سياقات التصعيد الإسرائيلي بسوريا وخيارات الإدارة الجديدة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

في أواخر فبراير/شباط الماضي، ارتفع التصعيد الإسرائيلي تجاه سوريا بشكل غير مسبوق، حيث توغلت قوات إسرائيلية في الجنوب السوري تزامنا مع تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع متعددة في درعا وريف دمشق.

ووصلت عشرات الآليات الإسرائيلية إلى بلدة البكار في ريف درعا الغربي وفجّرت ثكنة عسكرية، إضافة إلى اقتحامها بلدة جبا بريف القنيطرة. كما قصفت طائرات إسرائيلية ثكنة عسكرية أقامتها وزارة الدفاع السورية في تل الحارة بريف محافظة درعا.

وفي مطلع مارس/آذار الجاري، نفذت الطائرات الإسرائيلية غارات جديدة استهدفت ثكنات عسكرية سورية في محافظتي طرطوس واللاذقية، توازيا مع توغل جديد في ريفي درعا والقنيطرة بعمق يصل إلى 12 كيلومتراً.

وفي سياق متصل، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل أقامت بهدوء شديد منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، مشددة على أن الوجود الإسرائيلي في سوريا لم يعد مؤقتا، حيث يتم بناء 9 مواقع عسكرية بالمنطقة الأمنية.

وأضافت أن 3 ألوية تعمل هناك مقارنة بكتيبة ونصف الكتيبة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأكدت أن الجيش يخطط للبقاء بسوريا طيلة عام 2025.

أثار هذا التصعيد الإسرائيلي المخاوف من وجود نية لتوغل أوسع في الجنوب السوري، خاصة وأن هذه الخطوات سبقها مطالبة واضحة من الحكومة الإسرائيلية للإدارة السورية بالانسحاب من كامل جنوب سوريا.

سياقات التصعيد

جاء هذا التصعيد ضد سوريا في وقت يستعد فيه رئيسها أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية الطارئة في القاهرة، والمخصصة لمناقشة اتخاذ موقف عربي موحد من الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بتهجير سكان غزة إلى إحدى البلدان العربية.

من جهة أخرى، فإن التوغل الإسرائيلي والقصف الجوي الواسع انطلق بعد ساعات فقط من الإعلان عن مخرجات الحوار الوطني السوري الذي شكل خطوة مهمة لمنح الشرعية الداخلية للإدارة السورية بمشاركة مختلف أطياف الشعب السوري، والتوافق على جملة من المخرجات.

لكن يبدو أن إسرائيل لا ترغب في استقرار الأمر للإدارة الحالية لتخوفها من التغير الذي طرأ على علاقات سوريا الإقليمية، وهذا ما كشفته تسريبات نشرتها وكالة رويترز في 28 فبراير/شباط الماضي.

ونقلت عن مصادر بأن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة من أجل إبقاء القواعد الروسية في سوريا لمنع استمرار تمدد تركيا في ظل العلاقة المتوترة بين تركيا وتل أبيب بعد حرب غزة.

خريطة سوريا ولبنان (الجزيرة)

وتقف تركيا وإسرائيل على طرفي نقيض في الملف السوري، حيث تتمسك أنقرة بوحدة الأراضي السورية وهذا ما تكرره في تصريحات المسؤولين الأتراك الرسمية، في حين تدعم إسرائيل فكرة سوريا الفدرالية.

وفي حين تسعى الإدارة السورية لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من جديد، تستهدف الهجمات الإسرائيلية مواقع تتبع وزارة الدفاع السورية الجديدة.

وتستعد إسرائيل لصدام مباشر قد يكون مع تركيا -وفق الخبير العسكري العميد إلياس حنا- الذي قال إن تل أبيب تخشى اتفاقا تركيا سوريا في مجال الدفاع يتيح تسليح الجيش السوري الجديد وإنشاء قواعد عسكرية تركية داخل سوريا، “لذلك إسرائيل تريد استباق ذلك وخلق واقع جديد”.

هروب إلى الأمام

ومن ناحية أخرى على صعيد الداخل الإسرائيلي، يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتهامات من معارضيه -أمثال يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين- بأنه يتهرب من الدخول في المرحلة الثانية لاتفاق غزة لأنه لا يريد إنهاء الحروب، وهو ما قد يعني أنه يسعى إلى توجيه الأنظار إلى الساحة السورية.

وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول جنوب سوريا جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها محللون خطوة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، مستغلّة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، وبدعم مباشر من واشنطن.

وفي خطوة لافتة، بدأت إسرائيل استقبال عمال سوريين في الجولان المحتل، مما أثار غضباً شعبياً داخل سوريا، تُرجم في احتجاجات غاضبة ضد هذه التحركات.

إضعاف السلطة المركزية

سلط الإعلام الرسمي الإسرائيلي بعيد سقوط نظام الأسد الضوء على العلاقات بين تل أبيب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق عدة في محافظات الجزيرة السورية، كما أطلق وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر تصريحات عدة أكد فيها رغبة تل أبيب في دعم الأقليات في سوريا.

وقبل التصعيد الإسرائيلي الأخير بأيام قليلة، شدد نتنياهو على أن إسرائيل لن تسمح بأي تهديدات للطائفة الدرزية في سوريا، وبعد هذا التصريح بساعات أعلنت مجموعة محلية في بلدة الغارية بمحافظة السويداء عن تشكيل مجلس عسكري يقوده ضابط يدعى طارق الشوفي.

وجاء في بيان الإعلان تأكيد تبني اللامركزية، ويبدو أنها خطوات متلاحقة لإضعاف السلطة السورية المركزية، وهذا ما أكدته التسريبات التي نقلتها وكالة رويترز، حيث أشارت مصادرها إلى أن إسرائيل تسعى لدى ترامب للإبقاء على سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية.

وقد تجلت مساعي إسرائيل لإضعاف الحكومة السورية أيضاً، فيما نقلت تقارير غربية عن محاولة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إقناع قرابة 20 دولة أوروبية بعدم رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.

كما أن الوزير ذاته أدلى بتصريحات، وصف فيها الحكومة الحالية السورية بأنها “إسلامية إرهابية من محافظة إدلب”، مشدداً على أن سوريا لا يمكن إلا أن تكون فدرالية.

وحذرت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية من احتمالية أن تكون ما وصفتها “المغامرة الإسرائيلية” تهدف إلى إقامة دولة على امتداد الحدود مع مرتفعات الجولان، إلى جانب دولة أخرى شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد، مما يعني انتهاء الأمر بالرئيس السوري إلى إعلان حكومة في وقت لا يسيطر فيها على أجزاء عدة من البلاد.

ساعر وصف الحكومة السورية الحالية بأنها “إسلامية إرهابية” و”سوريا لا يمكنها أن تكون غير فدرالية” (الفرنسية)

تحذيرات من نهج إسرائيلي إستراتيجي

تؤكد إسرائيل أن تحركاتها في سوريا مؤقتة إلى أن يتم ترتيب الأوضاع الأمنية مع الحكومة السورية الجديدة، وسلوك الأخيرة هو ما سيحدد، ما إذا كانت إسرائيل ستستمر في تصعيدها أم لا، كما أكد نتنياهو في وقت سابق، أن بلاده مستعدة لإقامة علاقات طيبة مع السلطات الجديدة في سوريا بشرط أن تمنع النشاط العسكري الإيراني في سوريا.

وناقض ساعر تصريحات رئيس حكومته، مؤكداً أن التفكير في دولة سورية واحدة مع سيطرة فعّالة وسيادة على كل مساحتها أمر غير واقعي، واعتبر أن المنطق هو السعي لحكم ذاتي للأقليات في سوريا وربما مع حكم فدرالي.

وفي مطلع مارس/آذار الجاري، بدأت إسرائيل بالسماح لشحنات مساعدات غذائية بالتوجه إلى القرى والبلدات الدرزية عبر معبري عين التين ومجدل شمس قرب بلدة حضر بريف القنيطرة، وسبقها إعلان السماح للدروز السوريين بالعمل داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل.

وفي تماهٍ مع الطرح الإسرائيلي، أكد قائد قسد مظلوم عبدي أثناء ظهوره على قناة (بي بي سي) أواخر الشهر الماضي، رغبتهم في تأسيس دولة لا مركزية تضمن حقوق الكرد، مؤكداً وجود خلافات مع حكومة دمشق.

وكرر عبدي الوصف ذاته، الذي تطلقه إسرائيل على الحكومة السورية الجديدة بأنها “قوة سلفية جهادية”، كما رحب بكل من يقدم الدعم لهم بما فيها إسرائيل التي لها تأثير على أميركا والغرب.

Mazloum Abdi, the commander of the U.S.-backed Syrian Democratic Forces, speaks during a news conference in Hassakeh, Syria, Nov. 26, 2022. (AP Photo/Baderkhan Ahmad, File)
عبدي عبّر عن رغبة “قسد” في تأسيس دولة لا مركزية تضمن حقوق الكرد وأشار إلى وجود خلافات مع حكومة دمشق (أسوشيتد برس)

ومن جانبه، يرى الباحث العراقي لقاء مكي أن إستراتيجية إسرائيل تركز على العراق وسوريا باعتبارهما تهديدين محتملين، لأنهما كانا دوماً عمقاً للقضية الفلسطينية، معتبراً أن ما تقوم به تل أبيب من تشجيع لانفصال الدروز والأكراد ليس حرباً نفسية لإشغال الحكم الجديد، بل هو مسعى حقيقي للتقسيم.

واعتبر الباحث في التحليل الذي نشره بشأن التصعيد الإسرائيلي، أن تل أبيب لن تركع لوضع سوريا الراهن، فهي تعتبرها بلداً قوياً وإن بدا متعباً لأنه قد يتعافى بسرعة من المتوقع ويصبح خطراً على إسرائيل.

ولذا، بحسب مكي، فإن إسرائيل تسعى لاستغلال الظرف الراهن وخلق حاجز ديموغرافي بينها وبين سوريا بتأسيس كيان درزي يمتد من حدود الأردن إلى لبنان مروراً بسوريا، معتبراً أن نجاح هذا السيناريو ليس سهلاً نظراً لرفض قسم واسع من دروز سوريا له.

خيارات الإدارة السورية لمواجهة التصعيد

لم تتخذ الإدارة السورية الجديدة إجراءات واضحة حتى اللحظة لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، وصدرت إدانة السلوك الإسرائيلي من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري.

وأكدت مصادر دبلوماسية في دمشق، أن الإدارة السورية تجري اتصالات مع إدارة ترامب لإقناعها بالضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها على الجنوب السوري، لكن لا يوجد رد فعل واضح من الإدارة الأميركية أو مؤشرات على إمكانية ممارسة ضغوط على تل أبيب.

ووفقا للمصادر، فإن الإدارة أيضاً تجري اتصالات مع دول إقليمية وعربية لوضع تصور عن آلية التعاطي مع تصعيد إسرائيل، وسيتم مناقشة الملف بشكل أوسع خلال القمة العربية الطارئة المرتقبة في القاهرة.

ومن الواضح، أن التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا ارتفع كثيرا بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، مما يعني أن التعويل على الإدارة الأميركية لضبط سلوك تل أبيب قد يكون فكرة غير واقعية.

وقد توقعت صحيفة جيروزاليم بوست في تحليل لها نشرته، أن الرئيس ترامب سيدعم احتلال إسرائيل للمنطقة العازلة في سوريا، والبقاء فيها سنوات مقبلة، مما سيقلل من أهمية أي ضغوط أخرى ستمارس على إسرائيل بما فيها الضغوط الأوروبية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *