخلية بين المفاهيم الشمولية التي تهدف إلى فرض عقيدتها على المجتمع وتلك التي تحترم تنوعه.
غير أن العلمانية كما يكرسها قانون عام 1905 جعلت من الممكن -حسب الوثيقة- تجنب الصراعات أو على الأقل وضعت إطارا للتعامل معها، وهذا الإطار هو الذي يشكك فيه إدوار فيليب، والمسلمون هم من سيدفعون ثمن ذلك.