من الحوثيين في اليمن ومليشيات العراق إلى الجيش الإيراني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ أطلق جميعهم مسيّرات نحو إسرائيل، بنماذج وطرق متشابهة، فلماذا كانت مسيّرات حزب الله هي الوحيدة التي اخترقت دفاعات إسرائيل وضربت أهدافا بشكل متكرر؟
طرح الكاتب الإسرائيلي نيتسان سادان في مقال له بصحيفة ” كالكاليست” العبرية؛ هذا السؤال، قائلا إنه لم يسبق لأي قوة في الشرق الأوسط أن نجحت في إرسال مسيّرات إلى داخل إسرائيل متخطية دفاعاتها وإصابة أهدافها بالفعل.
مدى الانطلاق
ويرى سادان أن الاحتمال الأول هو أن نجاح مسيّرات حزب الله يعود إلى إطلاقها من مدى قريب جدا من إسرائيل؛ لذلك لا تستطيع الدفاعات الجوية اكتشافها، وذلك على عكس المسيّرات التي أرسلتها إيران في الهجوم الذي شنته على إسرائيل في 14 أبريل/نيسان الماضي؛ حيث كان من السهل اكتشافها وإسقاطها، وقد نجحت إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا في إسقاط 185 مسيّرة منها.
لكنه يفند ذلك بقوله إن المدى ليس هو السبب الوحيد؛ فـ(حماس) لديها “مسيّرة الزواري” التي تستطيع حمل الذخائر، والتي تعتبر أداة إبداعية وخطيرة جدا؛ حيث تُطلق من مخابئ تحت الأرض، وأحيانا من مدى أقل من 4 كيلومترات، ومع ذلك لم تصطدم أي منها بهدفها، كما لا يمكن اعتراض المدى البعيد دائما، وهو ما حدث عندما أطلق العراق مسيّرات من طراز “شهيد 101″، ونجحت وقتها في ضرب منطقة إيلات مرتين، وهو ما يثبت عدم نجاح فرضية المدى القريب دائما.
طبيعة المسيّرة
وأضاف الكاتب أن الميزة الثانية التي تختص بها مسيّرات حزب الله هي الأداة نفسها؛ حيث تتمتع بحجم جعلها شبه خفية، مما يجعل من الصعب كشفها أو اعتراضها، وذلك في الوقت الذي تعمل أجهزة الرصد الإسرائيلية من خلال تغطية مناطق مختلفة بواسطة عدة رادارات تغطي مناطق بعضها بعضا.
ويتابع أنها تستقبل الإشارات العائدة من نفس الاتجاه وتعرف أن هناك حركة مشبوهة في الجو، لذا فإنه عندما تكون المسيّرة ذات سطح أقل من زوايا مختلفة، مثل جناح طائرة لا يوجد لها ذيل، أو طائرة صغيرة جدا، فإنه سيتم اكتشافها بشكل متأخر عن غيرها؛ وهذا ما تتميز به طائرات حزب الله أيضا عن باقي الطائرات.
ولفت الكاتب إلى أن هناك عاملا آخر يميز مسيّرات حزب الله، وهي المادة التي تُصنع منها؛ حيث تستطيع المسيّرة المتخفية أن تعيد كمية أقل من موجات الرادار التي تُرسل إليها، مما يصعب اكتشافها.
الارتفاع عن الأرض
أما الميزة الثالثة التي تتميز بها مسيّرات حزب الله؛ فهي ارتفاع الطيران، حيث تطير على مستوى منخفض ما يجعلها تختفي خلف انحدار الأرض لفترة أطول، وعندما تدخل في خط رؤية رادار الكشف وتصطدم بها موجات الراديو من الهوائي، يكون هناك احتمال كبير أن يعود ارتدادها ويصطدم بالأرض.
وبهذا يحصل الرادار على هدف يوجد في نقطتين مختلفتين، وذلك يعني أن تعقب الأداة وتوجيه الأسلحة إليها سيكون أكثر صعوبة؛ فقد يطارد الصاروخ المضاد ظل الطائرة المسيّرة، وليس الطائرة ذاتها.
وأشار الكاتب إلى أن الميزة الرابعة هي نمط طيران المسيّرة؛ حيث تم تصميم معظمها بحيث تسير في مسار مستقيم لتقليل وقت الطيران واحتمال السقوط، ما يجعل من السهل تتبعها.
لكن حزب الله ماهر جدا في إخفاء خطواته؛ حيث يتم وضع مسيّراته مسبقا في نقاط إطلاق مخفية، أو تُنقل إليها بسرية كبيرة والأدوات نفسها صغيرة بما يكفي إخفاءها في عربة يجرها حِمار. وقد صممت إيران هذه المسيّرات عن قصد بحيث يمكن لأي شخص إطلاقها دون الكثير من التجهيز أو المعدات.
التضاريس
وأرجع الكاتب نجاح مسيّرات حزب الله إلى الطبيعة الديمغرافية للحدود اللبنانية؛ حيث يمكن لأجهزة الكشف وتقنيتها الحديثة أن تكتشف معظم الهجمات الجوية من جميع الاتجاهات، ولكن إلى الآن لا تستطيع الرصد عبر المناطق الجبلية التي على الحدود اللبنانية، والتي تعتبر منطقة مثالية للمسيّرات؛ حيث تعمل تضاريس الأرض على تشتيت الترددات، ويصبح التتبع أكثر صعوبة.
وذكر الكاتب أن أوكرانيا تعتبر البلد الأكثر تعرضا للهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة وليس إسرائيل؛ فمنذ اندلاع الحرب في ربيع 2022 أُطلقت نحو أوكرانيا ما يقرب من ألف مسيّرة، تم إسقاط المئات منها، وذلك بسبب أن أوكرانيا مسطحة جدا، ولا توجد بها عوائق لأنظمة الكشف؛ وبهذا يمكن للمدافعين الأوكرانيين إرسال طائرات “ميغ 29” وصواريخ مضادة للطائرات باتجاه أسراب المسيّرات الروسية، بينما تعود النسبة الكبيرة للإصابات في مدن أوكرانيا إلى كثافة النيران؛ حيث تطلق روسيا مسيّرات بالعشرات.
ويختتم الكاتب تقريره بأن اكتشاف اثنين من “مسيّرات أبابيل” من لبنان، أكثر صعوبة من اكتشاف 20 طائرة من طراز “صماد” من اليمن أو 200 طائرة من طراز “شاهد” الإيرانية، ولذلك نظريا، فإن احتمال أن يرسل نصر الله سربا كبيرا من المسيّرات هو احتمال ضعيف، إذ كلما أتى عدد كبير سهل اكتشافه من قِبَل نظام الدفاع.