صلاحيات واسعة.. هكذا يدير زعيم طالبان الحكم في أفغانستان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

كابل- على الرغم من مرور عامين و7 أشهر من وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وكفاحها لبناء دولة، فإنها لم تتمكن حتى الآن من تشكيل حكومة رسمية وصياغة دستور وبناء علاقات مع المجتمع الدولي.

ويرأس الحكومة المؤقتة -التي أعلنتها الحركة بعد أسابيع من استلامها السلطة في أغسطس/آب 2021- مجلس وزراء يتكون من 33 وزيرا كانوا مسؤولين سابقين في طالبان أو موالين لها مثل وزير التجارة نور الدين عزيزي، ويخضع بعضهم لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

ويتولى الملا محمد حسن آخوند، المقرب من زعيم الحركة منصب رئيس الوزراء بالوكالة، ويشغل أحد مؤسسيها الملا عبد الغني برادر -الذي قاد مفاوضات السلام مع واشنطن– منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.

ويشغل الملا عبد السلام حنفي منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الإدارية، والمولوي عبد الكبير منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية، وسراج الدين حقاني حقيبة الداخلية، ويتولى نجل مؤسس الحركة المولوي محمد يعقوب مجاهد منصب وزير الدفاع، وأمير خان متقي حقيبة الخارجية، وذبيح الله مجاهد هو المتحدث باسم الحكومة الأفغانية.

سيطرة مطلقة

خلال الأشهر الستة الأولى من حكم طالبان، بدا كما لو أن مجلس الوزراء هو الذي سيشكل سياسات الحكم ويبت في القضايا المصيرية والأساسية، لكن تم تجاوزه بشكل متزايد من قبل زعيم الحركة الشيخ هبة الله آخوند زاده.

يقول مصدر في القصر الرئاسي للجزيرة نت “سيطر زعيم طالبان على مفاصل الدولة، وحدد لكل مسؤول دائرة عمله، ولا يستطيع أي أحد التحدث في أمور مصيرية مهما يكن شأنه وتاريخه في الحركة. وحتى أجندة مجلس الوزراء، يجب أن يطلع عليها الزعيم قبل مناقشتها في المجلس، والقرارات التي تمت الموافقة عليها فيه يجب أن يوافق عليها الزعيم قبل إعلانها”.

تُسمي طالبان حكومتها “الإمارة الإسلامية في أفغانستان”؛ وهو لقب النظام الأول الذي أسسته الحركة في تسعينيات القرن الماضي واعتادوا الإشارة إليه طوال كفاحهم الذي دام عقدين من الزمن. ويشرف زعيمها على جميع شؤون الدولة والمجتمع وفق المنظور الديني.

يوضح مصدر بوزارة العدل للجزيرة نت أن “زعيم طالبان آخوند زاده يسيطر على جميع الإدارات الحكومية، كما أن تعيين وإقالة أي مسؤول من صلاحيته فقط، وما يميزه عن الحكام السابقين هي طاعة المسؤولين المطلقة له”.

وعند التدقيق في تشكيل الحكومة الحالية، سنرى أن زعيم الحركة حدد مهام اللجان السياسية والعسكرية والمالية فيها، وأن الجميع يقومون بالمهام الموكلة إليهم، وملتزمون بالطاعة المطلقة ولا يستطيعون مناقشة قضايا مهمة ومصيرية.

وظهرت هذه الديناميكية، التي لا تزال تتطور، إلى العلن عندما ألغى آخوند زاده في اللحظة الأخيرة عودة الفتيات إلى المدارس الثانوية التي وعدت بها طالبان منذ مدة طويلة، ورغم التذمر الداخلي على مستوى القيادة، فإنهم ومن باب مبدأ الطاعة لا يستطيعون نقد القرار وإنما قبوله.

ومن يعترض، عليه التنحي من منصبه كما حدث مع أول وزير للتعليم العالي عبد الباقي حقاني، وقد بدأ الدبلوماسيون الأجانب وخبراء الشأن الأفغاني يتحدثون عن ظهور “مراكز القوة” بين الحركة في كابل وقندهار.

صلاحية واسعة

لا يدير زعيم طالبان ودائرته من المستشارين والمقربين في ولاية قندهار كل جوانب الحكم بشكل دقيق، وقد شُكلت عدة لجان متخصصة لدراسة السياسة، والسعي إلى التوصل إلى توافق في المواقف والآراء، وأخرى لتنفيذ القرارات مثل لجنة عودة الشخصيات السياسية السابقة إلى أفغانستان.

يقول مصدر في القصر الرئاسي للجزيرة نت “يوصي زعيم طالبان بلجنة التدقيق والمحكمة العليا لأجل رئيسها عبد الحكيم حقاني لمكانته في الحركة، ويملك الزعيم صلاحية واسعة لتعيين حكام الأقاليم وإقالتهم ومسؤولين آخرين، ولا يستشير أحدا في مثل هذه الأمور”.

ويبدو أن من يملك السلطة فعليا في طالبان لا يزال يُعين وفق عوامل متعددة ومتجذرة ومعايير تم وضعها خلال قتال الحركة القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان. ونادرا ما تكون الألقاب الحكومية الرسمية حاسمة في حد ذاتها.

يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت إن “مهتمين كُثرا بالشأن الأفغاني حاولوا تقييم مدى قوة بعض الفصائل، ولكن منذ استيلاء طالبان على السلطة، انخرطت في عملية متغيرة باستمرار للحفاظ على التوازن بين عناصرها ومصالحها المختلفة. وهي مهووسة بتماسكها ومظهرها الخارجي، لذلك يصعب على الغرباء استيعاب سياسات القوة داخل الحركة”.

وعندما نقارن شخصية زعيم طالبان بمؤسسها الملا محمد عمر، فإن الأخير كان يظهر في اجتماعات شعبية ورسمية، والتقى بمسؤولين أجانب، أما آخوند زاده فلم يلتق حتى الآن إلا برئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني وزعيم جمعية العلماء الباكستانية الملا فضل الرحمن فقط.

كما ليس لديه إلا صورة واحدة أُخذت له بعد تعيينه زعيما للحركة عام 2016، ولا يُعرف تاريخُها ومكانها، واختار أن يبقى بعيدا عن الأنظار كما هو الحال قبيل وصوله إلى السلطة.

أولوية

ونظرا لأهمية زعيم حركة طالبان في تسلسلها الهرمي القيادي، فإن ضمان أمنه يُعد من أولويات الحكومة الأفغانية الحالية، وتعارض السلطات المعنية بحمايته ظهوره في اجتماعات عامة مثل بقية الرؤساء لأسباب أمنية.

ويوضح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت أن زعيم “الإمارة الإسلامية” يلتقي بالناس ويخالطهم ويستقبل مسؤولين حكوميين ويرأس الاجتماعات الحكومية، “ولكنه لا يصور ويمانعه من باب التقوى فقط”.

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن زعيم طالبان يحاول تعزيز “كاريزماته” لذا لا يظهر أمام عامة الناس، وأنه يفكر بأن هذه الطريقة تساعده في الحفاظ على هيبته في أذهان الناس.

ويقول الباحث السياسي عبد الكريم نوري، للجزيرة نت، إن طالبان تسيطر على كافة الأراضي الأفغانية، وتمكنت من وضع حد لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية، وإن السبب الرئيسي لعدم ظهور زعيمها هو “تعزيز الكاريزما فقط وليس لأسباب أمنية كما يبررون”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *