الدوحة- أكد مؤسس ومدير مؤسسة “العالم للجميع” السفير إبراهيم رسول أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تصاعدت خلال السنوات الأخيرة بعدما زادت هجرة المسلمين كلاجئين من أماكن أُطلقت فيها الحرب على “الإرهاب” مثل العراق وسوريا وأفغانستان.
وقال رسول، في حوار مع الجزيرة نت، إن الإسلاموفوبيا تصاعدت حدتها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث زادت المراقبة التي يخضع لها المسلمون خاصة خلال التنقل والسفر بين دول العالم، ووضعت المساجد تحت المراقبة، وتعرض كثير من الأئمة للتهديد.
وأشاد بالتنظيم المميز لدولة قطر لبطولة كأس العالم 2022 لكرة القدم، التي استطاعت من خلالها أن تقدم صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين، ولمسَ الكثير من شعوب العالم بأنفسهم كيف أن المسلمين متسامحون ومحبون للغير، ويمكن التعايش معهم بسلام دون خوف أو تهديد.
وفيما يلي نص الحوار:
-
في البداية، هل لك أن تحدثنا عن مؤسسة العالم للجميع وفكرة تأسيسها؟
أسست مؤسسة العالم للجميع للاستفادة من الدروس التي عشتها في بلدي جنوب أفريقيا بما شملته من عنصرية وتحيز، وكيف تغلبت عليها، لتكون درسا لدول العالم عامة وللعالم الإسلامي خاصة، ففي جنوب أفريقيا، ورغم أنني مسلم، فقد تم انتخابي حاكما لمقاطعة كيب الغربية من أغلبية سكانية مسيحية، لأنه كانت بيننا ثقة وقدرة على التقبل والتعايش.
من هذا المنطلق، أسست المنظمة لكي تكون بمثابة وصفة أو وسيلة للمسلمين في جميع أنحاء العالم وللأشخاص المهمشين لأخذ تلك الدروس من جنوب أفريقيا، والتي قادها المناضل نيلسون مانديلا، وقمت بمواءمتها مع دروس ديننا الإسلامي، وتقديمها كوسيلة يمكن للناس من خلالها النضال من أجل العدالة.
-
هل عانيت أنت شخصيا من العنصرية أو التحيز من أي نوع؟
قضيت حوالي عامين في السجن في جنوب أفريقيا، كما تم فرض الحظر علي لمدة 3 إلى 4 سنوات أخرى، وتم تحديد إقامتي في المنزل، ومن ثم فقد عانيت من الأمر كثيرا بشكل شخصي، التقيت بنيلسون مانديلا للمرة الأولى في السجن، وكنا في طليعة النضال السياسي، وكنت هناك مع مسلمين آخرين، ولأن المسلمين كانوا يخوضون النضال في السجن ويموتون في الشوارع، فقد فزنا بثقة مواطني جنوب أفريقيا الآخرين.
-
من خلال مشاركتك في مؤتمر “التاريخ والممارسات العالمية للإسلاموفوبيا”، ما النقاط الأساسية التي أكدت عليها خلال محاضرتك؟
النقطة الأساسية التي ركّزت عليها هي أن الإسلاموفوبيا مرض يجب على المسلمين مكافحته، لكن أفضل طريقة لمكافحة الإسلاموفوبيا هي أيضا مكافحة العنصرية ومكافحة كراهية الأجانب وكراهية النساء، وغيرها من أشكال التعصب التي يعاني منها الناس.
أعتقد أنه كما هي الحال في جنوب أفريقيا، فإنه يمكننا تشكيل أكبر تحالف ضد التعصب، إذا قمنا جميعًا بتوحيد نضالنا ورأينا أن لدينا مرتكبا واحدا يقود العنصرية وكراهية الإسلام وكراهية الأجانب.
-
هل تعتقد أن أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة كانت وراء زيادة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
أعتقد أن الإسلاموفوبيا بدأت تتصاعد حدتها بالفعل بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، فلم نكن نرى مثل هذا القدر من المراقبة والفحص اللذين يخضع لهما المسلمون، كما شهدنا غزو دولة إسلامية تلو أخرى، ورأينا أيضا ترحيل مسلمين من الولايات المتحدة، وهو ما لم يكن يحدث.
لقد بدأنا نرى الاختلاف بالفعل خلال السفر، وبدأنا نرى المساجد توضع تحت المراقبة، والأئمة يتعرضون للتهديد، والمسلمون يُسجنون لذلك، كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول بالتأكيد نقطة تحول نحو الأسوأ فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا، وما زلنا نتعافى من ذلك.
-
إلى أي مدى تعتقد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تزايدت خلال السنوات الأخيرة؟
إن ما زاد في السنوات الأخيرة هو هجرة المسلمين كلاجئين من الأماكن نفسها التي تم فيها إطلاق الحرب على الإرهاب مثل العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها، ومن ثم فإن ما فعله الغرب هو إطلاق العنان للحرب على الإرهاب، وهو الأمر الذي خلق عواقب غير مقصودة، ودفع المسلمين إلى الخروج، وعندما ينتقل المسلمون بعد ذلك إلى أوروبا وأميركا، تتزايد كراهية الإسلام.
ومن هذا المنطلق يتم تحديد المسلمين على أنهم مصدر المشاكل ويتم وضع قوانين الهجرة ثم تبدأ نظرة التحيز أو ما يسمي بالشعبوية أو التطرف السائد الذي يسيطر على الغالبية العظمى من أفراد تلك المجتمعات الذين يرون في المهاجرين أناسا يأخذون من فرصهم المعيشية ويضيقون عليهم حياتهم.
-
هل تعتقد أن مونديال كرة القدم قطر 2022 كان له تأثير إيجابي في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
أعتقد أن البطولة كان لها تأثير إيجابي واضح في درء الإسلاموفوبيا بشكل كبير، فما فعلته دولة قطر كان مفاجأة للجميع، فقد اعتقد الكثيرون من جمهور كرة القدم حول العالم أنه سيكون من الصعب للغاية العيش من دون كحول، أو العيش في مجتمع مسلم، أو العيش في مكان يؤذن فيه 5 مرات في اليوم، وما إلى ذلك.
ولكن ما حدث كان مفاجأة للجميع، فقد جاء الجميع واستمتعوا بالأجواء ورأوا أن الحياة ليست سيئة بل على العكس، فقد وجدوا مثالا جيدا جدًا على التعايش السلمي، وتعرفوا عن قرب على الثقافة العربية والإسلامية.
بشكل عام، لقد حققت قطر نجاحا غير مسبوق في صد الإسلاموفوبيا لأنها فعلت الشيء الوحيد الذي أراد القرآن أن يفعله، وهو التعرف على بعضنا بعضا والتعارف والتسامح وتقبل الآخر بشكل أثلج صدور الجميع وكان صورة صادقة ومعبرة عن ديننا الحنيف.
-
هل يمكن أن تحدثنا عن جذور الإسلاموفوبيا ونشأتها؟
جذور الإسلاموفوبيا ترتبط بالإسلام باعتباره غريبا، ففي السابق كان وجود الإسلام يقتصر على مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ولكن في الفترة الأخيرة بدا أن هناك خوفا في الغرب من الإسلام وكان لدى شعوبه فكرة الخوف من المسلمين، ولكنه لم يكن مجرد خوف، بل كان جهلا مصطنعا.
لقد تعلم الفرنسيون، على سبيل المثال، كراهيتهم للإسلام أثناء احتلالهم للجزائر، عندما وجّهت حرب التحرير الجزائرية ضربة قوية للفرنسيين اضطرتهم إلى التراجع والانسحاب إلى بلدهم، وأدى ذلك إلى ترسيخ فكرة هيمنة أو قدرة المسلمين، فضلا عن صعود الإمبراطورية العثمانية وتوسعها حتى فيينا.
كما كانت الأندلس تجربة عظيمة للمسلمين حتى شعر الغرب -ومن خلال الحروب الصليبية- بالحاجة إلى استعادة الأراضي الأوروبية وإنهاء وجود المسلمين، ففي كل تلك الحالات، لم تولد الإسلاموفوبيا كخوف من المسلمين، بل ككراهية ضدهم ورغبة في طردهم وحصرهم في أوطانهم وصد دينهم.
-
هل تعتقد أن الإعلام العالمي مسؤول عن تغذية ونشر الإسلاموفوبيا من خلال إظهار المسلمين في أفلام ومسلسلات عالمية بطريقة تنشر الخوف منهم؟
قد يكون هذا الأمر صحيحا، فقد أصبح هناك نوع جديد من الأفلام العالمية، فبعد أن كانت تركز على الحرب العالمية الثانية في فترة من الفترات وتتناول حرب فيتنام على سبيل المثال، أصبح لدينا اليوم نوع من الأفلام يدور حول الحروب في العراق وأفغانستان وبلدان إسلامية أخرى حيث تصوّر المسلمين بوصفهم تهديدا.
دعني اقتبس من شكسبير كلمته التي يقول فيها “عليك ببناء التهديد”، فالغرب يبالغ في التهديد ويحافظ على ذلك حتى يتمكن من إضفاء الشرعية على طريقته الخاصة في القدرة على السيطرة على الضحية وتجريدها من ممتلكاتها، وبالتالي لم يكن بالإمكان غزو العراق إلا إذا كان بإمكانك التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل في العراق.
لقد أصبحت الإسلاموفوبيا متجذرة في بعض المناطق، على سبيل المثال، نرى أن دولا معتدلة مثل السويد والنرويج والدول الإسكندنافية والمناطق الهولندية أصبحت تعاني من نوبات كراهية الإسلام، بعد أن كانت أكثر تسامحا مع الاختلافات لكن أصبح التطرف يأخذ مكانه بشكل متزايد.
-
من وجهة نظرك، كيف يمكننا القضاء على الإسلاموفوبيا أو على الأقل كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟
يجب على المسلمين حيث يعيشون، كأقليات خاصة في الغرب، أن يكبحوا غضبهم ويزيدوا من تواصلهم مع الآخرين بتسامح، وأن يحرصوا على تطبيق المبدأ القرآني “لتعارفوا”، فالأمر القرآني هو أن نتعارف وأن نقدم أنفسنا للآخرين بصورة تظهر تعاليم الإسلام السمحة.
كما أنه يجب أن نقدم ديننا بصورته الحقيقية وفي الوقت نفسه مقاومة الظلم الذي يلحق بنا، ولكن الأهم من ذلك هو توحيد القضية والتعاطف مع ضحايا التعصب الآخرين، مثل تعرض السود للتمييز في أوروبا وكذلك تعرض المرأة للعنصرية وغيرهما، فيجب بناء جسور وإقامة تحالفات معهم.