لم يسبق لأي رئيس أميركي أن حظي بمثل العلاقة الوثيقة التي حظي بها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب مع روسيا، بشهادة الفيلم الوثائقي “عملية ترامب.. جواسيس روس من أجل غزو أميركا” الذي تحدث فيه أمام الكاميرا كبار المسؤولين السوفييت والأميركيين السابقين من المخابرات السوفياتية السابقة (كي جي بي) ومكتب التحقيقات الفدرالي، ووكالة المخابرات المركزية، كما قدم فيه جاسوس سابق من “كي جي بي” في الولايات المتحدة شهادته.
وتحت عنوان: “جهاز الاستخبارات السوفياتية سيطر على ترامب في الثمانينيات”، قالت مجلة لوبوان -في مقابلة لفرانسوا غيوم لورين مع منتج الفيلم أنطوان فيتكين- إن علاقة ترامب بالروس بدأت في الثمانينيات في عهد الاتحاد السوفياتي السابق، مشيرة إلى أن إعادة انتخابه ستؤثر بشكل كبير على مستقبل المساعدات الأميركية المقدمة لأوكرانيا، والحرب التي تخوضها ضد روسيا، وبالتالي على مستقبل أوروبا التي تقع في مرمى الجمهوريين.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الفيلم الوثائقي يسعى إلى سحب خيوط السديم السوفياتي ثم الروسي في الولايات المتحدة، متخذا ترامب نقطة مركزية ورئيسية وهدفا متحركا يصعب الإمساك به، ومستلهما دراسة المؤرخة لورانس سان جيل، للوبي الروسي والتلاعب والتدخل الذي يقوم به من خلال الجمهوريين اليمينيين المتشددين.
كنا نعرف أشياء عن ترامب
وقال المخرج، عند سؤاله لماذا لم يخفف ترامب خلال رئاسته العقوبات المفروضة على روسيا، إن ترامب لم يكن يستطيع اتخاذ مثل هذا القرار بمفرده، خاصة أنه عندما وصل إلى السلطة عام 2017، كان تحت ضغط التحقيق في التواطؤ مع روسيا وكان -كما قال مستشاره للأمن القومي جون بولتون- “متوترا للغاية بشأن القيام بأي شيء فيما يتعلق بروسيا”، كما أن سيطرة “كي جي بي” عليه لا تعني أن روسيا جعلته يخدم جميع أغراضها.
وأضاف أنطوان فيتكين أن ترامب قد يكون تم تصويره في حالة سيئة عندما جاء إلى موسكو لمحاولة بناء برج في عام 1987، مع أنه ليس هناك ما يثبت ذلك، غير أن هناك اعتقادا بأن الروس لديهم معلومات مالية عن ترامب منذ نهاية الحرب الباردة، ولكن الحصول على معلومات مساومة لا يعطي السيطرة المطلقة.
وعند عودة ترامب من موسكو عام 1987 اتخذ موقفا سياسيا، وبدأ بالتشكيك في أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتمويله، ولم يكتف، وهو مجرد رجل أعمال، بتقديم رأيه على شاشة التلفزيون، بل إنه اشترى كذلك 4 صفحات في أكبر الصحف، واشترى ملحقات كبيرة يهاجم فيها إستراتيجية التحالف الغربي للولايات المتحدة، في حين بدا أنه يتجاوز التعبير عن رأيه بشأن إدارة الحرب الباردة إلى إعطاء إشارة إلى الاتحاد السوفياتي الذي زاره للتو.
ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن ترامب فعل ما طلب منه الروس -كما يقول المخرج- ولكنهم في موسكو كانوا قادرين على تملقه إلى درجة تجعله يعتقد أنه يفهم كل شيء، وأنه كان ذكيا، وأن تفكيره الإستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه.
ولا ينكر الجنرال أوليغ كالوغين الرئيس السابق للتجسس السوفياتي في الولايات المتحدة ذلك، دون أن يكون أكثر وضوحا، كما أن ضابطا سابقا في الاستخبارات السوفياتية -لم تدرج شهادته في الفيلم كما يقول المخرج- قال إنه عثر على رسالة بالتلكس تتحدث عن انقلاب كبير وقع في الولايات المتحدة عام 1987، مضيفا “كنا نعرف أشياء عن ترامب”، ولم يقل أكثر من ذلك لأنه ليس واشيا ولا منشقا.
وأشار المخرج إلى أن ترامب ضعيف للغاية أمام روسيا، كما تظهر الصور في قمتي هامبورغ وهلسنكي عام 2018، حيث يبدو وكأنه ينظر إلى قدميه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراقبه بابتسامة صغيرة، وذلك بسبب ظروف انتخابه عام 2016، والدور الذي لعبه الروس في زعزعة استقرار منافسته هيلاري كلينتون، مع أنه لا يتحمل فكرة أن يدين بانتصاره لروسيا.
وبالفعل كشف الروس عن رواية تؤيد ترامب واستخدمها، قبل أن يضيف إليها في مواجهة الرئيس الحالي جو بايدن اتهام هانتر ابن بايدن بأنه عميل روسي وبالتواطؤ الاحتيالي مع أوكرانيا.
علاقات ترامب بالجريمة المنظمة
غير أن كل ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نعتبر ترامب شخصا أحمق يتم التلاعب به -حسب المخرج- فهو يرى ذلك وسيلة لاستبعاد الهجمات التي تعرض لها خلال انتخابات عام 2016، كما أن لديه مصالح مشتركة مع بوتين أولها إضعاف أوروبا، وقد توج ذلك بقراره إنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا.
ويزعم جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية (2013-2017)، أن موقف ترامب من روسيا هو الذي جعل الهجوم الروسي على أوكرانيا ممكنا في فبراير/شباط 2022، إذ كانت الإشارة التي أرسلت إلى روسيا هي عدم الاهتمام الأميركي، ولكن بايدن بعد انتخابه، ارتكب خطأ عدم استعادة القدر الكافي من الردع والمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وعند السؤال عن علاقات ترامب المؤكدة في الثمانينيات مع الجريمة المنظمة الروسية التي اشترت جزءا من برجه، أكد المخرج أن تلك الروابط مثبتة وواسعة النطاق.
وأوضح أن كينيث ماكاليون مساعد المدعي العام في نيويورك (1978-1992) يقول ذلك بوضوح تام عندما يتحدث عن “زواج المصلحة بين منظمة ترامب والجريمة المنظمة الروسية”، وقد نجا ترامب من الناحية القانونية، لأن القانون الأميركي في ذلك الوقت لم يكن يمنع المروج من تسلم حقائب مليئة بالتذاكر.
وعند تحقيق كينيث ماكاليون مع ترامب، أفهمه رؤساؤه أنهم لا يهتمون بالمروجين لأنهم يكسبون المال لأميركا، ولذلك اضطر إلى إسقاط التهم الموجهة لترامب، لتكون تلك هي المرة الأولى التي يفلت فيها الرئيس المستقبلي من براثن العدالة، كما أن جهاز الاستخبارات السوفياتي قد يكون على علم بهذه الروابط وربما استخدمها كوسيلة ضغط لجذب ترامب إلى شبكته.