صحفيو شمال غزة: مواصلة التغطية شهادة وأمانة وفرض عين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

غزة – في محاولة منها للاستفراد بمحافظة شمال قطاع غزة، سعت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى تغييب وسائل الإعلام قسرا عن التغطية كي لا تنقل للعالم حقيقة ما تمارسه من إبادة جماعية بحق السكان.

وبينما نجحت في إجبار فرق وسائل الإعلام التقليدية كوكالات الأنباء العالمية والفضائيات على المغادرة، قرر العديد من الصحفيين البقاء في القطاع رغم ظروف العمل القاسية، حاملين على عاتقهم عبء كشف جرائم ومجازر الاحتلال الإسرائيلي بحق السكان، غير مبالين بالخطر الكبير المحدق بهم وبعائلتهم.

وقد تمكّن هؤلاء الصحفيون من توثيق الكثير من مجازر الاحتلال ونقلها للعالم، رغم إمكانياتهم البسيطة وافتقادهم أبسط مقومات العمل الصحفي.

منزل أنس الشريف تعرض للقصف خلال الشهر الحالي واستشهد والده (الجزيرة)

الصحفي “ابن الشعب”

رغم تهديده المباشر من قبل ضابط مخابرات إسرائيلي وقصْف منزله واستشهاد والده، فإن مراسل قناة الجزيرة الصحفي أنس الشريف قرر الاستمرار في العمل ضمن ظروف صعبة للغاية في منطقته، حيث تنعدم مقومات التغطية، فلا كهرباء ولا إنترنت ولا مواصلات، وحتى الطعام والشراب يتوفر بصعوبة بالغة.

ويقول الشريف للجزيرة نت إن الدافع الذي يجعله يحتمل الظروف الصعبة في الشمال هو شعوره بالمسؤولية تجاه نقل جرائم الاحتلال، ويقول “أنا ابن الشعب، وحينما وجدت نفسي الصوت الوحيد لقناة الجزيرة في الشمال، أصبحت المغادرة عندي تعادل الخيانة”، ويضيف “نستمر بالعمل من لا شيء، هاتفي المحمول هو كل شيء تقريبا، فإذا نفدت بطاريته، توقفت التغطية”.

ويتابع الشريف “من أجل الحصول على الإنترنت نخاطر بأنفسنا للصعود فوق مكان مرتفع كي نلتقط إشارة النت من شرائح اتصال إسرائيلية أو إلكترونية لإرسال المادة المصورة”.

وعن أصعب اللحظات التي يذكرها الشريف يقول “رغم مأساوية القصص التي أعدّها، يظل مشهد هلع أمهات اختطف جنود الاحتلال أولادهن هو الأصعب”، مضيفا “ذعر الأم التي كانت تنتظر معرفة مصير أولادها أمام الدبابات، هل قُتلوا أو أُسروا أم سيعودون؟ كان الأكثر إيلاما بالنسبة لي، كن يناشدننا ونحن عاجزون عن فعل شيء”.

ويقول الشريف حول حادث قصف منزله واستشهاد والده يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، “كان الأمر صعبا، خاصة أنني لم أرَ والدي منذ مدة طويلة، وكان مشتاقا لي ويرغب في رؤيتي”، ويشير إلى أن والده كان يدعمه بشكل كبير، ويوصيه بالاستمرار في كشف جرائم الاحتلال لكل العالم.

محمد عرب
محمد عرب يتحدث عن قسوة ما يراه الصحفي في شمال غزة قائلا “تعجز الكلمات عن وصف المشاهد” (الجزيرة)

قذيفة خلال المقابلة

وبينما كان الصحفي محمد عرب يروي للجزيرة نت حادث تعرضه -في وقت سابق- مع زملاء آخرين لاستهداف مباشر بست قذائف قرب مستشفى العودة، وقد نجا منه بأعجوبة، سقطت قذيفة أمام سيارة كان يوجد بها في مخيم جباليا، دون أن يصاب بأذى.

وكان عرب يتحدث للجزيرة نت في رسالة صوتية عبر تطبيق واتساب قائلا “أصعب معاناة عشناها..”، قبل سماع دوي انفجار كبير، وفي رسالة ثانية، قال عرب “الآن الآن، استهداف بجوارنا، وأنا أُسجّل معك.. قذيفة بجوارنا”، قبل أن يطلب مهلة لبعض الوقت قبل استكمال الحوار.

ويلفت عرب، الذي يعمل لصالح قناة “العربي” الفضائية، إلى أن أصعب ما يواجه الإعلاميين في شمالي القطاع هو “مشاهدة الألم الكبير الذي يتعرض له المواطنون، وعجز الآباء والأمهات عن حماية صغارهم”.

ويشير، في حديثه للجزيرة نت، إلى قسوة الأوضاع في محافظة الشمال، ويقول “تعجز الكلمات عن وصف المشاهد، نساء وصغار ينامون في الشوارع، مراكز الإيواء لا تملك أي مقومات”.

ويقول إن الدافع الوطني هو ما يحفزهم على الاستمرار في عملهم رغم المخاطر الشديدة، مضيفا “إذا توقفنا عن التغطية، فمن سينقل للعالم حقيقة ما يجري من إبادة؟”.

عماد زقوت
عماد زقوت نجا من شظايا قصف منزل مجاور أثناء التغطية الصحفية (الجزيرة)

بين المواساة والتغطية

ويشير الصحفي عماد زقوت إلى أن الصحفي في منطقة الشمال يواجه تحديات كبيرة، أولها أمنه الشخصي، وأمن عائلته وتوفير مستلزماتها، ثم توفير متطلبات العمل شبه المستحيلة.

ويضرب زقوت، الذي يعمل لصالح قناة الجزيرة، مثالاً على الروتين اليومي لصحفيي الشمال، قائلاً “أمس كنا موجودين في جباليا للتغطية، وإذ بغارة تستهدف منزلاً مجاورا لنا، ونجونا بأعجوبة من تناثر الحجارة والشظايا”.

ومن الذكريات الصعبة التي مرّ بها زقوت، قصف منزل عائلة أهل زوجته واستشهاد غالبيتهم، وكان عليه أن يقدم لها المواساة، ثم تركها لمواصلة التغطية الصحفية، وبعد ثلاث ساعات وصله نبأ استهداف منزل زميله أنس الشريف واستشهاد والده، فذهب لمواساته وللمشاركة في الدفن.

ومرّ زقوت بالكثير من المواقف الصعبة، لكنه لا ينسى تلك الليلة التي اضطر فيها مع زملائه الصحفيين للنوم على مسافة مترين من نحو 35 جثة شهيد من مجهولي الهوية في مستشفى كمال عدوان، ويصف هذا الموقف بقوله “كان شيئا صعبا ومروعا”.

اسلام بدر
الصحفي إسلام بدر: نحن نتعرض للخطر كالنازحين والسكان (الجزيرة)

روتين على خط النار

يبدأ الصحفي إسلام بدر عمله برفقة زملائه الإعلاميين عند الساعة السابعة صباحا بالتحرك إلى قلب مخيم جباليا لرصد حركة الناس، واستكشاف المكان الذي وصلت إليه آليات الاحتلال الإسرائيلي من شهود العيان، لمعرفة “كيفية التحرك لتفادي المخاطر”.

ورغم إعداد بدر، الذي يعمل لصالح قناة “العربي”، أجندة يومية للعمل، فإنه عادة لا يتلزم بها، حيث تفرض مجازر الاحتلال المستمرة نفسها على مسار عمله، وقبل حلول الليل يبحث بدر برفقة زملائه الصحفيين عن مكان للمبيت فيه، فلا مكان ثابتا لهذا الغرض، فقد يكون مركز إيواء في مدرسة أو منزل أحد الصحفيين أو الأصدقاء.

وكغيره من الصحفيين، تعرض بدر للعديد من الاستهدافات المباشرة، ومنها قصف مركز “شهداء جباليا الطبي”، الذي تم تدمير جزء منه بينما كان داخله، لكنه “نجا بأعجوبة”، ويقول بدر للجزيرة نت “ظروف العمل قاسية جدا، نحن نتعرض للخطر كالنازحين والسكان، فآلة الموت لا تفرق بين صحفي وطفل ونازح”.

ويلفت بدر إلى مشكلة عدم توفر هواتف محمولة في الأسواق، مما يهدد العمل الصحفي، ويقول بهذا الخصوص “إذا فقد الصحفي هاتفه المحمول، سيتوقف حتما عن العمل، فلا هواتف للبيع، أعرف صحفيا قُصف منزله واستشهدت عائلته وضاع جواله، فتوقف عن التغطية لهذا السبب”.

ويعترف بدر بأن مغادرة محافظة الشمال قد راودته لفترة من الزمن، لكنه حسم أمره في النهاية لصالح الاستمرار في التغطية، ويقول “لست رجلا خارقا، نعم فكرت في المغادرة، لكني لم أقدم عليها، وقررتُ في النهاية أن أبقى، أصبحت التغطية فرض عين على من تبقى من الصحفيين”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *