باريس- يبدو أنه كلما اقترب موعد الألعاب الأولمبية في باريس، ظهرت إلى السطح عيوب ومشاكل تقض مضجع المنظمين، بما فيها ردود الفعل الرافضة لطرد أكثر من 3200 طالب من مساكنهم الطلابية التابعة للمركز الإقليمي للأعمال الجامعية والمدرسية “كروس” (Crous) خلال فترة الأولمبياد.
وقد بدأ حوالي 100 طالب حزم أمتعتهم منذ يوم الخميس لنقلهم إلى مساكن أخرى، في حين تظاهر 100 آخرون أمام مقر وزارة الرياضة احتجاجا على قرار الاستيلاء ومزاعم الحكومة أن 30% من غرف “كروس” تظل فارغة كل صيف.
وفي المجمل، سيتم مصادرة 12 مسكنا للطلبة في منطقة إيل دو فرانس هذا الصيف، لاستيعاب الموظفين العموميين، من رجال الإطفاء وضباط الشرطة ومقدمي الرعاية، الذي سيأتون كتعزيزات للإشراف على الحدث الرياضي وتأمينه.
وأكد مكتب وزيرة الرياضة والألعاب الأولمبية والبارالمبية أميلي أوديا كاستيرا للجزيرة نت أن “المعلومات والقرارات بإسكان كروس تقع ضمن مسؤولية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي”. وعند سؤال الوزارة وكروس امتنعا عن التعليق.
استيلاء مرفوض
وقد بدأ هذا الموضوع منذ مايو/أيار الماضي عندما وصل الطلاب بريد إلكتروني من كروس تم إخبارهم فيه أن “السكن سيكون متاحا للجنة المنظمة للألعاب الأولمبية خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب. وسيتم تخفيض مدة الإيجارات إلى 10 أشهر، ويجب على الساكنين إخلاء أماكن إقامتهم في موعد أقصاه 30 يونيو/ حزيران 2024”.
ويعتبر هذا الإعلان في شكله ومضمونه “قانونيا” وفق ما يسمى بعقود الإيجار “غير المستقرة” الصادرة عن المركز الإقليمي، لكنه يقدم صورة مشوهة للتضامن مع الطلاب في فرنسا ويضع الحكومة أمام وابل من الانتقادات.
وقد أبدى عدد من السياسيين الفرنسيين تضامنهم مع الطلاب في هذه الأزمة، بمن فيهم النائب عن حزب “فرنسا الأبية” جيروم لوغافر الذي وصف قرار طرد الطلبة بـ”غير العادل والمخزي”، وحث الوزيرة أوديا كاستيرا بالعدول عن قرارها “لأنها تتحمل المسؤولية المباشرة في هذا الموضوع في ظل عدم وجود بدائل أخرى لهؤلاء الطلاب”.
وأشار لوغافر في حديثه للجزيرة نت إلى أن “باريس ليست جاهزة بعد لاستضافة الألعاب الأولمبية لأننا نعلم أن النقل سيشهد فوضى عارمة، فضلا عن وضع المستشفيات السيئ وتشجيع سكان العاصمة وضواحيها على السفر إلى مقاطعات أخرى”.
وفي هذا السياق، قالت مريم ـوهي عضو في نقابة طلابية- إن ما يحدث “فضيحة بكل المقاييس لأن حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجعل الشباب عرضة للخطر منذ سنوات. واليوم، يريدون طردنا من مكان إقامتنا لتوفير سكن مناسب في الألعاب الأولمبية”.
وأضافت “أخبرونا أنهم يخططون لتقديم تعويض قيمته 100 يورو لكل طالب، لكن لا شيء مؤكدا حتى الآن ولا يساوي هذا المبلغ شيئا أمام ملايين اليوروهات التي دُفعت في الإعلانات”.
ابتزاز وإجبار
من جهته، قال المدير العام لـ”كروس باريس” تييري بيجي لوسائل إعلام محلية إنه من المهم “انطلاق الموجة الأولى من مغادرة الطلاب الآن، لأن الأماكن أصبحت متاحة بالفعل”، مصرا على أنه “من الأفضل عدم الانتظار حتى اللحظة الأخيرة”.
واعتبرت النائبة الفرنسية دانييل سيموني ذلك “ابتزازا” و”قذارة حقيقية” ولا يأخذ بعين الاعتبار ظروف الطلاب وأهمية هذه الفترة التي يستعدون خلالها للامتحانات، مشيرة إلى أنها “سياسة فاضحة حقا تسحق مستقبل بلدنا بدل توفير كل الدعم لهؤلاء الشباب لينالوا شهاداتهم بنجاح”.
كما لفتت سيموني في مقابلتها مع الجزيرة نت إلى أن إعلانات الحكومة بهذا الشأن تبقى ضبابية، لأنه “ليس لديهم أي ضمان بالحصول على سكن آخر إذا غادروا غرفهم لذلك يتم ابتزازهم وإخبارهم: كلما غادرت بسرعة، ستكون فرصك أوفر في الحصول على سكن جيد لكن إذا انتظرت إلى تاريخ الأولمبياد، ربما لن تجد شيئا”.
وأضافت النائبة عن حزب “فرنسا الأبية” أن “أولوية الحكومة يجب أن تركز على ضمان بقاء الشباب في غرفهم والتفكير في بدائل أخرى لحل مشكلة السكن خلال فترة الأولمبياد بعيدا عن الطلاب، لأنه ليس من واجبهم دفع الثمن”، مشبهة الألعاب الأولمبية بـ”حفل للرعاة” و”آلة للطرد الاجتماعي المتسارع”.
واعتبرت طالبة مشاركة في مظاهرة السبت أنها في موقف أفضل من كثيرين “هذه سنتي الأخيرة في الدراسة ولن أكون بحاجة إلى السكن الجامعي، لكنني منزعجة جدا لأنني مجبرة على مغادرة غرفتي قبل يوم تخرجي في اليوم الأخير من يونيو/حزيران”.
وأشارت في حديثها للجزيرة نت إلى أنها اجتمعت مع رئيسة كروس في منطقة كريتيل “لكن كل ما يقال لنا أمور شفهية وليست موثقة على الورق، لذلك نحن ضائعون ولا نجد ما يطمئننا، وحتى أولئك الذين يريدون الانتقال ليس لديهم فكرة عن أين ومتى وكيف”.
تلاعب
ومنذ الإعلان عن الإخلاء، أكد عدد من الطلاب توافد فنيين ووكلاء لإجراء إصلاحات في المساكن، وهي أمور كانوا يطالبون بها منذ أشهر من دون أي رد من إدارة “كروس”.
وقال أحد الطلاب للجزيرة نت “لست واثقا من أن الحكومة ستوفر بدائل للسكن لجميع المتضررين. لقد استخدمت الماء البارد في غرفتي لمدة 6 أشهر، وعند تسلمي بلاغ المغادرة حصلت على ماء ساخن بشكل مفاجئ. لا تحترمنا وزيرة الرياضة وأريد أن أقول لها: نحن بشر، نحن طلاب، نحن مستقبل فرنسا”.
وأضاف أنه أرسل عدة رسائل إلكترونية بشأن تسرب المياه وانقطاع التيار الكهربائي وتردي البنية التحتية للمساكن الطلابية، لكنه لم يتلقّ أي رد من الإدارة، مضيفا “الآن يقومون بالأشغال الضرورية لاستقبال الموظفين في هذه الأماكن، مما يشعرنا بعدم الاحترام لمطالبنا السابقة”.
بدوره، أكد النائب الفرنسي لوغافر ذلك قائلا “يجب أن يعلم الجميع أن الطلاب يعانون في صمت ومنذ سنوات من ظروف إقامة غير صحية ولم يستمع إلى مطالبهم أي مسؤول في الوزارة التي تقوم اليوم بإصلاحات مستعجلة لاستيعاب أفراد الشرطة بعد إجبار الطلاب على مغادرة مكان إقامتهم قبل شهر أو شهرين من بداية الأولمبياد”.
وبسبب هذه الإصلاحات، يزعم بعض الطلاب أن الإعلان عن زيادة إيجارات هذه الغرف هو مسألة وقت فقط وسيتم الكشف عنه قبل بداية العام الدراسي المقبل.