عين الحلوة- لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن منطقة مساحتها كيلومتر مربع ويقطنها 85 ألف شخص لا يوجد فيها سوى مصعد واحد ويغيب عنها بشكل شبه كامل إشارة للهواتف الخليوية، فلا عجب، لأنك في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا اللبنانية.
نحاول التواصل مع بعضنا بعضا، فترد الرسالة الصوتية لتخبرنا أن الهاتف مغلق ونخابر الضيوف للحديث معهم فلا يستجيب الخط ليقول لنا مرافقنا “ما في إرسال في المخيم”.
نبتعد أمتارا عن المخيم، تعود الحياة إلى طبيعتها والتواصل الطبيعي بين البشر في القرن الـ21.
المصعد النادر
نتنقل بين مباني وشقق المخيم لنقابل مسؤوليه وعددا من سكانه ووسيلتنا الوحيدة كانت السلالم، وهنا يهمس لنا المرافق أن المخيم كله لا يوجد فيه سوى مصعد واحد وتعطل خلال الاشتباكات التي اندلعت يوم 30 يوليو/تموز الماضي عقب اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا اللواء أشرف العرموشي ومرافقيه.
تستفزنا القصة وتغرينا إعلاميا، فنقرر الذهاب لسبر أغوار هذا الاكتشاف النادر الذي يسمى “المصعد” ولم ينتشر بعد في “عين الحلوة”.
نتجه نحو مستشفى الأقصى الواقع في شارع “بستان اليهودي” عند مدخل المخيم الشمالي والتابع لجمعية الهلال الأخضر الخيري، وهناك نكتشف المصعد الكهربائي في المبنى الذي يتألف من 7 طوابق، اثنان منها تحت الأرض، ويضم قسم الأشعة والمختبر وغرف العمليات للعظام والجراحة العامة والتوليد وقسم الطوارئ وغيرها من الخدمات الطبية.
ويعتبر هذا المشروع الإنساني الطبي حاجة وضرورة لأبناء المخيم في ظل عدم وجود مستشفيات بالمعني الحقيقي لتلبية احتياجاتهم.
ولكن رحلتنا نحو المصعد لم تكتمل، لأننا لم نستطع تجربته، فالكهرباء مقطوعة في المخيم وحتى مولد الكهرباء الذي يستخدمه المستشفى كان ضحية الاشتباكات حاله كحال المستشفى الذي توقف عن تقديم كل الخدمات الطبية لأناس بأمس الحاجة لها، فهذا المستشفى لم يكن يستقبل سوى جرحى الاشتباكات في قسم الطوارئ، وبعد توقف الاشتباكات خرج عن الخدمة.
مصعدان وليس واحدا
وخلال جولتنا في المستشفى، لم نجد أحدا للحديث معه سوى رئيسة قسم الطوارئ جيهان أبو جاموس، التي قالت إن “المستشفى خلال الاشتباكات يستقبل الجرحى فقط ويقدم لهم الرعاية الطبية الأولية”.
وتابعت أن “المستشفى يقع على خط تماس بين المتقاتلين، ولهذا نطلب نقلهم إلى مستشفيات أخرى لسببين، أولا: الحفاظ على سلامة الجرحى، والآخر: افتقارنا للمعدات والأدوات الحديثة للتعامل مع الحالات الصعبة”.
وكشفت عن “وجود مصعدين في المستشفى، أحدهما يستخدم للعمليات والآخر للمرضى، وبما أنه ليست لدينا كهرباء ولا طاقة بديلة، فلا يستخدمان للصعود للطوابق العليا ولا حتى النزول لطابق العمليات”.
ولم يسلم المستشفى -كأغلب أحياء وأزقة المخيم- من رصاص الاشتباكات العشوائي الذي وصل إلى قسم الطوارئ فيه.
صدمة وأسف
نعود إلى قصة المصعد الذي يراه سكان المخيم، ولكن لا يستخدمونه والسبب واحد وهو أنه “لا يوجد أي مصدر طاقة لتشغيله”، حسب أم مجدي حوراني من سكان مخيم عين الحلوة.
وتقول إن “هناك مصعدا في مستشفى الأقصى، ولكنه لا يعمل بسبب غياب الكهرباء والمولدات الكهربائية الأمر الذي يحرمنا ويحرم المرضى وكبار السن من استخدامه للصعود إلى الطوابق العليا، فالمريض يزداد مرضه وتسوء حالته بعد أن يصعد السلالم إلى غرفته في المستشفى”.
وطالبت بتقديم يد العون والمساعدة إلى المستشفى وتجهيزه بكافة المستلزمات، وفي مقدمتها الكهرباء، لأنه يضم “نخبة من الأطباء والممرضين والممرضات”.
نغادر المستشفى والمخيم بصدمة وأسف؛ صدمة بعد كل ما سمعناه عن قصة المصعد النادر في عين الحلوة، الذي تحول إلى غرفة مظلمة لا فائدة منه، ولكنه يختصر معاناة هذه البقعة الجغرافية، وغادرنا بأسف لأن مسؤولي المخيم يتنافسون على من يصعد إلى الطابق العلوي، وكيف ينزل غريمه للطابق السفلي ولكن دون مصعد.