القدس المحتلة- ستضطر المقدسية رائدة السعو، لسجن نفسها وأبنائها قسرا، من ظهر السبت وحتى مغيب شمس يوم الأحد، ليتسنى لعشرات آلاف المستوطنين الاحتفال بـ”عيد الشُعلة” اليهودي الذي نُقلت احتفالاته المركزية هذا العام إلى حي الشيخ جرّاح بالقدس.
ويحل “عيد الشعلة” بعد عيد الفصح اليهودي بـ33 يوماً، وتوقد فيه شُعَل نار تقليدية عشية ما يُسمى إحياء “ثورة اليهود ضد الرومان في أرض فلسطين بقيادة شمعون باركوخبا عام 132 للميلاد بعد 62 عاما على خراب الهيكل الثاني” وفق مزاعمهم.
ويرمز في هذا العيد إلى سنابل حصاد القمح التي كانت تقدّم إلى الكهنة في أول أيام عيد الفصح، وتقام مراسم إشعال الشعلة في مكانين رئيسيين، هما منطقة قبر “شمعون الصدّيق” في الشيخ جراح بالقدس، وفي قرية ميرون المحتلة غرب مدينة صفد شمالي فلسطين.
وكما في كافة الأعياد اليهودية تُقحم جماعات الهيكل المتطرفة المسجد الأقصى في احتفالاتها، فتُنفذ خلاله اقتحاما لساحاته. كما يشعل المستوطنون الأخشاب والسنابل في مكان محدد داخل ساحة البراق المخصصة قسرا لصلاة اليهود.
وأعلنت ما تُسمى “مؤسسة تراث الحائط الغربي” الإسرائيلية أن هذا الحدث سيكون في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الأحد المقبل.
ولأن الاحتفالات في صفد مُنعت هذا العام بسبب ظروف الحرب واشتعال الجبهة الشمالية، نُقلت كافة الاحتفالات لحي الشيخ جرّاح المنكوب بالاستيطان.
سجن ورعب
وبسؤالها عن صعوبة هذا العيد بالنسبة لسكان الحي، وصفت رائدة السعو حياة أهالي الشيخ جراح خلال احتفالات “الشُعلة” بـ”الجحيم والسجن والرعب”.
وخلف هذه الكلمات سيل من المخاوف التي يعيشها سكان الحي بالفعل، بدءا من سجنهم بسبب الإغلاق الكامل لكافة الطرقات المؤدية إلى منازلهم والشوارع الرئيسية المحيطة بها، مرورا بحالة الرعب بسبب اعتداءات المستوطنين على أهالي الحي وممتلكاتهم، وانتهاء باعتداءات شرطة الاحتلال والقوات الخاصة التي ينتشر الآلاف منهم لتأمين احتفالات المستوطنين.
وتحدثت السعو للجزيرة نت، عن بعض ما يتعرض له الأهالي سنويا خلال هذا العيد قائلة “يُحكم علينا بالسجن؛ فلا نذهب إلى أعمالنا ولا حتى للعيادات الطبية، وتُغلق الطرقات أمامنا ورغم أن الشرطة تزودنا ببطاقات تسمح لنا بالمرور نحو منازلنا فإنا إذا خرجنا وأردنا العودة يقولون إن الاكتظاظ لا يساعدهم في فتح الطرقات لنصل إلى المنازل”.
ليس هذا فحسب بل إن معظم المستوطنين الذين يشاركون في احتفالات هذا العيد سنويا هم من المتطرفين الذي يكنون الحقد والكراهية للعرب، ويحمل معظمهم السلاح الذي يُرعب سكان الحي، حيث يتغلغل المستوطنون في بؤر بين منازل المقدسيين.
تتنقل رائدة بين غرف منزلها لمراقبة كل ما يدور حوله، وتصعد إلى سطحه تارة وتتجول حوله لحمايته وحماية السيارة والأشجار من الحرق أو رشق الحجارة، أو من هجوم مباغت من المستوطنين.
وأكدت المواطنة المقدسية أن المستوطنين المتطرفين في الحي يتلقون الدعم المباشر من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي نصب خيمة قبل عامين ونصف العام على بعد أمتار من منزلها، ويوفر هذا الوزير المتطرف الحماية للمستوطنين الذين يعربدون في الشطرين الشرقي والغربي للشيخ جراح، ليلا ونهارا.
أساطير باطلة
وتطرق صالح ذياب -أحد سكان الشيخ جرّاح الذي صدر بحقه مؤخرا قرار يقضي بطرده من منزله لصالح المستوطنين- إلى أوجه أخرى من معاناة السكان خلال عيد “الشُّعلة”.
يقول ذياب إنهم لا يذوقون طعم النوم بسبب الاحتفالات الصاخبة والرقص والغناء إلى ما بعد منتصف الليل، بالإضافة إلى أنه يضطر لإخلاء أسرته من المنزل خلال الأعياد حيث يقصد المستوطنون قبر “شمعون الصديق” الملاصق لمنزله، خشية تعرضهم لرشق الحجارة ورمي النفايات باستمرار.
ولأن الشرطة تقف إلى جانب المستوطنين بشكل تلقائي، لم يعد ذياب يتقدم بشكاوى ضد الانتهاكات التي يتعرض لها، حيث يجد نفسه هو المتهم والمعتقل في نهاية المطاف.
ويضيف “هذا القبر الذي يدّعون أنه مقدس لدى اليهود هو مسمار جحا الذي وضعوه للسيطرة على المنطقة.. كنت أركن مركبتي داخل هذه المغارة لعقود ومع صعود أرييل شارون (2001- 2006) إلى سدة الحكم في إسرائيل ازداد الاهتمام بها بشكل لافت”.
وتزعم الرواية اليهودية أن القبر الموجود داخل مغارة، يعود لسمعان العادل البار أو شمعون الصديق، الذي تقول إنه رئيس الكهنة في عهد “الهيكل الثاني” وزمن الإسكندر المقدوني (313 قبل الميلاد)، وتتغنى بأخلاقه وأمثاله المشهورة الواردة في التوراة الشفوية (المشناه).
ويدحض هذه المزاعم وثيقة حُررت في المحكمة الشرعية بالقدس عام 1733، تثبت شراء الشيخ الصدّيق بن عبيد بن سلامة السعدي، الأرض التي تضم المغارة من عبد الله بشّة غباري، ليتخذها لاحقا خلوة له، ويجتمع فيها مريدوه لدراسة طريقته الصوفية، ولتُعرف بعدها باسم مغارة الشيخ صديق السعدي، ويحتفظ بهذه الوثيقة المقدسي درويش سليمان حجازي السعدي، واطلعت عليها الجزيرة نت سابقا.
اختيار سياسي
وعن دلالات نقل كافة الاحتفالات المركزية هذا العام إلى حي الشيخ جراح، قال الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو ذياب إن الاحتلال استغل الحرب على غزة ووجد فيها فرصة ذهبية لتحويل الاحتفالات إلى منطقة عربية وتحديدا في شرقي القدس، وإن الأمر يتعدى مجرد اختيار موقع بديل لصفد.
وأضاف “أرادوا تشويه الفضاء العام وإدخال بصمات الثقافة والديانة اليهودية وجلب مزيد من المستوطنين لتغيير الطابع العربي في الحي والتشويش على أهله وتضييق الخناق عليهم.. وأرى أن الاختيار سياسي بامتياز”.
وتطرق الباحث المقدسي إلى تعمد إشعال الحرائق الخاصة بهذا العيد في ساحة البُراق، لما في ذلك من رسائل مباشرة بأن السيادة في المنطقة الملاصقة للأقصى هي إسرائيلية. إن خنق الأقصى وتطويقه يتجلى مع إحياء كل ذكرى ومع الاحتفال بكل مناسبة.
ونشرت منظمة “عير عميم” الحقوقية الإسرائيلية على صفحتها في فيسبوك، أن الاحتفال الذي يقام كل عام في عيد “الشُّعلة” يشكل إزعاجًا لسكان الحي الفلسطينيين، وأنه من المتوقع هذا العام أن يصل إلى المكان عشرات الآلاف من المحتفلين اليهود.
وقالت إن سلسلة الهيئات الحكومية التي تعمل مع منظمات المستوطنين لتهويد “القدس الشرقية”، تستغل هذه الفرصة لتعزيز الاستيطان في قلب حي فلسطيني، وأن المستوطنين سيتدفقون في ساعات الليل المتأخرة من يوم السبت.
ورجّحت أن يحتفل المستوطنون بصخب كبير مع فرقة موسيقية وسط نيران ودخان، بينما سيضطر السكان الفلسطينيون للاختباء في بيوتهم وهم يأملون ألا يستغل أحد هذا الحدث الجماهيري لإلحاق الأذى بممتلكاتهم، واقتحام منازلهم أو التنكيل بهم وهو ما حدث أكثر من مرة في أحداث مشابهة في الماضي.
وأشارت إلى أنه “من السذاجة القول إن هذا مجرد حدث ديني، بل هي سياسة استغلال الأحداث الدينية أو إنشاء مجمعات سياحية في قلب الأحياء الفلسطينية لجلب أعداد كبيرة من الزوار، وبالتالي تعزيز المستوطنات الأكثر تطرفًا”.