نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا يصور حياة أهل غزة في شهر رمضان الكريم، إذ لا يشبه رمضان هذا العام رمضان المعتاد في القطاع بأطعمته الشهية والمتنوعة وتجمع الأسر على طعام الإفطار ونشاطات ما بعد الإفطار.
وقالت إن الفلسطينيين في القطاع يقضون شهر رمضان هذا العام في ظل واقع جديد قاتم، حيث الظروف “تشبه المجاعة”، ونقلت على لسان بعض السكان تفاصيل حياتهم اليومية وتفاصيل ما يتناولونه.
ونقلت عن حسناء جبريل (58 عاما) قولها إنها تغلي الماء غير النظيف لصنع الحساء من الصبار والأعشاب التي تجمعها من الحقول لتناول وجبات الإفطار، مضيفة وهي تحتمي في خيمة مع زوجها في مدينة رفح جنوب غزة بين أكثر من مليون نازح فلسطيني آخر: “نستخدم أي شيء نجده”.
وأشار التقرير إلى أنه من المفترض أن يكون رمضان شهرا للعبادة والاحتفال أيضا، مع تجمعات كبيرة بين العائلة والأصدقاء، مضيفا أن في غزة، مثل أي مكان آخر، يتغيّر الجدول الزمني للمسلمين، مع وجبة السحور، يليها صيام النهار بأكمله، ثم الإفطار عند غروب الشمس، وتناول الحلويات مع الشاي.
صيام مستمر في رمضان وقبله
وتقول حسناء جبريل إن صيام رمضان هذا العام لم يغير مقدار ما يأكلونه، إذ كانت علب الحمص والتمر القليلة التي يتلقونها في صورة مساعدات قبل رمضان غير كافية لأكثر من وجبة واحدة في اليوم، مضيفة: “يبدو أننا كنا نصوم منذ شهور”، واصفة الظروف الإنسانية الصعبة في القطاع.
والآن، تقول، إن زوجها يتخطى وجبات رمضان، ليس لأنه ليس جائعا، “إنه يعتقد أنه يدخر مزيدا من أجلي، بينما يخفي إرهاقه ودموعه على وضعنا”.
هناك القليل للفرح برمضان، تقول الصحيفة، إذ تمت تسوية العديد من المساجد بالأرض بسبب الغارات الجوية، والأيتام يتجولون في الشوارع، ويتجنب الناس التجمعات الكبيرة خشية أن تجذب انتباه الجيش الإسرائيلي، والزخارف التي كانت تلمع على المباني الخرسانية في غزة غائبة، وحتى الآذان، فقد اختلط مع ضجيج الصواريخ والغارات والتفجيرات، وبدلا من الوقت الاجتماعي في وقت متأخر من الليل، غالبا ما ينحني الأقارب على بعضهم البعض وسط القصف.
خائفون من القتل في أي لحظة
وتقول سارة الغلاييني (24 عاما)، التي تحتمي في منزل شقيقتها في مدينة غزة المسحوقة التي أفرغت من غالبية سكانها ومليئة بالمنازل المدمرة، بما في ذلك منزلها، إن عديدا من أحبائها فروا جنوبا ليتجنبوا القصف الكثيف في الشمال، وأضافت عبر الهاتف: “نحن محاصرون. القصف لا يتوقف، لذا لا نغادر المنزل. نحن خائفون من أن نقتل في أي لحظة”.
وحكت الغلاييني عن أنها تفتقد الوقت الجيد في رمضان الذي كانت تقضيه في التجمعات العائلية المفعمة بالحيوية، حيث يفطرون معا على الطعام الطازج والساخن، مشيرة إلى أنها أفطرت أول يوم في رمضان الحالي على الخبز والتمر والماء. وقالت: “ليس لدينا ما يجعلنا نشعر أنه رمضان”.
وذكر التقرير أن تقديرات مؤسسة “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” -التي تديرها كوادر من الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة والمجموعات البحثية- تفيد بأن أكثر من مليون شخص يعانون الجوع في قطاع غزة، وإن الوضع الإنساني مزر بشكل خاص في شمال غزة، التي انقطعت عنها إلى حد كبير المساعدات والسلع التجارية منذ بدء الحرب.
وتقول منظمات الإغاثة الإنسانية إن الجهود الأميركية في إسقاط الطعام من الجو لا تفعل شيئا يذكر للتخفيف من الجوع في غزة.
لا تستطيع التعبير عن حبها للناس كما كانت
وتقول حسناء جبريل إنها معتادة على إظهار حبها للناس بتقديم أطباق لذيذة خلال شهر رمضان. فقبل الحرب، بالنسبة للأمهات العاملات وأسرهن، كانت جبريل تطبخ المأكولات الفلسطينية مثل “المسخَّن”. وقالت إن أطباقا مثل هذه من المستحيل صنعها الآن، إذ “لم يعد لدي أي إمدادات لصنع الطعام الذي يحبه الناس”.
ويقول تيسير الطنا، رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، إنه يقضي ساعات يوميا في إجراء العمليات الجراحية، وغالبا ما يعمل طوال الليل، ويفطر بسرعة عند غروب الشمس على كل ما يمكن أن يجده زملاؤه في ذلك اليوم قبل العودة إلى طاولة العمليات.
المحظوظون يحصلون على العدس
وحكى الطنا أنه بالنسبة للإفطار، كانوا يأكلون كثيرا من الملوخية إلى جانب أعشاب أخرى كانوا يعدونها قبل الحرب غير صالحة للأكل، “وإذا كان هناك شخص ما محظوظ، فسيكون لديه عدس، وهو نفسه أصبح الآن بالكاد متاحا”.
وبالإضافة إلى شح المساعدات، يقول الطنا، زادت أسعار المواد الغذائية في القطاع بأكثر من الضعف منذ بدء الحرب، ووصلت أسعار بعض المواد المهمة -مثل الدقيق- إلى 10 أضعاف مستوياتها قبل الحرب. ويؤدي نقص السيولة إلى تفاقم قدرة سكان غزة على شراء ما هو متاح في السوق.
ويستمر الدكتور الطنا قائلا إنه في بداية الحرب، كان الحديث عن المساعدات. الآن، “لا توجد مساعدات في المكان الذي أعيش فيه، وكل شيء تقريبا يتم شراؤه وبيعه، ولا أحد يستطيع الشراء. الآن، أشاهد الأطفال، يحدقون في الناس الذين يشترون الطماطم، مع نظرات في عيونهم وكأنها تصرخ: أتمنى لو كنت أنا أنت، وكيف يمكن لأي شخص شراء هذا؟”.
لا وجبات بالمساجد
وذكر التقرير أن المساجد في غزة كانت في العادة تقدم وجبات رمضانية للمحتاجين، وكانت بمثابة حجر الزاوية في المجتمع، لكن أقواسها وقبابها ومآذنها الشاهقة التي كانت ذات يوم تمثل أفق غزة المزدحم، تحولت إلى أنقاض على نطاق واسع.
في السياق، قال حاتم البكري، وزير الشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية الذي يدير المساجد في الأراضي الفلسطينية، إن ما يقرب من جميع المساجد التي يزيد عددها على ألف مسجد في قطاع غزة قد دمرت أو تضررت.
وقال الطبيب الطنا في غزة عادة يمكن سماع صوت الصلاة المنبعث من مكبرات الصوت في المساجد من جميع الاتجاهات، وهو عنصر مألوف وسط الضجة في شوارع غزة التي كانت مزدحمة في السابق، لكن تلك الأصوات قد ولت، وحل محلها أزيز المسيرات والانفجارات وإطلاق النار. وفي الحالات النادرة التي يسمع فيها الطنا الآذان، يقول إن ذلك يتبعه تنبيه يحث على الصلاة في المنازل وعدم التجمع في الخارج.
ضل طريقه إلى منزله
في إحدى الأمسيات الرمضانية الأخيرة، روى الطنا أنه عاد إلى المنزل من المستشفى لمشاركة الإفطار مع زوجته وأطفاله، وقال إنه تأخر في الوصول إلى منزله لتناول وجبة المساء لأن الدمار جعل الطريق المألوف لا يمكن التعرف عليه، وأصبح ضائعا، مضيفا أن “الأمر كان مثل التعثر في حالة سكر”.
عندما عاد أخيرا إلى المنزل، شارك مع زوجته وأطفاله ما استطاع جمعه في ذلك اليوم: علبة من لحم الغداء المعالج والخبز وبعض الماء. وقال: “لقد أكلناها في مطبخ غير مزخرف كما كنا نفعل في السابق. لا شيء يمكن الاحتفاء به الآن؟”.