القاهرة – انتهت قمة القاهرة للسلام حول الأوضاع في غزة دون بيان ختامي، في وقت أصدرت فيه مصر بيانا “غاضبا” كشف عن خيبة الأمل من انعدام التوافق لوقف العدوان على غزة.
ورأى مراقبون أن الفشل في ردم الاختلافات الواسعة بين المشاركين في القمة أجهض تطلعات القاهرة لإحراز الأهداف التي سعى إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي من وراء عقد القمة.
وبدا من خلال مستوى التمثيل الغربي للحاضرين بالقمة أنهم لا يولون اهتماما كبيرا بها، برأي متابعين، حيث حضرها وزراء خارجية، أما الولايات المتحدة فاكتفت بإرسال القائمة بالأعمال السفيرة بيث جونز. وجاءت كلمات المتحدثين خلال القمة لتكرر ما هو معلن من آراء الدول المعنية، ولتضاعف خيبة الأمل في إمكانية الوصول للتوافق.
وكانت القاهرة تتطلع إلى أن “ينبثق عن المشاركين في القمة نداء عالمي يؤكد أهمية إعادة تقييم النهج الدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية، بحيث يتم الخروج من رحم الأزمة الراهنة بروح وإرادة سياسية جديدة تمهد الطريق لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة، تفضى خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، حسب بيان رئاسة الجمهورية المصرية.
ووفقا لبيان الرئاسة، فإن اجتماع القاهرة تم بمشاركة قادة ورؤساء حكومات ومبعوثين من بلدان إقليمية ودولية عدة بهدف التشاور حول جهود احتواء الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة، وخفض التصعيد العسكري منذ اندلاع الصراع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في غزة، والتحذير من أخطار اتساع رقعة الصراع.
أسباب انعدام التوافق
وأرجعت مصادر دبلوماسية تحدثت للجزيرة نت شرط عدم الكشف عن أسمائها، عدم صدور بيان ختامي عن القمة إلى رفض الدول العربية ضغوطا أوروبية سعت لتضمين البيان إدانة واضحة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي الوقت نفسه الدفع بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ورأى السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن عدم التوافق بين الدول المشاركة في قمة القاهرة للسلام كان متوقعا، في ظل تباين آراء مختلف الأطراف في التعامل مع الأزمة الحالية في قطاع غزة.
وتابع هاني خلاف أن “التباين في التمثيل بين الوفود المشاركة ربما هو ما حال دون الوصول لبيان نهائي”، لافتا إلى أن مصر كانت تراهن على الحضور الدولي لتوصيل نداء عالمي يوقف الحرب على غزة، مما تحقق جزئيا عبر ذهاب رئيسة الوزراء الإيطالية ونظيرها اليوناني ورئيس قبرص لإسرائيل في يوم القمة لإيصال رسالة السلام إليها، هذا الأمر قد يسهم مع قنوات أخرى في وقف التصعيد سريعا”.
أوراق بيد مصر
وعن الأوراق التي تملكها مصر بعد القمة، قال خلاف للجزيرة نت “هي ورقة العلاقات المصرية الإسرائيلية التي يمكن استثمارها لوقف اندفاع الجيش الإسرائيلي لغزو غزة بريا، والقبول بالتهدئة مع الفصائل أولا، وبعدها العودة إلى مسار المفاوضات للبحث عن تسوية الصراع”.
وأضاف المسؤول الحكومي أن مصر ستعمل على تليين الموقف الأميركي، وإقناع واشنطن بالعودة للنهج السابق واستخدام ثقلها لإقناع بنيامين نتنياهو بالتعاطي الإيجابي مع جهود التهدئة، ودعم الجهود المصرية لوقف إطلاق النار، والسماح باستمرار دخول المعونات لقطاع غزة، والتأكيد على أن توسع الصراع يضر بالجميع.
ومن الأوراق التي ستعمل مصر على توظيفها -بحسب خلاف- محاولة البناء على الموقف العربي الذي تجسد موحدا خلال أعمال القمة رفضًا للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية، والعمل على تكثيف كافة الجهود لإقرار التهدئة وحماية المدنيين.
بدوره أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قناة السويس جمال سلامة أنه من الواضح أن القمة لم تحقق ما كانت تصبو إليه مصر من خلال الحشد الدولي، مشيرا إلى أن رغبة القاهرة في وجود تكتل دولي يوقف الحرب في غزة على نحو عاجل كانت وراء مسارعتها لعقد القمة دون وقت كاف للإعداد الجيد لها، ولضمان تحقيق توافق على بيانها الختامي.
وتابع سلامة أن ما آلت إليه القمة من فشل في توافق على بيان ختامي كان أمرا متوقعا، في ظل تباين المواقف الدولية، إذ إن دولاً غربية عديدة تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل كامل يصعب معه إثناؤها عنه.
رهان الوقت
واعتبر سلامة، في حديث للجزيرة نت، أن القاهرة رغبت خلال القمة في تأكيد مواقفها الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، في رسالة قوية للقوى الغربية بأن عليها أن تتحرك بعيدا عن هذا السيناريو، وهي واحدة من أهم إيجابيات هذه القمة التي عكست كذلك مواقف جيدة للأردن والسلطة الفلسطينية وبعض الأطراف الأوروبية، وقد تراهن القاهرة على الوقت لإيجاد ثغرة في جدار الدعم الغربي لإسرائيل.
ولدى القاهرة خيارات “أحلاها مر”، بتعبير أستاذ العلاقات الدولية، إذ إن الأوراق المتوفرة بيديها تتمثل في “التورط عسكريا حال الاجتياح البري لقطاع غزة وفرض التهجير على شعبه، أو تعليق اتفاقية السلام، وهما خياران شديدا الصعوبة”، مما قد يضرب الاستقرار الهش في المنطقة ويقطع سبل التواصل مع الاحتلال.
وأضاف المتحدث ذاته أن رهان القاهرة على رغبة إسرائيل بنهاية سريعة للأزمة يبقى أمرا غير مضمون، فرغم صعوبات داخلية تواجهها حكومة إسرائيل، فإنها تفضل التصعيد العسكري هروبا من المحاسبة، ثم إن مواقفها المتطرفة تدفعها لرفض أي جهود لتحقيق التهدئة، بطريقة تصعّب من مهمة مصر.
على الجانب الآخر، أعرب أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور عن اعتقاده بأن القمة حققت أهدافها قبل أن تنعقد، بمجرد نجاحها في حشد قوى مؤثرة في العالم لإحياء الاهتمام مجددا بالقضية الفلسطينية، باعتبار أن الأمر لا يقتصر على قطاع غزة وحماس فقط، حيث سعت القاهرة لإحداث اختراق للحشد الداعم لإسرائيل.
حجم المشاركة دليل نجاح
وتابع فؤاد أنور، في حديثه للجزيرة نت، أن حجم المشاركة في القمة يؤكد ـرغم كل شيءـ أن هناك قدرا من التوافق والأرضية المشتركة مع كل من حضر، ومع الرؤية المصرية، فضلا عن التوافق في المواقف الحاسمة خلال القمة لا سيما بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية في رفض التهجير، وهو أمر يسهم في ثبات وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه بطريقة تمنع مخطط التهجير نهائيا.
وأوضح المتحدث نفسه أن القاهرة لم تكتف فقط بالمواقف السياسية الرافضة للتهجير وتصفية القضية، بل تزامنت مع إجراء عملي تمثل في إسقاط وعيد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بمنع دخول أي معونات للقطاع، والتهديد بقصف قوافل المعونات، مما يعد دعما لصمود الفلسطينيين.
ولفت فؤاد أنور إلى مواقف قوية ظهرت خلال القمة بوضوح في كلمات العراق وبعض الأوروبيين، ويمكن البناء على مخرجات القمة وتوظيفها للضغط على الاحتلال وصولا للتهدئة، مؤكدا أن مصر تملك أوراقا عديدة لمنع تصفية القضية الفلسطينية.
واعتبر الباحث الأكاديمي أن مصر تمتلك كذلك البناء على الحشد الشعبي الرافض للاعتداءات واستغلال الزخم الدولي في مواجهة حجم الضغوط والابتزاز من القوى الغربية، والتحصن بالثوابت المصرية المتمثلة في رفض التصفية والتهجير، مما يشكل دعما لثبات الفلسطينيين والتمسك بأرضهم.