في السنوات الأخيرة، أصبح تأييد السلطات التقليدية لمرشحي الانتخابات في غانا -سرا أو علنا- جانبا بارزا من العملية الانتخابية. ويجسد المثل الأفريقي “عندما يتحدث الزعيم، تستمع القرية” التأثير الدائم للزعماء التقليديين في غانا، وهي دولة تتعايش فيها الهياكل السياسية الحديثة مع التقاليد الثقافية العميقة الجذور.
وبينما تستعد غانا لدورتها الانتخابية المقبلة، أصبح دور هؤلاء الزعماء التقليديين في تأييد المرشحين السياسيين تحت الأضواء، وهو ما يثير تساؤلات حول أهميتهم التاريخية، وتأثيرهم على ثقة الناخبين، ومن ثم النتائج الانتخابية.
في الأسابيع الأخيرة، اقترح محمودو بوميا من الحزب الوطني الجديد الحاكم، عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز دور الزعماء التقليديين في الحكم، من بينها تقديم “علاوات معيشة” لهؤلاء الزعماء.
وقال: “اليوم، يحصل زعماء العشائر على ألف سيدي غاني (80 دولارا) شهريا”. وأضاف: “هذا مبلغ لن يمكنهم حتى من شراء ما يكفي من الوقود لحضور الاجتماعات. لقد نظر فريقي في كل هذا، ونحن نقول إنه يتعين علينا دفع علاوات المعيشة للزعماء الكبار، ولا نتوقف عند هذا الحد بل نعطي أيضا رؤساء الأقسام والأمهات الملكات حتى نتمكن من الحصول على مؤسسة زعامة قبلية كاملة يتم تمكينها لمساعدة الحكومة. وهذه الوعود ليست اقتصادية فحسب؛ كما أنها تحمل مسحة سياسية كبيرة”.
واقترح بوميا منح حصص في الموارد المعدنية للزعماء التقليديين ضمن ولاياتهم القضائية كإجراء لمكافحة التعدين غير القانوني، إلى جانب تعديل قانون الزعامة لمنح الزعماء المزيد من السلطة لفرض الانضباط. وبحسب بوميا، “هناك نقص في الانضباط في العديد من المجتمعات بسبب محدودية صلاحيات هؤلاء الزعماء في استدعاء الأفراد إلى القصر”.
ومع ذلك، فإن فعالية هذه الوعود في التأثير على الأصوات لا تزال محل جدل. وأوضح كواسي أماكي-بواتينغ، المحاضر في العلوم السياسية بجامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا أنه في حين أن وعود بوميا قد تحظى بدعم بعض الزعماء، فإن التأثير الإجمالي على سلوك الناخبين أمر مشكوك فيه.
وأضاف أماكي-بواتينغ في تصريحه لصحيفة أفريكا ريبورت: “قد يفوز بوميا بدعم بعض هؤلاء الحكام التقليديين بمثل هذه الوعود ولكن السؤال هو: ما مدى أهمية ذلك على إجمالي الأصوات؟ وعلينا أن نسأل أنفسنا كم عددهم (الزعماء التقليديون)؟ هل لديهم تأثير كبير على الأشخاص الخاضعين لولايتهم القضائية؟ ويجيب على ذلك بقوله: لا.
دور تاريخي
تاريخيا، كان دور الزعماء في المجتمع الغاني متعدد الأوجه. وفي حين تضاءلت أهميتهم في السياسة والإدارة منذ الاستقلال، إلا أنهم لا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير في إدارة الأراضي والعرف المحلي، على النحو المبين في دستور عام 1992.
ويلعب الزعماء التقليديون أيضا دورا حاسما في مشاريع التنمية، وغالبا ما يعملون وسطاء بين المجتمعات المحلية والمنظمات الحكومية أو غير الحكومية. يقول أوسي بونسو سافو كانتانكا، الباحث في الشؤون القبلية، لصحيفة “أفريكا ريبورت” إن الزعماء التقليديين لم يشاركوا لفترة طويلة جدا في الأنشطة السياسية.
وأضاف: “في الأصل، كانوا منخرطين بشكل كامل في الأنشطة السياسية وما حدث هو أنهم وجدوا أنفسهم، بسبب ذلك، في السجن وأحياناً في المنفى. ولذلك عانت ولاياتهم أو مدنهم كثيرا في غيابهم، ولهذا ألزمهم دستور عام 1992 بعدم الانخراط في السياسة”.
وأضاف: “هؤلاء الزعماء هم الأوصياء على ولايتهم أو بلدتهم وقضاة في المحاكم التقليدية. فإذا نظر إليهم على أنهم ينتمون إلى حزب معين، فإن المنتمين إلى الطرف الآخر لن يأخذوهم على محمل الجد، حتى لو حكموا بحق”.
وعلى الرغم من القيود الدستورية، فقد كانت هناك حالات أيّد فيها الزعماء بمهارة المرشحين السياسيين بينما أظهر آخرون كرههم الصريح لمرشحين سياسيين معينين.
يقول بافور أجيمان دوا، خبير الحكم في مؤسسة كوفور، إنه على الرغم من أن الدستور يمنع الزعماء من الانخراط في السياسة، “إلا أن بعضهم يتحدث في السياسة. بل إن بعضهم يؤيد المرشحين الرئاسيين، وهي قضية يثيرها المجتمع المدني طوال الوقت لأنها مخالفة للدستور. ورغم ذلك فهم مستمرون في ذلك”.
ويقول أكوفو دوا إن السياسيين يعتقدون أن تأييد الزعيم القبلي، وخاصة الزعيم البارز، علنا؛ يمكن أن يمنحهم المزيد من الأصوات. لكنه يضيف أنه لا توجد دراسة ميدانية تؤكد ذلك.
صدى الانتخابات
قبل الانتخابات الحاسمة في ديسمبر/كانون الأول، لا شك أن صدى أصوات الزعماء التقليديين -سواء كانت علنية أو خفية- سوف يستمر في التردد من خلال المشهد السياسي.
في وقت سابق من هذا العام، واجه الرئيس أكوفو أدو انتقادات شديدة لاعترافه للزعماء المحليين في إيكومفي بالمنطقة الوسطى، بأنه حجب عمدا مشاريع التنمية بعد أن أطاح الناخبون بالمرشح البرلماني للحزب الوطني التقدمي في انتخابات 2020.
وأعرب الرئيس عن خيبة أمله إزاء خسارة مرشحه المفضل واعترف بتقليل مشاركته مع الدائرة الانتخابية نتيجة لذلك. وأضاف: “لقد عينته نائبا للوزير حتى يبدأ من خلاله مشاريع تنموية في المنطقة لكن ذلك لم يستمر. خلال الانتخابات اللاحقة، تم التصويت لصالح خروجه، وكل ذلك كان سببا في إهمالي للمنطقة”.
وردا على ذلك، اعتبر الزعيم الأعلى أوديفور أكين أن تصريحات الرئيس مؤسفة، مشددا على أن الخيارات الديمقراطية لا ينبغي أن تؤدي إلى إجراءات عقابية ضد المجتمعات.
وشدد الحسن أنامزويا، عالم الاجتماع بجامعة غانا، على المخاطر المحتملة التي يواجهها الزعماء. وقال: “إذا لم يفز الحزب الذي تدعمه، يمكن للحزب الذي يفوز أن يقرر قطع الطريق عليك فيما يتعلق بالتنمية. لقد حدث ذلك من قبل. لذا، من الناحية الثقافية، ليس من المفترض أن يدعم الرئيس حزبا سياسيا. لكن من الناحية السياسية، خرج الزعماء وأيدوا الأحزاب هنا وهناك”.
ووفقا لأنامزويا، في المناطق الريفية، حيث لا تزال السلطة التقليدية قوية، لا يزال بإمكان الزعماء التأثير على آراء الناخبين. يقول أنامزويا لأفريكا ريبورت: “في القرى الصغيرة حيث يعرف الناس الجميع، فإن تأييد الزعيم مهم للغاية. إنه المكان الذي يمكن للزعيم أن يرسل فيه شيوخه بعد التأييد ليذهبوا ويطلبوا من الآخرين التصويت لشخص معين”.