غزة.. المجاعة تهدد حياة الناجين من مجازر الاحتلال

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

غزة- بعد 3 ساعات قضاها “أبو جمال” -وهو مدرس متقاعد- في السوق الشعبي بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، عاد إلى أسرته خاوي اليدين، إلا من بضع حبات بندورة وبصل.

وأبو جمال ليس من سكان مدينة رفح، بل نزح إليها مع زوجته وأطفاله الأربعة، ويقيمون برفقة والديه وأشقائه الثلاثة وأسرهم في مركز إيواء بمدرسة حكومية، بعدما عجز عن إيجاد متسع لهم في مركز إيواء تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وتكتظ هذه المدينة الواقعة أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، بأكثر من 600 ألف نازح، رفعوا تعدادها إلى 900 ألف، وتُرجح الأونروا أن يرتفع العدد إلى أكثر من مليون، في ظل موجات النزوح الواسعة من سكان مدينة خان يونس التي تتعرض لهجوم إسرائيلي عنيف.

ولا تقدم مراكز الإيواء في المدارس الحكومية مساعدات إغاثية مثل الأونروا. ويقول أبو جمال -للجزيرة نت- “معي أموال ولا توجد بضائع بالسوق التي تتناقص بها السلع والمحاصيل الزراعية ساعة بعد ساعة، جراء استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، الذي تسيطر عليه إسرائيل”.

الغزيون يعانون من أجل توفير موادهم الأساسية في ظل أسواق خالية من البضائع وأسعار خيالية (الجزيرة)

ندرة وغلاء

وانعكس إغلاق هذا المعبر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على مناحي الحياة كافة، واضطرت غالبية المحال التجارية إلى إغلاق أبوابها، بعدما فرغت تماما من السلع والبضائع.

أوقد أبو جمال النار في القليل من الحطب وأوراق كتب مستخدمة بجوار الفصل الدراسي الذي يقيم به في مدرسة القدس الثانوية وسط مدينة رفح، وأعد طبقا من “البندورة المقلية” لأسرته، وقال “اليوم وجدنا البندورة وربنا أعلم إذا سنجدها غدا أم لا”.

وارتفعت أسعار الخضار والمحاصيل الزراعية بشكل هائل، لندرتها في الأسواق وتعذّر وصول المزارعين إلى أراضيهم المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي. وتمثل تلك المناطق الواقعة شرق مدينة رفح وباقي مدن القطاع “السلة الغذائية” للسكان.

وللسبب ذاته، ولعدم توفر أعلاف الحيوانات، يضطر أصحاب مزارع ماشية إلى ذبح العجول والأبقار وهي صغيرة وبأوزان قليلة، تجنبا لنفوقها، غير أن غالبية الغزيين لا يقوون على أسعارها الباهظة. ويعلق أبو جمال “هل ننفق المال على اللحمة، ونحن لا نعلم إلى متى تستمر الأزمة؟”.

واقع حال أبو جمال وأسرته ينسحب على الغالبية من بين 2.3 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير، تقول الأونروا إن مليونا و900 ألف منهم أصبحوا نازحين، وجميعهم بحاجة إلى الدعم الإنساني.

وبحسب المستشار الإعلامي للوكالة الأممية عدنان أبو حسنة، فإن “ما يدخل من مساعدات إلى غزة هو نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية، سواء ما قبل الهدنة المؤقتة أو بعدها”.

وقال رئيس “لجنة الطوارئ الصحية” في رفح مروان الهمص -للجزيرة نت- إن سوء التغذية الصحية للأطفال والرضع يزيد من حالات الإصابة بالأنيميا وفقر الدم، وينذر بتفشي الأمراض والأوبئة، خاصة في مراكز الإيواء المكتظة.

رئيس لجنة الطوارئ الضحية مروان الهمص ارتفاع معدلات الإصابة بفقر الدم والأنيميا لدى الأطفال في مراكز الإيواء-رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
ارتفاع معدلات الإصابة بفقر الدم لدى الأطفال في مراكز الإيواء جراء سوء التغذية (الجزيرة)

وجبة واحدة يوميا

ولا تجد العشرينية هديل بدوي الحليب لمولودها، الذي وضعته في مستشفى المعمداني قبل ساعات قليلة من اضطرارها للنزوح من مركز إيواء بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة إلى مركز إيواء غرب مدينة رفح جنوبا.

وهديل (20 عاما) أم لطفلة لا تتجاوز العامين، وضعت مولودها “مصعب” الذي لم تقيد اسمه بعد بالسجلات الرسمية، لظروف الحرب وتعطل الدوائر الحكومية، تقول -للجزيرة نت- إنها تعاني من أجل إرضاع مولودها، ولا تمتلك المال لشراء الحليب المفقود أساسا من الصيدليات والمحال التجارية.

وتقتات الأم الشابة على وجبة طعام واحدة من المساعدات اليومية التي تقدمها إدارة مركز الإيواء للنازحين، وتوضح أنها “غير كافية وغير صحية” ولا تناسبها كامرأة ولدت حديثا.

وتقرّ الأونروا إنها توزع ما وصفه أبو حسنة بـ”الفتات” على جميع سكان قطاع غزة، إثر قرارها بتوزيع الدقيق على كل السكان من مواطنين ولاجئين، استجابة للحاجة الماسة لهذه المادة الأساسية التي لا تتوفر إلا للأونروا من خلال شاحنات المساعدات الواردة عبر معبر رفح البري مع مصر.

ويقدر متوسط عدد شاحنات المساعدات يوميا بنحو 55 شاحنة، تمثل بحسب بيانات أونروا الرسمية نحو 5% فقط من احتياجات القطاع.

ووجدت الأونروا نفسها مسؤولة عن جميع السكان في القطاع، بعدما كانت تتحمل المسؤولية عن نحو 70% من الغزيين الذين تصفهم باللاجئين، والذين ينحدرون من عائلات لاجئة من مدن وبلدات في فلسطين التاريخية إبان النكبة عام 1948.

وقال موظف في مركز إيواء تابع للأونروا، مفضلا عدم كشف هويته، إن المساعدات الإغاثية المقدمة للنازحين في المراكز تراجعت على نحو ملحوظ، ولا تفي باحتياجات المعيشة اليومية، خاصة بالنسبة للنساء والأطفال الذين يمثلون النسبة الأكبر من النازحين.

وأفادت هديل بأنها تلقت، الثلاثاء، علبة واحدة صغيرة من الفول المدمس، وزجاجة مياه، وقطعة بسكويت، لا تكفيها حتى اليوم التالي، وتؤثر على نفسها من أجل إشباع طفلتها، في حين تشعر بقلق كبير على حياة طفلها الرضيع.

الموت جوعا

وجدد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تحذيره المتكرر من “كارثة إنسانية وشيكة” في القطاع. وقال في بيان يعقّب فيه على تجدد القتال عقب انهيار مباحثات تجديد الهدنة المؤقتة، إن ذلك “سيزيد حدة أزمة الجوع الكارثية”.

وقالت المديرة التنفيذية للبرنامج سيندي ماكين “إن إمدادات الغذاء والمياه معدومة عمليا في غزة، ولا يصل إلا جزء صغير مما هو مطلوب عبر الحدود، ومع اقتراب فصل الشتاء، والملاجئ غير الآمنة والمكتظة، ونقص المياه النظيفة، يواجه المدنيون احتمالا مباشرا للموت جوعا”.

“ولا توجد طريقة لتلبية احتياجات الجوع الحالية من خلال معبر حدودي واحد قيد التشغيل، والأمل الوحيد هو فتح ممر آمن آخر لوصول المساعدات الإنسانية لجلب الغذاء الضروري للحياة إلى غزة”، بحسب المسؤولة الأممية. وهو ما تؤكده منظمات محلية ودولية أخرى بالنسبة لمعبر رفح غير المهيأ لتوريد عدد أكبر من الشاحنات.

وصرح مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة -للجزيرة نت- بأن “وقف إدخال المساعدات أو اتباع سياسة التنقيط في إدخالها يعد أسلوبا وضيعا في الضغط على الشعب الفلسطيني والأطفال والنساء، عبر حرمانهم من الغذاء الدواء، ومن مستلزمات الحياة المهمة والأساسية، وبمثابة حكم جماعي بالإعدام”.

ولإنقاذ القطاع من الانهيار التام ومن كارثة إنسانية محققة، طالب الثوابتة بإدخال 1000 شاحنة من المساعدات والإمدادات الحقيقية الفعلية بشكل يومي، كي تستجيب لأولويات واحتياجات السكان الفعلية، إضافة إلى مليون لتر من الوقود يوميا.

وبحسب الثوابتة، فإن هذه المساعدات باتت المصدر الوحيد لغالبية الغزيين، في ظل استمرار الاحتلال بإغلاق معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر التجاري الوحيد الذي كانت تتدفق عبره يوميا أكثر من 500 شاحنة محملة بمختلف الأصناف من احتياجات القطاع الإنسانية والمعيشية.

ويقول مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين، سامر عبد الجابر “إن قدرتنا على توفير الخبز أو نقل الغذاء إلى المحتاجين قد تدهورت بشدة، مما أدى إلى توقف الحياة في غزة، الناس يعانون من الجوع”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *