قلقيلية.. هكذا تطورت كتائب المقاومة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

الضفة الغربية – لم تمضِ 24 ساعة على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي المقاومين الفلسطينيَين إيهاب أبو حامد ورفيقه محمود منصور بعد ظهر الجمعة الماضي في مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية، حتى جاء الرد بقتل مستوطن إسرائيلي في المدينة ذاتها على يد “مجهولين”، حسب وصف المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وعملية اغتيال أبو حامد ومنصور هي الثانية التي ينفذها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد مقاومين في مدينة قلقيلية، وتشابهت إلى حد كبير في الهدف والمكان وطريقة التنفيذ مع سابقتها التي استهدفت المقاوميْن علاء نزال وأنس قراقع مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.

واحتجز الاحتلال جثث الشهداء ورفض تسليمهم لذويهم، فيما يبدو محاولة لاجتثاث ظاهرة المقاومة في مدينة قلقيلية حيث تفشّت في الآونة الأخيرة وأضحت فاعلة ومؤثرة.

وبرز العمل المقاوم المسلح في قلقيلية قبل أقل من عام مثل عدة مناطق في شمال الضفة الغربية كجنين ونابلس وطولكرم.

وأخذت المقاومة في قلقيلية بداية “الطابع الفردي” وجسَّده الشهيد علاء نزال الذي اغتاله الاحتلال ورفيقه أنس داود مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكن مقاومين سارعوا بعدهما إلى تشكيل “مجموعات ليوث المجد” التابعة لكتائب شهداء الأقصى والمحسوبة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وفق الصحفي والمطلع على أحوال قلقيلية أحمد شاور.

وبعد أشهر، تشكلت “كتيبة قلقيلية- سرايا القدس” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، ورغم خفوت وميضها بداية، فإنها عادت وأعلنت في بيان لها، مطلع الشهر الجاري، إطلاق أول أعمالها المقاومة بتفجير عبوة ناسفة بقوة تابعة للاحتلال اقتحمت المدينة.

الاحتلال الإسرائيلي يغلق قرى قلقيلية ويحاصرها عبر أبراج مراقبة ونقاط تفتيش عسكرية (الجزيرة)

طابع فردي

أما كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فسبق أن تبنت -وفق شاور- تفجير عبوة ناسفة عند الحاجز العسكري الإسرائيلي شمالي المدينة.

وما لبثت أن أعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ كمين مسلح، وأطلقت النيران صوب حافلة للمستوطنين وأصابت اثنين منهم، أحدهما بجراح خطيرة، والأخطر أنها صورت الكمين واستدرجت جنود الاحتلال لمركبة مفخخة استخدمتها في العملية.

ورغم ذلك، ركزت أعمال المقاومة وتشكيلاتها في قلقيلية، حسب شاور، على التصدي لاقتحامات جيش الاحتلال للمدينة، واستهداف حواجزه العسكرية المحيطة وكذلك نقاطه العسكرية على الجدار الفاصل.

وأمام ذلك كله، تلاحق إسرائيل وبكل قوتها هؤلاء المقاومين، وتسعى جاهدة لمنع توسعهم وانتشارهم في المدينة التي تقع على الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1967 وتلك التي احتلتها إسرائيل عام 1948.

ولذلك، يقول شاور للجزيرة نت “نفذّت إسرائيل اغتيالات بحق هؤلاء المقاومين، وتلاحق من تبقى منهم، وتضغط بكل قوة عليهم لتسليم أنفسهم، واعتقلت ذويهم للغرض ذاته”.

أسباب وعوامل المقاومة

وهذا الظهور للمقاومة المسلحة بقلقيلية وتنامي قوتها يعزوه منسق القوى الوطنية في قلقيلية عدوان برهم إلى “وحدة الحال” الذي تعيشه المدينة مع الكل الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة. ويضيف لذلك خصوصية معاناتها وحصار الاحتلال والاستيطان الذي استحوذ على معظم أراضيها.

ولمنطقة قلقيلية أهمية إستراتيجية كبيرة بوقوعها فوق حوض المياه الغربي، الذي يشكل 64% من مياه الضفة الغربية الجوفية.

ويقول برهم للجزيرة نت “أصبحنا نعيش داخل قارورة، فالاحتلال يغلق اثنين من أصل ثلاثة منافذ رئيسية للمدينة، والمنفذ الشرقي الوحيد ينصب بجانبه نقطة عسكرية للجيش ويغلقه متى شاء”.

كما أسهمت الضغوط السياسية والاقتصادية، حسب برهم، في ظهور المقاومة المسلحة، وأما تأخرها فيرجعه إلى “نضوج الظروف الملائمة للحدث، مما يؤكد أن قلقيلية ليست منعزلة بل مرتبطة بما يحدث بالوطن”.

ويرى منسق القوى الوطنية أن للمقاومة في قلقيلية حاضنةً شعبية وتحظى بتعاطف من الناس، ولكن ليست كالتي تحظى بها المقاومة بمخيمات اللاجئين في شمال الضفة، حيث يساعدها الترابط الاجتماعي والاكتظاظ وجغرافية المكان المعقدة أكثر من المناطق المفتوحة كالمدن.

ورغم ذلك، لن ينجح الاحتلال في اجتثاث المقاومة في قلقيلية، يقول برهم، كما لم ينجح بغير مكان من الضفة بفضل الحاضنة الشعبية واستيعاب وجود هذه المقاومة، إضافة للقاعدة العامة بأنه “ما دام هناك احتلال للأرض فإن هناك مقاومة”.

وتحاصر إسرائيل مدينة وقرى قلقيلية بأكثر من 25 مستوطنة وبؤرة استيطانية نصبتها فوق أراضيها منذ العام 1975، تسيطر على أكثر من نصف مساحتها، ويقطنها غلاة المستوطنين أمثال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ويتساوون في تعدادهم مع السكان الفلسطينيين للمحافظة.

وتصنّف 3% فقط من أراضي المحافظة المقدرة بنحو 170 ألف دونم باعتبارها بمناطق “أ” و”ب” الخاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو، و97% منها مناطق “ج” التي تخضع أمنيا وإداريا للاحتلال الإسرائيلي، حيث يصعب وصول المواطنين لأراضيهم.

عاطف دغلس-الطريق المؤدي الى مدينة قلقيلية قرب قرية النبي الياس شرق المدينة-هنا حيث نصب المقاومون من كتائب القسام كمينا لجييش الاحتلال واطلقوا النار نحو حافلة للمستوطنين واصابوا اثنين منهم- الضفة الغربية- قلقيل
الطريق المؤدي إلى مدينة قلقيلية قرب قرية النبي إلياس حيث نصب مقاومون من القسام كمينا لجيش الاحتلال (الجزيرة)

مقاومة إثبات الوجود

وعانت قلقيلية كبقية المدن الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق مدير هيئة الجدار والاستيطان بشمال الضفة الغربية مراد اشتيوي، الذي ينحدر من المنطقة.

فقد أغلق الاحتلال، بحسب اشتيوي، مداخل قراها بالحواجز والبوابات الحديدية، ونصب عند أخرى كبلدة عزون 3 أبراج عسكرية ومعسكرا دائما، وحوّل المنطقة لثكنة عسكرية، وقتل 26 فلسطينيا منها منذ الحرب على غزة.

كما اتخذ الاحتلال قرارا عسكريا عبر المحكمة العليا للإسراع في شق شارع التفافي استيطاني عبر قرى قلقيلية الشرقية، وضيَّق بشكل أكبر على تنقل المواطنين بتشديد إجراءاته العسكرية على مدخلها، وصعَّد من اقتحاماته واعتداءاته على المدينة بحجة ملاحقة المطلوبين.

من جهته، رأى الخبير بالشأن العسكري اللواء يوسف الشرقاوي أن ما يجري هو “حالة تحدٍ وصراع وجود” بين الشعب الفلسطيني ممثلا بشبابه الصاعد وبين الاحتلال، وأن مقاومة قلقيلية امتداد وانعكاس لحالة شمال الضفة الغربية التي تقاوم منذ عدة أعوام.

وتوقع الشرقاوي، في حديث للجزيرة نت، أن تتصاعد المقاومة في ظل انسداد أي أفق سياسي وصمت السلطة الفلسطينية، وأضاف “غياب موقف من السلطة يعني نموّ حالة المقاومة، فالشعب الفلسطيني لن يسمح للاحتلال بكسره وإنهاء وجوده”.

وسبق أن حرَّض المستوطنون على قلقيلية، وادعوا أنهم يعيشون رعبا يتهدد مستوطنات غلافها مثل مستوطنات غلاف غزة.

وبحسب تقديرات نشرها موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي الأحد الماضي، فإن عدد المسلحين في قلقيلية أقل منه في مدن أخرى كطولكرم وجنين، لكنهم يحاولون تقليد أنماط المقاومة بتلك المدن وتنفيذ عمليات إطلاق نار، ويتلقون أموالا من الخارج.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *