القدس المحتلة- “الأقصى مسكّر عشان الحرب”.. الجملة الأشهر التي يرددها عناصر الاحتلال الإسرائيلي عند أبواب المسجد الأقصى بعد إرجاع المصلين الفلسطينيين ومنعهم من الدخول، إذ يُغلق المسجد أمام المصلين منذ بدء معركة طوفان الأقصى السبت الماضي، ولا يسمح إلا لساكني البلدة القديمة أو من هم فوق الـ50 عاما بالدخول.
كان الاحتلال قبيل معركة طوفان الأقصى يقيّد ويمنع دخول المصلين إلى المسجد الأقصى خلال فترة اقتحامات المستوطنين في الصباح وبعد الظهر، أما منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فيمنع الدخول على مدار الساعة وخلال الصلوات الخمس.
منع من دخول السور
وبعد طوفان الأقصى، شهدت القدس عامة -والبلدة القديمة خاصة- عسكرة ملحوظة ووجودا مكثفا لدوريات الشرطة وحرس الحدود والقوات الخاصة، وانتشارا للحواجز الطيارة، حتى بات منع الدخول يشمل أبواب سور القدس، لا أبواب المسجد الأقصى فقط، حيث يمنع عناصر الاحتلال الفلسطينيين، خاصة الشبان، من دخول باب العمود وباب الأسباط.
تقول الشابة المقدسية رقية بسام للجزيرة نت إنها أرادت دخول الأقصى عبر باب حِطة، أمس الخميس، لكنها مُنعت، وحين سألت عن السبب أجابها الشرطي بالعربية متهكما “ممنوع الدخول، بس تخلص الحرب بنفتحه، بنخاف تسقط عليكم صواريخ وتنقتلوا”، اعترضت الشابة فشتمها الشرطي وهددها بالضرب إن لم تغادر المكان فورا.
وحسب شهادات عديدة للجزيرة نت، فإن استنفارا ملحوظا تشهده القدس وبلدتها القديمة، حيث يتعمد عناصر الاحتلال إفراغ غضبهم بالمقدسيين، وضربهم وإهانتهم على أتفه الأسباب، ويقول أحدهم إن رجلا عطس في أثناء خروجه من باب الناظر -أحد أبواب الأقصى- فاحتجزه الشرطي بزعم أنه أخافه.
استهداف الموظفين
بلغ الاستنفار ذروته في اليوم الثاني لطوفان الأقصى، آنذاك نكلت شرطة الاحتلال بحراس وموظفي المسجد الأقصى، وفتشتهم تفتيشا وصفوه بالمذل والدقيق، ومنعت أغلبهم من دخول المسجد صباحا لأداء مهامهم، كما تعرض أحدهم للتفتيش العاري قرب باب الأسباط.
يؤكد أحد حراس المسجد للجزيرة نت -فضل عدم نشر اسمه- أن حراس الأقصى وموظفي الأوقاف يتعرضون يوميا للإذلال والتفتيش ورمي بطاقات هويتهم أرضا، وبعضهم يمنعون من الدخول رغم إبراز بطاقات تثبت وظيفتهم، حتى إن شرطيا رفض إدخال حارسة، لأنها جاءت قبل ورديتها بساعة، وأجبرها على العودة في الوقت المحدد.
في اليوم الثاني أيضا الثامن من أكتوبر/تشرين أول الماضي، اعتقل الاحتلال شابة عند أبواب المسجد الأقصى، لأنها كانت تحمل قطعا من الحلوى، زاعما أنها ستوزعهم ابتهاجا بمعركة طوفان الأقصى، كما اعتدت القوات الخاصة بالضرب المبرح على موظفي مكتبة الأقصى عمران الرجبي وأحمد سلهب وهبة سرحان في أثناء عملهم صباحا.
حسب المزاج
ظل المصلون طوال الأيام الستة الماضية يصلون عند أعتاب سور القدس في أقرب نقطة يستطيعون الوصول إليها، كما فعل الفلسطيني محمد السعدي.
وجاء السعدي من بلدته في الداخل المحتل لأداء صلاة الفجر في المسجد الأقصى، لكنه مُنع من دخول سور القدس، فصلى قرب المقبرة اليوسفية، ويقول للجزيرة نت “الأمر يخضع لمزاج الشرطي، نفسه الذي منعني اليوم أدخلني بالأمس، يجب أن يحاول الجميع، ولو تجمع المصلون بأعداد كبيرة لن يستطيعوا منعنا”.
يؤكد السعدي أن الشرطة تمنع أحيانا ساكني البلدة القديمة من دخول المسجد الأقصى، ويقول إنه شهد على جدال بين مصلٍ وشرطي قال فيه الأخير “لن أدخلك ولو كنت فوق الـ70 عاما ولو كنت من سكان البلدة القديمة”.
قلّصت تشديدات الاحتلال من أعداد المصلين الوافدين حتى أمسى المسجد الأقصى فارغا، حيث لا تتجاوز صفوف المصلين في المصلى القبلي 4 صفوف غير مكتملة بعد أن كانت تتجاوز أضعاف ذلك في الأيام العادية.
كما أسهم إغلاق الحواجز العسكرية في تقليص أعداد المصلين أيضا، حيث يسكن عشرات آلاف المقدسيين خارج جدار الفصل العنصري، وبعد إغلاق الحواجز الرئيسية مثل قلنديا وحزما إبان معركة طوفان الأقصى حُرموا من دخول القدس والوصول إلى الأقصى.
يقول أحد حراس المسجد للجزيرة نت -فضل عدم نشر اسمه- إن أعداد الحراس تقلصت إلى النصف، حيث وصلت أعدادهم في الوردية الصباحية إلى نحو 30 حارسا، بعد أن كانوا يتجاوزون في الأيام الماضية 60 حارسا، كما أكد أن شرطة الاحتلال منعت وحدات الحراس التعزيزية -التي تراقب المقتحمين عن كثب- من الاقتراب من مجموعات المستوطنين خلال اقتحامهم.
تواصل الاقتحامات
وبينما يُمنع المصلون من دخول مسجدهم، تواصل شرطة وقوات الاحتلال تأمين اقتحام المستوطنين الذين تقلصت أعدادهم بعد معركة طوفان الأقصى حيث لم يتجاوز عدد المقتحمين في اليوم الواحد 120 مستوطنا، بعد أن كانوا يقتحمون بالمئات في الأيام العادية.
وحسب دائرة الأوقاف الإسلامية، فإن 76 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في اليوم التالي لمعركة طوفان الأقصى في انحدار ملحوظ مقارنة بالأيام الماضية، لكن جماعات الهيكل المزعوم بدأت بتحفيز أفرادها على الاقتحام والدعاء للقتلى من داخل المسجد وقراءة أسمائهم، كما طالبت جماعة “بيدينو” المتطرفة شرطة الاحتلال بإغلاق المسجد الأقصى تماما حتى إطلاق سراح أسرى الاحتلال في قطاع غزة.
وإلى جانب منع الدخول والتنكيل بالمصلين على الأبواب، استغل الاحتلال الانشغال بمعركة طوفان الأقصى وعاود منع عمليات الترميم والإعمار في المسجد الأقصى، بعد أن جمدها لمدة 22 يوما في يوليو/تموز الماضي، حيث يمنع إدخال مواد الترميم، ويشترط الإذن المسبق قبل إجراء أي ترميم ولو كان بسيطا، كإصلاح بلاطة مكسورة مثلا.