بيروت- بينما يخيم شبح الموت والدمار والجوع على قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 5 أشهر، يستقبل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان شهر رمضان بمزاج كئيب، حيث غابت مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم واقتصرت على الفعاليات التضامنية والدينية الداعمة لأهالي غزة.
يقف الفلسطيني صابر أصلان أمام عربته لبيع الحلويات الرمضانية في مخيم عين الحلوة جنوب صيدا، وهو يفكر بحرقة لا تخلو من حسرة في كيفية تدبير أهالي غزة لظروفهم خلال هذا الشهر، ويسعى جاهدا للبحث عن طرق لمساعدتهم.
ويقول للجزيرة نت: “اعتمدنا هذا العام في شهر رمضان على الإضاءة فقط بدون الزينة ومعالم البهجة التي تنتمي لكافة المسلمين وخاصة أهالي غزة الذين يعيشون -اليوم- تحت وطأة المعاناة والحروب والتدمير والجوع، لذا لم نقم بالتزيين تضامنا معهم”.
عين الحلوة
ويضيف أصلان: “نتمنى لو أننا نستطيع مساعدتهم في أي شيء. نحن محاصرون في مخيم عين الحلوة ولا نستطيع فعل شيء سوى الدعاء لهم بالثبات والنصر، وأن يتقبل الله منهم ومن شهدائهم، ويشفي جراحهم ويفك أسرهم”.
ويسيطر القلق على ملامح الحاجة مريم لافي وهي التي ذاقت مر الفراق؛ إذ استشهد ولدها فادي حسن عيسى بغارة إسرائيلية عام 1991، تتحدث عن دخول شهر رمضان بحزن عميق، وتقول: “قلبنا محروق عليهم، ورمضان صعب كثيرا علينا، نتناول اللقمة بمرارة ونتذكر أهل غزة، ما باليد حيلة، وندعو الله أن يبعد عنهم العدو الصهيوني”.
في سوق الخضار في مخيم عين الحلوة، تبدو حركة الناس متثاقلة في اليوم الأول من الشهر الفضيل، كأنها تهيم على وجوهها، فكيف تأكل وتشرب وتلتقي العائلة، بينما أهالي غزة محرومون من كل شيء.
ويقول باسم سرية، وهو صاحب محل خضار: “أتى رمضان ولم نزين ولم نفرح، لا نستطيع فعل ذلك بأي شكل ونعتبر أن الفرح بيننا عيب وهموم أهلنا في غزة تشغلنا، ورمضان هذا العام يختلف عن السنوات السابقة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة”.
لكن مقابل غياب الزينة، يحضر طيف الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة صورا ولافتات؛ حيث تحوّل إلى أيقونة للنضال والنصر وهزيمة إسرائيل، وإلى ناطق باسم الأمة وهو يرفع سبابته ويهدد ويتوعد، إلى جانب شعارات تأييد غزة وشعبها ومقاومتها.
إبراهيم حسين يسكن في المخيم وله أقارب في غزة يصف رمضان بمرارة ويقول: “هذه المرة الأولى التي يأتي فيها هذا الشهر الكريم صعبا وحزينا لأن أهلنا في غزة يعيشونه تحت القصف والدمار والإبادة الجماعية، ونسأل الله أن يكون رمضان النصر لهم”.
برج البراجنة
ولا يختلف الوضع كثيرا في مخيم برج البراجنة في بيروت، حيث تغيب مظاهر استقبال شهر رمضان في سوق المخيم الذي كان يشهد زحاما شديدا في مثل هذه الأيام، واختفت للمرة الأولى مظاهر الاحتفاء والتجهيزات المعتادة لاستقباله.
تقول مريم برازي، وهي أم لـ4 أطفال وكانت عادة تملأ منزلها بالزينة وثلاجتها بالمستلزمات لوجبة الإفطار: “نستقبل اليوم رمضان ببالغ الحزن على أهلنا في غزة والضفة الغربية وكل فلسطين. لم نحضر أي شيء هذا العام، فليس لدينا قلب لفعل ذلك، أو حتى لإعداد الطعام وتناوله كالعادة، في حين أنهم لا يجدون كسرة خبز أو رشفة ماء. يمكن اعتبار ذلك تضامنا حتى في الزينة والأكل والشرب”.
ويتساءل أحمد سخنيني، أحد سكان المخيم: “كيف يمكن أن نفرح ونعيش والشعب الفلسطيني يتعرض للإبادة الجماعية؟، اختفت معالم الزينة والفرح والبهجة في رمضان، يعيش شعبنا ظروفا صعبة ومأساوية للغاية، وهذا ما يؤلم القلوب. رمضان اليوم مليء بالحزن”.
صبرا وشاتيلا
في مخيم صبرا وشاتيلا، المخيم الأكثر اكتظاظا في بيروت، تتكرر مشاهد المخيمات السابقة، حيث يختفي الفرح والبهجة، ويُستقبل الشهر الفضيل بحالة من الأسى والحزن.
ويؤكد أبو محمد عيسى للجزيرة نت: “نستقبل شهر رمضان بحزن شديد، وقلوبنا مكسورة لأجل أهل غزة. ندعو الله أن ينصرهم ويمنحهم القوة”.
من جانبها، تقول وفاء دمج: “لا أستطيع الفرح، نحن نحب شهر رمضان، لكننا أيضا نحب أن يكون أهلنا في غزة في راحة ولديهم الطعام والأكل. كلما تناولت لقمة طعام أشعر بأنه يجب علينا أن نشعر بهم وأن نؤمّن لهم الطعام، ولكنني غير قادرة على مساعدتهم، وهذا يسبب لنا الألم”.
مار إلياس
وفي مخيم مار إلياس، يقول أمين عام اتحاد الشباب الفلسطيني يوسف أحمد للجزيرة نت: “يحل اليوم شهر رمضان المبارك على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات وجميع أنحاء الشتات، وشعبنا في غزة يعاني من الألم والجوع والحصار والقتل والدمار، ويتشارك اللاجئون هذا الوجع مع سكان غزة، ويقفون إلى جانبهم في هذه المرحلة الصعبة”.
ويضيف: “رسالتنا أن يقف كل العالم إلى جانب هذا الشعب الذي يناضل من أجل حريته وكرامته واستقلاله. ونقول لأهلنا في غزة: أنتم الأقوياء اليوم، والاحتلال هو من يعيش الهزيمة، بينما أنتم صامدون على أرضكم، تقاومون الاحتلال وإرهابه وعدوانه”.
وتقول غادة عثمان من سكان المخيم: “لا توجد أجواء رمضانية هذا العام، فالمعاناة والجوع الذي يعيشه أهلنا في غزة غيّبا البهجة من هذا الشهر. نحن نصوم اليوم ونشعر بجزء صغير من معاناتهم التي يمرون بها منذ 5 أشهر وأكثر”.
وفي صور جنوبا، دعت اللجنة الشعبية لمخيم برج الشمالي إلى استمرار الفعاليات التضامنية والدعم لأهالي قطاع غزة خلال شهر رمضان، مع تأكيد عدم القيام بأي مظهر من مظاهر الابتهاج والفرح، وعدم شراء أو بيع المفرقعات النارية التي تُعتبر جزءا من التعبير عن السعادة.
“مع غزة، جسد واحد”، مبادرة أطلقها اللاجئون الفلسطينيون في مخيم الرشيدية بمدينة صور تهدف إلى توفير خيام للإيواء، ووقود للمستشفيات، كنوع من أنواع التضامن والتكافل خلال الشهر الفضيل مع أهالي القطاع.