فاراي ماتياشي – شامفا، زيمبابوي – في صباح أحد أيام الشتاء في شامفا، بمقاطعة ماشونالاند الوسطى في زيمبابوي، كانت بريندا، وهي أم لـ3 أطفال، تبحث عن خام الليثيوم.
تستخدم المرأة البالغة من العمر 39 عاما، والتي طلبت استخدام اسمها الأول فقط، مِعولا لتكسير الصخور الصلبة قبل نقل الخام في عربة يدوية يدفعها بعد ذلك أحد عمالها ويتم إفراغها في كومة.
قالت المرأة التي ترتدي زي العمال الأزرق مع عاكسات خضراء وخوذة أمان صفراء “التعدين يتطلب عمالة كثيفة، لكنني تجندت لمواصلة العمل”. ومن حولها، يعمل العشرات من عمال المناجم الحرفيين الآخرين بلا كلل لاستخراج الخام في منطقة التعدين السطحي لليثيوم الواقعة على بعد حوالي 90 كيلومترا شمال شرق العاصمة هراري.
وقالت بريندا للجزيرة “أنا أتعامل مع كل موقف كما هو، أتذكر أنني كنت الفتاة الوحيدة في صف الكيمياء في المدرسة. لقد تعلمت أن أكون شجاعة ومستقلة”.
تمتلك زيمبابوي خامس أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم، وهو عنصر أساسي في البطاريات القابلة لإعادة الشحن المستخدمة في أشياء مثل الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية.
في عام 2021، كان إنتاج البلاد 1200 طن من الليثيوم، ومن المقرر أن يصبح ثالث أكبر معدن تصدره زيمبابوي بعد الذهب والبلاتين.
هناك العديد من الشركات العاملة في مجال استكشاف الليثيوم وتعدينه في البلاد، لكن عمال المناجم الصغار طوروا اهتماما بالقطاع أيضا. وبسبب ارتفاع معدل البطالة والصعوبات الاقتصادية الطويلة الأمد، يحصل آلاف الأفراد مثل بريندا على تصاريح وتراخيص من السلطات الزيمبابوية لاستخراج المعادن في المناطق الغنية بالليثيوم.
حظر تصدير الليثيوم الخام
في جميع أنحاء أفريقيا الجنوبية، هناك احتياطيات كبيرة من الموارد الطبيعية الثمينة، على الرغم من أن أقلية صغيرة فقط تاريخيا استفادت من هذه الثروات.
ولزيادة الفوائد التي تعود على الاقتصادات المحلية، سعت بلدان المنطقة بشكل متزايد إلى تحويل المعادن الخام إلى منتجات ذات قيمة أعلى محليا.
وكجزء من هذه الجهود، تحركت حكومة زيمبابوي لحظر صادرات الليثيوم الخام غير المعالج في عام 2022، بحجة أن البلاد ستحصل على المزيد من الإيرادات من هذا المعدن إذا سمح للشركات بتصديره بعد المعالجة.
ويهدف الحظر أيضا إلى الحد من تهريب الليثيوم الخام عبر حدود البلاد التي يسهل اختراقها مع جنوب أفريقيا وموزمبيق المجاورتين.
ومع ذلك، كانت هناك عواقب سلبية لهذا القرار على العديد من عمال المناجم الصغار العاملين في هذا القطاع.
وعندما فُرض الحظر، زاد الطلب على الليثيوم المعالج ــ الذي يمكن تصديره دولياــ في حين تباطأ الطلب على الليثيوم الخام حيث لم يكن سوى القليل من الناس لديهم الوسائل اللازمة لمعالجته.
وفي حين سارعت بعض شركات التعدين لبناء مصانع لمعالجة الليثيوم الخام من أجل التصدير، زادت مخزونات الليثيوم الخام، وانخفضت الأسعار. وقد تضرر عمال المناجم مثل بريندا، الذين هم في أدنى سلسلة إنتاج الليثيوم، بشدة. وقالت إنه منذ فرض الحظر، انخفضت أرباحها مع انخفاض سعر الليثيوم غير المعالج إلى السعر الحالي البالغ 100 دولار للطن من 1200 دولار للطن في السابق.
وقالت بريندا، التي تستخدم دخلها من التعدين لإطعام ودفع الرسوم المدرسية وشراء الملابس وغيرها من الضروريات لأطفالها “لقد هرب عدد كبير من الناس من هذا العمل”.
وأضافت “لم يبق سوى عدد قليل من الأشخاص الذين كانوا منخرطين مثلي في تعدين الليثيوم”، مشيرة إلى أن “أولئك الذين كانوا يبحثون عن الأرباح لم يتمكنوا من الاستمرار بمثل هذه الأسعار المنخفضة”.
سلسلة الإنتاج الطويلة
بدأت بريندا لأول مرة في صناعة التعدين والمعادن من خلال شراء وبيع الأحجار الكريمة وشبه الكريمة بعد أن عرّفها أحد الأصدقاء على العمل. ثم في عام 2014، غامرت في مجال تعدين الليثيوم.
منطقة إنتاج الليثيوم حيث تعمل بريندا وفريقها صاخبة ومليئة بالعديد من فرق التعدين الحرفية الأخرى التي تقوم بحفر وتفجير الصخور.
بدأت بريندا هنا بعد أن عثرت على بعض رواسب الليثيوم في منطقة كثيفة الأشجار، فقامت بتسويرها وتسجيل المكان لدى سلطات التعدين. وكان عليها أن تدفع إتاوات للحكومة للحصول على التصريح.
تعلمت بريندا التعدين من خلال القراءة والبحث عن مختلف أنواع الأحجار الكريمة، وباستخدام علاقاتها مع عمال المناجم الحرفيين، قامت بتوظيف 10 عمال -اثنان من مشغلي الآلات و8 عمال عموميين- لمساعدتها في الحصول على الليثيوم.
لكن بريندا لا تملك الموارد اللازمة لمعالجة الليثيوم، لذا فهي تبيع المعدن الخام للمشترين الصينيين في زيمبابوي، الذين يقومون بعد ذلك بمعالجته محليا قبل تصديره.
وتقول إن الصينيين ملتزمون، ولا يمكننا الاستغناء عنهم، فهم من يحددون الأسعار، في ظل خيارات محدودة.
وقال الخبير الاقتصادي فيكتور بوروما إن معظم مشتري خام الليثيوم لديهم إمكانية الوصول إلى المنتجين الثانويين والمشترين العالميين، “إنهم جزء من سلسلة إنتاج طويلة يحصل فيها عمال المناجم الحرفيين المحليين على أقل من 3% فقط من قيمة المنتج لكل طن”.
قال بوروما “إنها أفضل ممارسة يجب اتباعها في صادرات الليثيوم المعالجة بدلا من تصدير الحجر الخام”، لكنها قالت أيضا إن الحظر كان له تأثير على الأسعار وزيادة العرض، حيث لم يعد بمقدور معظم الناس تصدير السلعة أو بيعها بسهولة.
منذ ديسمبر 2022، انخفضت الأسعار العالمية للليثيوم أيضا بسبب عدة عوامل منها زيادة المعروض من المعدن.
التدافع على الليثيوم
مع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة لتقليل الانبعاثات التي تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ، يعد الليثيوم مكونا رئيسيا للبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية.
على الرغم من أن تعدين الليثيوم ليس جديدا في زيمبابوي، حيث تم استخراجه لأول مرة بواسطة شركة بيكيتا للمعادن في الخمسينيات من القرن الماضي، فقد أصبح هناك طلب متزايد عليه في الآونة الأخيرة.
وتقود الصين، المستهلك الرئيسي لليثيوم نظرا لدورها في تصنيع وتصدير بطاريات الليثيوم، التدافع على هذا المعدن في زيمبابوي.
وقال بوروما “إن الصين هي اللاعب الرئيسي إلى حد بعيد في الطلب على الليثيوم وإنتاج البطاريات”.
وكانت الصين تعقد صفقات في زيمبابوي، مستفيدة من العلاقات الودية مع حكومة الرئيس إيمرسون منانغاغوا الذي يخضع هو وأفراد أسرته وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين لعقوبات أميركية بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان والفساد. وفي الوقت نفسه، تقول الصين إن نهجها تجاه الدول الأخرى يعتمد على مبدأ عدم التدخل.
وقد ساعد ذلك بكين في الحصول على تراخيص التعدين في العديد من البلدان الأفريقية. أحد هذه المشاريع هو أكبر منجم لليثيوم في زيمبابوي، بيكيتا مينيرالز، الذي استحوذت عليه مجموعة سينومين للموارد الصينية في صفقة بقيمة 180 مليون دولار لزيادة الإنتاج في فبراير/شباط 2022.
يقع بيكيتا مينيرالز في تلال بيكيتا بمقاطعة ماسفينغو في جنوب شرق زيمبابوي، باحتياطي يبلغ 11 مليون طن من الليثيوم وهو أحد أكبر رواسب الليثيوم المعروفة في العالم.
وقال تابيوا أوبراين نهاتشي، وهو باحث مستقل في مجال المناخ والموارد الطبيعية، إن اندفاع زيمبابوي تجاه الصين يظهر بشكل كبير سياسة “التوجه شرقا”، وهي إستراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع بكين التي اعتمدها الرئيس الراحل روبرت موغابي في العقد الأول من القرن الـ21 عندما فرضت الولايات المتحدة والدول الغربية لأول مرة عقوبات على حكومته بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان.
وفقا لجمعية القانون البيئي في زيمبابوي، وهي مجموعة رائدة في مجال القانون البيئي، كان هناك في عام 2023، 7 مشاريع مختلفة لاستكشاف وتعدين الليثيوم في مراحل تطوير مختلفة في جميع أنحاء البلاد.
في حين أن عمال المناجم الحرفيين مثل بريندا يستخدمون عربات اليد والمعاول والمجارف، بالإضافة إلى الضواغط الصغيرة ومضخات المياه أثناء التعدين، فإن الشركات الكبرى لديها آلات تحريك التربة مثل الحفارات والجرافات لتحريك الصخور بالإضافة إلى المثاقب والمتفجرات.
ومع بدء شركات جديدة الإنتاج، ارتفعت صادرات الليثيوم في الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي بنسبة 854.7% من 70.6 مليون دولار في عام 2022 إلى 674 مليون دولار في العام الماضي. تريد الحكومة من شركات التعدين مواصلة معالجة الليثيوم لإنتاج كربونات الليثيوم أو الهيدروكسيد ذي القيمة العالية لأجل تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم محليا. على الرغم من ذلك يشك الخبراء في جدواه بسبب انخفاض إمدادات الطاقة في البلاد.
العامل الصيني
في حين أن الصينيين سيساعدون زيمبابوي في تحقيق 20 مليار دولار من التعدين بحلول عام 2030، إلا أن هناك ثمنا يجب أن يدفعه السكان المحليون من البحث عن الليثيوم من قبل الصين.
وقال فاراي ماجوو، مدير مركز حوكمة الموارد الطبيعية، وهي منظمة تدافع عن حقوق المجتمعات المتضررة من الصناعات التنقيبية، إن نموذج التنقيب الصيني مكروه من قبل الزيمبابويين الوطنيين والمسؤولين.
وقال ماجوو للجزيرة “إنهم (الصينيين) يرشون السياسيين لشراء صمتهم عندما ينتهكون حقوق الناس”، مرددا الاتهامات الموجهة ضد شركات التعدين الصينية بأنها طردت القرويين من أراضي أجدادهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة مع تلوث البيئة والهواء والماء في المناطق الغنية بالليثيوم في جميع أنحاء زيمبابوي.
وشبه الباحث نهاتشي عمليات الصينيين في هذا القطاع بما عانت منه الدول الأفريقية خلال سنوات الاستعمار، عندما نهبت الدول الأوروبية مواردها. وقال نهاتشي إن “الصين تفعل الشيء نفسه الآن، فهي تنهب الليثيوم في زيمبابوي، متجاهلة ممارسات العمل المناسبة والجوانب البيئية والاجتماعية والثقافية في المناطق التي تعمل فيها، على سبيل المثال، بيكيتا”.
لكن السفارة الصينية في هراري تؤكد أن الشركات الصينية في قطاع التعدين تلتزم بقوانين زيمبابوي أثناء عملياتها. وفي ردها على بيان أصدرته مجموعات المجتمع المدني عام 2022، قالت السفارة الصينية إن الشركات الصينية في البلاد تلتزم بالقانون وتحترم مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المواطنين العاديين في مناطق التنقيب.
وفي الوقت نفسه، يركز عمال المناجم الحرفيون في زيمبابوي على إيجاد طرق للتغلب على آثار حظر تصدير الليثيوم الخام، في ضوء انخفاض الأسعار التي تسببت في تضاؤل مواردهم المالية.
بريندا، التي تعتبر نفسها خبيرة في تحديد الأحجار الكريمة الملونة، تعمل الآن على تنويع أعمالها في مجال التعدين من أجل البقاء. وتقول “لقد تحولت للتو إلى معادن أخرى وللأحجار الكريمة والمعادن الأساسية لإعالة أسرتي”. قالت عن عملها كبائعة أحجار كريمة متنقلة تتاجر في جميع أنحاء البلاد وتركز على البريل والكوارتز.
وأضافت قائلة بإيجابية عن المشروع “أنا أستمتع بمعرفة أنواع مختلفة من المعادن. هناك الكثير منها في البلاد. وبالنسبة للأحجار الكريمة، أقوم بالتنقيب أو الشراء ثم إضافة القيمة عن طريق قطع وصقل المجوهرات”.