باريس- يحل العام الجديد على دول العالم بطعم المرارة بسبب العدوان الإسرائيلي على أهل قطاع غزة المحاصر. وفي هذا الإطار، استقبلت منظمة “إيرجونس فلسطين” عددا من أبناء غزة المهاجرين إلى بلجيكا في لقاءات مع سكان باريس.
وبدأت الجولة من منطقة “نانتير” لتمتد إلى باقي ضواحي العاصمة الفرنسية للحديث عن معاناة أهاليهم في ظل قصف الاحتلال المستمر وغياب التحرك الدولي لوقف فوري للحرب.
وكانت شهادات كل من عبد العزيز وإسماعيل وسلمى حلقة الوصل الصادقة والمعبرة عن الواقع بين الفرنسيين وسكان القطاع للكشف عن تفاصيل مؤلمة حول ما يحدث فعليا.
فبعد أن عايشوا حروبا سابقة، أصبحوا اليوم يقضون كل ثانية بآمال معلقة ترتجف خوفا من سماع نبأ إصابة أو استشهاد أحد أفراد عائلاتهم.
شهادات من أهل غزة
وفي أجواء عائلية ودافئة، استمع الفرنسيون والمهاجرون إلى قصص هؤلاء الفلسطينيين بلهفة واهتمام وإحساس بالعجز تكسرها رغبتهم في تقديم يد العون لسكان غزة مهما كلف الأمر.
وتحدث عبد العزيز زيد، وهو طالب من مخيم جباليا للاجئين، شمال قطاع غزة، عن الصعوبة التي يواجهها عند محاولة الاتصال بأفراد عائلته وأصدقائه بسبب الانقطاع المستمر للإنترنت.
وفي مقابلة للجزيرة نت، قال زيد إنه سُئل عدة مرات عن سبل تقديم يد العون لأهل بلده، فأجاب أنه من الممكن استخدام سلاح “مقاطعة المنتجات الصادرة عن الكيان الإسرائيلي وتنظيم مظاهرات وفعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني”.
وأشار المهاجر الغزّي إسماعيل السيد إلى الضغوط والقيود المفروضة على كل من يدعم الحراك الداعم لفلسطين، وينادي بحريتها “وكأننا معادون للسامية وضد اليهود” على حد قوله.
واستنكر السيد، في حديثه للجزيرة نت، ما وصفه بـ”المعايير المزدوجة” التي تتبعها الدول الغربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي امتنع من المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مشيرا إلى أن التحرك الدولي الذي سُخر لخدمة أوكرانيا في حربها ضد روسيا لا يمكن مقارنته مع الصمت المطبق على كل الأصعدة في العدوان على غزة.
من جانبها، سلطت زوجته سلمى بركات، الضوء على أوضاع النساء في ظروف الحرب، خاصة الأمهات والحوامل، قائلة “كوني فلسطينية من غزة ومغتربة، عشت عدة حروب قبل أن أهاجر إلى بلجيكا قبل 5 سنوات، لكن هذه الحرب تعد الأقسى والأكثر تدميرا”.
وفي إشارة إلى رواية مأساة غزة للرأي العام الخارجي، تقول بركات “هذا أقل ما يمكنني فعله الآن لعائلتي وأصدقائي الذين يتعرضون لظروف مريرة وصعبة قد يمكن للناس تخيلها، لكن عيش حياة الحرب بتفاصيلها أمر مختلف تماما”.
رمزية أحياء الطبقة العاملة
وخلال لقاء أهالي منطقة “نانتير” مع فلسطينيي غزة، لفتت مفتشة العمل والناشطة في الأحياء الشعبية المناهضة للعنصرية مورنيا العبسي، إلى أهمية هذه الاجتماعات مع سكان الطبقة العاملة في فرنسا، وخاصة بهذه المنطقة التي تحمل تاريخا طويلا من النضال في فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
وتابعت العبسي في حديث للجزيرة نت، “كانت الشهادات التي سمعناها مؤثرة للغاية ونحن اليوم نشعر بالعجز أمام هذه الإبادة الجماعية التي لا تتوقف”، واصفة الخطاب السياسي في فرنسا بـ”الفاشي” فيما يتعلق بموقفه تجاه الحرب على غزة وبقانون الهجرة الذي يستهدف المهاجرين على المستوى الداخلي.
وبالفعل، عبر عدد كبير من الحاضرين عن تضامنهم الخالص مع القضية الفلسطينية وأملهم في وضع حد للعدوان الإسرائيلي، مستنكرين أنواع الضغوط التي يتعرض لها كل من يدعم غزة وأهلها بشكل علني.
بدوره، أوضح عضو في منظمة “إيرجونس فلسطين” أن هذه الجولة تتمحور حول لقاء أشخاص من أحياء الطبقة العاملة ـمن أصول فرنسية ومهاجرةـ والذين لا يستطيعون في العادة حضور فعاليات تُنَظَّم في باريس.
وأضاف “نهدف إلى أن تكون فلسطين في كل مكان وكل وقت، ومنها أحياء الطبقة العاملة حيث يفهم الناس معنى مناهضة الاستعمار، لأنهم غالبا ما تنحدر أصولهم من دول عانت الاستعمار والعنصرية والفاشية، كما تعاني فلسطين اليوم من الصهيونية التي تعتبر أيضا شكلا من أشكال الفاشية”.
وأشار في تصريحاته للجزيرة نت، إلى انتماء فرنسيين كثر للمنظمة، لأنهم “يقاتلون باسم العدالة والإنسانية، ويدركون أن ما يحدث في قطاع غزة يمثل صراعا مشتركا نخوضه جميعا”.
مظاهرة مرتقبة وتوعد أمني
من ناحية أخرى، دعت منظمة “إيرجونس فلسطين” عبر صفحتها على منصة إكس الفرنسيين إلى المشاركة في مسيرة حاشدة في شارع الشانزليزيه في منتصف ليل 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث يوجَد أكثر من 1.7 مليون شخص للاحتفال بمناسبة نهاية السنة.
وردا على ذلك، قال قائد شرطة باريس لوران نونيز، الجمعة، إن المظاهرات الاحتجاجية ستُحظَر في الشارع بالعاصمة الفرنسية بشكل صارم.
ويأتي ذلك بعد أن ناشد رئيس الحزب الاشتراكي وعضو البرلمان إريك سيوتي، وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بمنع “هذا التجمع الموالي لحماس في الشانزليزيه، والذي يمثل إخلالا بالنظام العام”، على حد تعبيره.
وعلّق وزير الداخلية على ذلك بالإعلان عن تعبئة أكثر من 90 ألف شرطي، بالإضافة إلى 5 آلاف جندي من عملية “سنتنيل”، بما في ذلك 6 آلاف فرد من قوات الأمن في باريس لتأمين احتفالات العام الجديد.
من جانبه، قال عضو المنظمة للجزيرة نت “لا يمكننا أن نحتفل في أثناء الإبادة الجماعية، ونحن نعلم أن هناك مدنيين عزل يموتون تحت القصف والقنابل. لذا، نقول لكل الفرنسيين أن يحملوا الأعلام الفلسطينية، ويثبتوا أنه لا يمكن نسيان معاناة غزة”.
وتابع بالقول “بينما يُسمح بتظاهر نحو 300 ألف في لندن، نُغَرَّم في باريس بمبلغ 135 يورو إذا رفعنا العلم الفلسطيني. وبمجرد أن يفتح الفلسطيني فمه، يُتَّهَم بمعاداة السامية والدعوة إلى الإرهاب والكراهية”.
وشدد على أن هدف المنظمة، ومقرها باريس، يتمثل في “إسماع صوت الفلسطينيين في فرنسا والضغط على الحكومة الفرنسية التي تعد إحدى أكبر المتواطئين مع دولة إسرائيل المجرمة”.