رواية أدرعي وقادة الاحتلال.. سردية إسرائيل لمجزرة مستشفى المعمداني

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

فجأة ومن دون أي مقدمات سحبت صفة “الدعشنة” عن حركة حماس التي ألصقها بها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، وحوّل بوصلة دعايته الإعلامية نحو حركة الجهاد الإسلامي.

وبعد دقائق من المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين بقصفه مستشفى المعمداني بغزة، مخلفا أكثر من 500 شهيد ومئات المصابين، خرج أدرعي ومن لفّ لفه من المتحدثين الإعلاميين للجيش الإسرائيلي والمستشارين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفي التهمة عنهم وإلصاقها بحركة الجهاد واستبعادها حماس “الداعشية التي قطعت رؤوس الأطفال وأحرقت النساء” بحسب رواية الاحتلال.

ونفت حركة الجهاد “الأكاذيب” و”الاتهامات الباطلة” التي وجهتها إليها إسرائيل، مؤكدة أن المستشفى استهدف “بقصف جوي أطلق من طائرة حربية” إسرائيلية.

وبما أن الفيلم يحتاج إلى “بطل” للرواية، فكانت حركة الجهاد، فزعمت إسرائيل أن صاروخا أطلقته الحركة وأخطأ هدفه وسقط في ساحة المستشفى.

صورة ثم فيديو

ولم يتوقف أدرعي عند هذا الحد، فزعم أن هناك “تحقيقا شاملا ودراسة كافة الأنظمة العملياتية والاستخبارية في جيش الدفاع، تؤكد بشكل واضح أن جيش الدفاع لم يهاجم المستشفى المعمداني”.

وتابع “أصيب المستشفى نتيجة تعرضه لإطلاق فاشل لصاروخ نفذه تنظيم الجهاد الإسلامي.. المنظمات الإرهابية في قطاع غزة تطلق الصواريخ عشوائيا نحو إسرائيل وتعرض أيضًا سكان القطاع للخطر وتمس بهم. حيث سقطت منذ بداية الحرب حوالي 450 من القذائف الصاروخية التي تم إطلاقها على أرض القطاع”.

وبعد “التحليل والتحقيق والدراسة” لا بد من أدلة “تدعم” زعمه فبدأ أولا بنشر صورة زعم أنها “التقطت عبر الرادارات وتظهر سقوط الصاروخ الفاشل للجهاد الإسلامي في منطقة المستشفى” ثم فيديو قال إنه “من داخل أنظمة سلاح الجو لصاروخ فاشل أطلقته الجهاد الإسلامي”.

ومخافة ألا يكفي هذا لنشر الرواية وخاصة أن الصور لا تكفي والفيديوهات المنتشرة ثبت أنها إما قديمة أو ليست في توقيت القصف، أخرج أدرعي من جعبته “تسجيلا صوتيا لحوار بين عنصرين من حماس يتحدثان به عن مسؤولية الجهاد عن إطلاق الصواريخ”.

وبغض النظر عن أن الحوار متقطع والكلام بين الرجلين يظهر بأنه مرتب ومركب بشكل لا يبدو أنه بين “عنصرين في حركة مقاومة” تخوض حربا ضد إسرائيل، يطرح السؤال لماذا اختير أن يكون الحوار -الذي زعم مرة أخرى أن الاستخبارات الإسرائيلية رصدت مكالمة هاتفية بشأنه- بين عنصرين من حماس وليس الجهاد؟!

وحتى النص الذي أرفقه أدرعي لتغريدته يخالف التسجيل، فالصوت يتحدث عن حوار بين “عنصرين من حماس” ومنشور المتحدث باسم جيش الاحتلال يقول إنه “بين ناشط سابق في حماس وأحد سكان القطاع، تحدثا خلاله عن عملية إطلاق صواريخ فاشلة”.

ولأن الرواية لم تصدق بعد ويشكك بها كثيرون، رفع مستوى الدعاية بفيديو زعم أنه “تم التقاطه صباحا للمستشفى.. يمكن ملاحظة أن الضرر نتيجة عملية الإطلاق الفاشلة على يد الجهاد الإسلامي ينحصر على منطقة ساحة وقوف السيارات المجاورة”.

واللافت أن أول من نشر الرواية الإسرائيلية كانت شبكة “سي إن إن” الأميركية حتى قبل أن تنتشر، وقالت مراسلتها نقلا عن جيش الاحتلال أن “حماس أطلقت صاروخا وسقط على المستشفى بالخطأ”، طارحة سؤالا عن توقيت هذه الحادثة عشية زيارة بايدن لإسرائيل.

الضربة الأولى

ومن مبدأ أن الشائعة حتى ولو حلقت في فضاء التواصل الاجتماعي سيطلق عليها الناشطون نيران تغريداتهم ومنشوراتهم ويسقطونها أو يؤكدونها، جاءت الضربة الأولى للرواية الإسرائيلية من مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشؤون مواقع التواصل “هانايا نفتالي” الذي أكد في تغريدة “حذفها لاحقا” المؤكد: الاحتلال مسؤول عن مجزرة المستشفى.

ويقول نفتالي -الذي حضر نتنياهو حفل زفافه وأكد أنه مستشاره- في تغريدته التي اعتبرها خبرا عاجلا، أن “سلاح الجو الإسرائيلي ضرب قاعدة لحركة حماس الإرهابية داخل مستشفى في غزة، حيث قتل عشرات الإرهابيين، أمر يفطر القلب أن حماس تطلق الصواريخ من المستشفيات والمساجد والمدارس مستخدمين المدنيين كدروع بشرية”.

وبعد تكشف حجم الكارثة وسقوط مئات الشهداء وإثارة الرأي العام العربي والدولي بسبب استهداف المدنيين المحتمين بالمستشفى، طلب من نفتالي حذف التغريدة واستبدال بها فيديو يتبنى الرواية الإسرائيلية باتهام حركة الجهاد الإسلامي بالقصف ثم أعقبها بعدة تغريدات التزم فيها بتوجيهات الجيش ونشر فيديوهات وصور وتحليلات تزعم أنها تدعم الرواية.

ولكن هذه الرواية سرعان ما تقلبت وتدحرجت حتى استقر مطلقوها على اتهام حركة الجهاد، وهنا يأتي دور مارك ريغيف مستشار نتنياهو والذي أجاب عن سؤال مباشر لقناة سكاي نيوز البريطانية جاء فيه: هل أنتم من قصفتم المستشفى؟ يجيب الرجل أن “المؤشرات كلها تشير إلى حركة الجهاد”.

ولكن لماذا الجهاد وليس حماس؟

يستعين السفير الإسرائيلي السابق في بريطانيا بأرقام وإحصاءات ليركب قدمين لهذه الرواية، “الإحصاءات تقول إنه في الجولات السابقة نحو 33% من الصواريخ التي أطلقتها الجهاد على إسرائيل سقطت في غزة”.

ويضيف أن “في غزة، ليست هناك مصادر مستقلة، ولكن نؤكد أنها الجهاد شقيق حماس الأصغر وتوأمها في الإرهاب، إسرائيل لا تستهدف المستشفيات”. واعتبر أن “عمل وسائل الإعلام هو البحث عن الحقيقة وليس ترديد كلام حماس وإلقاء اللوم على إسرائيل”.

بايدن يتبنى الرواية الإسرائيلية

وطلب مستشار نتنياهو البحث عن الحقيقة، لبّته وسائل إعلام غربية، ففند مراسلا قناتي “بي بي سي” في القدس و”إم إن إس بي سي” في إسرائيل، الرواية واعتبرا أنه من شبه المستحيل أن يخلف صاروخ من المقاومة هذا الحجم الكبير من الدمار.

ويقول مراسل القناة البريطانية إن “حجم الدمار يدلل على أن المنطقة استهدفت بغارة إسرائيلية أو أكثر، لأن حجم الانفجارات الذي قد تخلفه الصواريخ التي تطلق من غزة لا يقارن بما حصل في المستشفى وفي العادة قد يقتل عدة أشخاص ولكن الفيديوهات التي شاهدتها من المستشفى تفيد بالعكس”.

بدوره، أكد مراسل القناة الأميركية أن إسرائيل لم تقدم أي دليل على أن الصواريخ التي ضربت المستشفى أطلقت من غزة، و”علينا القول إن هذه الحصيلة من القتلى لم ترتبط في السابق بصواريخ أطلقت من غزة”.

ولتكتمل الصورة المزعومة لا بد من إدخال شبكة الجزيرة الإعلامية في السياق، إذ ادعى أحد الحسابات أنه لصحفية في الجزيرة الإنجليزية تدعى “فريدة خان” وزعمت هذه الأخيرة بتغريدة أنها “مراسلة القناة في خان يونس بغزة وأنها رأت بعينيها أن الصاروخ التي استهدف المستشفى هو صاروخ حماس (عياش 250) وأخطأ هدفه”.

غير أن شبكة الجزيرة أصدرت بيانا نفت فيه “انتماء صاحبة هذا الحساب لقناة الجزيرة” وتابع البيان “نريد التوضيح: أن هذا الحساب لا علاقة له بالجزيرة ولا بآرائها أو محتواها”. وبعد بيان الشبكة، مباشرة توقف الحساب عن العمل ثم حذف علما أنه أنشئ في سبتمبر/أيلول الماضي.

واللافت أن أغلب الإعلام الغربي، إما تناول على استحياء القصة وتبنى الرواية الإسرائيلية وإما تجاهلها تماما.

تضليل الإعلام والرأي العام

ولكن هذه الرمادية في الإعلام الغربي تحولت إلى وضوح وتأكيد وتبني للرواية الإسرائيلية من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال لنتنياهو: “حزنت وغضبت بشأن الانفجار في المستشفى المعمداني أمس الثلاثاء، ويبدو أن الجانب الآخر وراء ذلك وليس أنتم”.

واللافت أن بايدن كان يقرأ ما يقوله من ورقة صغيرة كتبت له مخافة أن يجبر البيت الأبيض على التراجع عن تصريحات للرئيس كما حصل في موضوع اتهام مقاتلي القسام بقطع “رؤوس الأطفال”.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست -يومها- عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه “لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل”.

وبين الرواية الإسرائيلية المتناقضة والتكذيب الإعلامي ونفي حركة الجهاد الإسلامي، توصل تحقيق أجرته شبكة الجزيرة، أن الجيش الإسرائيلي تعمد تضليل الإعلام والرأي العام في روايته حول استهداف مستشفى المعمداني.

وخلُص التحقيق، إلى وقوع انفجارين مختلفين في مدينة غزة، وذلك عقب اعتراض القبة الحديدية الإسرائيلية لصاروخ المقاومة الفلسطينية، وهو ما ينفي ادعاء إسرائيل بسقوط صاروخ فلسطيني عن طريق الخطأ على المستشفى، ويناقض إعلان الجيش الإسرائيلي وتنصله من مسؤولية استهداف المستشفى.

ويستند تحقيق وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر بوكالة “سند” على تحليل الصور وبناء الخط الزمني للأحداث من خلال البث الحي لقناة الجزيرة وصور حية أخرى من داخل إسرائيل، ومشاهد من شهود عيان بغزة للحظات التي سبقت قصف المستشفى، إضافة إلى تحديد مواقع جغرافية لاتجاهات التصوير الرئيسية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *