القدس المحتلة- حوّلت معركة “طوفان الأقصى” مستوطنة سديروت في ما يُسمى “غلاف غزة” إلى مدينة أشباح، بعد أن أخلى جيش الاحتلال أغلب سكانها البالغ تعدادهم 35 ألفا، حيث نزحوا باتجاه منطقة تل أبيب والوسط، هربا من نيران الحرب، وفي ظل الحشد للتوغل البري في قطاع غزة.
وبدأت مغادرة مستوطني سديروت في مطلع عملية “طوفان الأقصى” واستمرت حتى إعلان الإخلاء الرسمي اليوم الأحد. وتكلف عملية الإخلاء خزينة الاحتلال في الأسبوع الواحد فقط قرابة 20 مليون دولار، كما أن وزارة المالية الإسرائيلية بدأت بالفعل في تمويل مساكن بديلة لآلاف النازحين.
ومن المتوقع أن تتجاوز ميزانية المبيت لسكان مستوطنات “غلاف غزة” الذين نُقلوا إلى فنادق في إيلات ومنطقة البحر الميت ووسط البلاد، أكثر من 30 مليون دولار، وفق مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” غاد ليئور.
ذكريات مريرة من الحرب
ورغم إخلاء شوارع وأحياء سديروت، ما تزال حالة الضبابية تلف العملية البرية التي يهدد الاحتلال بشنها في غزة، والذي يخشى من التورط خلالها في القطاع، ويسعى إلى إبعاد الإسرائيليين عن المعارك ودائرة الصواريخ، وتفادي المزيد من “الذكريات المريرة والصادمة” بعد معركة “طوفان الأقصى”.
“سديروت تحولت إلى مدينة أشباح”، بهذه الكلمات وصف مراسل موقع “واللا” الإخباري ينير يافنا، واقع سديروت في اليوم التاسع للحرب على جبهة غزة. وقال “هذه المناظر تشير وكأن الحرب في العمق الإسرائيلي، فحواجز الشرطة على مداخل المدينة، تشهد على ما يجري في أحيائها التي استبدل بسكانها آلاف من الجنود وقوات الشرطة”.
وبعد ما بات يُعرف إسرائيليا بـ”السبت الأسود” (بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول)، خلت سديروت من سكانها، ويقول الصحفي الإسرائيلي إن الهدوء فيها الآن لا يشبه “المدينة التي كانت تعج بالحانات الممتلئة بالطلاب في عطلة نهاية الأسبوع قبل الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس”.
أحد المستوطنين الذين كانوا يسكنون سديروت، يورام كوهين، والذي غادرها الأسبوع الماضي ويقيم بأحد الفنادق في تل أبيب، أصيب منزله بصاروخ خلال عملية “طوفان الأقصى” واليوم الأحد سقط صاروخ آخر بالقرب من منزله.
يقول كوهين “في كل شارع في سديروت تقريبا، هناك ذكرى مريرة للحرب، منزل دمرته الصواريخ، ومدارس وطرقات بها حفر فتحتها صواريخ القسام”.
إخلاء سديروت وقصف عسقلان
يحمل إخلاء سديروت في طياته دلالات عسكرية، ويراه المحللون مؤشرا على إمكانية تطور المعارك، وخاصة على صعيد التوغل البري الذي يخطط له جيش الاحتلال، والذي يخشى أن يتعرض العمق الإسرائيلي إلى قصف غير مسبوق بصواريخ المقاومة، وفقا لتقديرات المحللين والصحفيين الإسرائيليين.
ويجمع محللون على أن إخلاء سديروت يشير إلى أن الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في حال التوغل البري بقطاع غزة، تريد تجنيب المدنيين الإسرائيليين سير المعارك، حيث لا تستبعد سيناريو تسلل مجموعات من المسلحين الفلسطينيين وتجدد الاشتباكات في عمق الأراضي المحتلة.
ومع إخلاء سديروت ومستوطنات “غلاف غزة”، أضحت مدينة عسقلان الوجهة الأولى لصواريخ المقاومة، ويجمع المحللون أن قيادة الجبهة الداخلية لن تقوم في أي حال من الأحوال بإخلاء عسقلان التي يبلغ تعداد سكانها 157 ألفا، حيث تعتبر أكبر مدينة صناعية وتجارية فيما يسميه الاحتلال “اللواء الجنوبي”، وفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
إخلاء لرفع العوائق
في هذا السياق، قال خبير الشؤون العسكرية والأمنية الإسرائيلية رافع أبو طريف، إن التحضيرات العسكرية الإسرائيلية لعملية التوغل البري في قطاع غزة، جارية سواء من ناحية المعدات والكفاءات والآليات، أو من ناحية القصف الكثيف على مناطق القطاع.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أبو طريف أن إسرائيل من خلال إخلاء سكان سديروت وقبلهم مستوطني “غلاف غزة”، تهدف إلى إبعاد المستوطنين عن أية مخاطر خلال التوغل البري، وليتسنّ لها تنفيذ عملياتها ومخططها بدون أي عوائق مدنية داخلية، مشيرا إلى أن التوغل البري وخلافا للقصف من الجو، يشكل تهديدات غير مسبوقة سواء للقوات البرية المتوغلة أو حتى للمدنيين المتاخمين لجبهة القتال.
ورجّح أن قوات الاحتلال لا تريد التسرع في قرار التوغل البري الذي من المؤكد سيكبدها خسائر فادحة بالأرواح من العسكريين، عدا عن الخسائر البشرية في الجانب الفلسطيني، وهي التي تضعها أمام ضغوطات الرأي العام الدولي، وكذلك تهديدات إقليمية قد تؤدي إلى فتح جبهات قتال إضافية.
نقل المعركة إلى العمق الفلسطيني
والطرح ذاته يتبناه الصحفي الإسرائيلي يواف شطيرن، الذي يعتقد أن سديروت أُخليت من السكان تحسبا لتكرار سيناريو “طوفان الأقصى”، في حال بدء التوغل البري “الذي هو مسألة وقت ليس إلا”، والذي قدر أن يستغرق أشهرا، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال يتحضر بضمان عدم تعرض الإسرائيليين لخطر الاشتباكات أولا.
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي أن إخلاء سديروت وقبلها مستوطنات “غلاف غزة” هو من أجل نقل المعركة إلى العمق الفلسطيني، بعد أن اندلعت في العمق الإسرائيلي، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى أن عملية إخلاء نحو 100 ألف إسرائيلي بالجنوب، تشير إلى أن المؤسسة العسكرية لا تريد أن تجازف بالمدنيين والإبقاء عليهم في دائرة الاشتباكات المسلحة، عند تطور معارك التوغل البري.
واستبعد شطيرن أن يُخلي جيش الاحتلال عسقلان التي تعد كبرى المدن المحتلة في الجنوب وتتعرض إلى قصف شديد منذ أيام، وعزا ذلك إلى عدم قدرة إسرائيل على تحمّل نزوح ونقل حوالي 157 ألفا من سكان المدينة.