واشنطن– استباقا لظهورها في جلسة استماع حول ما يوصف بـ”تزايد العداء للسامية داخل حرم جامعة كولومبيا”، اختارت نعمت شفيق، رئيسة الجامعة، اللجوء لصحيفة وول ستريت جورنال في محاولة لتجنب مصير رئيسات جامعات عريقة اضطررن للاستقالة عقب الإدلاء بشهادتهن حول القضية نفسها، وأمام اللجنة ذاتها قبل 4 أشهر.
وعقب إدلاء شفيق، ذات الأصول المصرية، بشهادة لم ترضِ من خلالها أنصار إسرائيل بمجلس النواب ولا أغلب أساتذة الجامعة وطلابها، تضاعفت المطالبات الداعية لاستقالتها، خاصة بعدما طلبت من شرطة مدينة نيويورك اقتحام حرم الجامعة لفض اعتصام سلمي أقامه طلاب مناصرون للفلسطينيين، مما أسفر عن إلقاء القبض على 108 منهم.
ووصفت رئيسة الجامعة إخلاء مخيم الاحتجاج يوم الخميس بأنه “خطوة غير عادية”، وقالت إنه من الضروري توفير بيئة آمنة. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقتحم فيها الشرطة حرم الجامعة منذ احتجاجات حرب فيتنام في نهاية ستينيات القرن الماضي.
استجداء المحافظين
وكتبت شفيق مقالا للرأي لصحيفة “وول ستريت جورنال”، التي يتمتع فريق تحريرها بتحيز أيديولوجي جمهوري يميني ظنا منها أن ذلك قد يخفف من شدة أسئلة الأعضاء المحافظين باللجنة، ولم تكتب في “نيويورك تايمز” الليبرالية والأكثر قربا من المزاج العام والتوجه الأيديولوجي لجامعة كولومبيا.
وقالت شفيق في مقالها “كان يوم 7 أكتوبر مثل 11 سبتمبر/أيلول 2001 الذي غير العالم. لم يتوقع أحد منا الهجوم الإرهابي المروع لحماس في إسرائيل، ولا تأثير تلك الأحداث عبر جامعات مثل كولومبيا والمجتمع الأميركي بأسره. إن اللجنة التي سأشهد أمامها غدا هي في حد ذاتها هيئة متنوعة، تمثل طيفا واسعا من وجهات النظر التي تجعل أميركا فريدة من نوعها في تسامحها مع النقاش الصارم وفخرها به. وهذا يجعلها لا تختلف عن الجامعة”.
وأضافت “آمل أن نتمكن من البدء في إيجاد أرضية مشتركة لإيجاد حلول لمعاداة السامية، ليس فقط لجعل حرم الجامعات أكثر أمانا وأكثر ترحيبا بالطلاب اليهود، ولكن من أجل ديمقراطيتنا”.
وقبل أشهر، دفعت جلسة استماع أمام لجنة التعليم بمجلس النواب قدمت خلالها 3 رئيسات من أفضل الجامعات الأميركية والعالمية شهاداتهن في الكونغرس -حول التوتر الذي تشهده ساحات الحرم الجامعي على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة- إلى غضب كبير بين المانحين والخريجين والطلاب والسياسيين، وأبرزت التوترات المتأججة بين الطلاب اليهود والمسلمين.
واضطرت رئيستا جامعتي هارفارد وبنسلفانيا للاستقالة، بسبب الضغوط التي تعرضتا لها، ولإجاباتهن التي اعتبرها البعض غامضة وغير حاسمة.
وحاولت نعمت شفيق التملق اللوبي اليهودي، فعلى سبيل المثال، وبدلا من الدفاع عن البروفيسور جوزيف مسعد، المعارض للعدوان الإسرائيلي على غزة، قالت شفيق في شهادتها أمام لجنة مجلس النواب إنه إذا كان الأمر متروكا لها، فلم يكن ليحصل مسعد على الترقية لدرجة الأستاذية، وهي درجة لا يمكن معها فصل الأستاذ بسبب آرائه ومعتقداته.
وقالت إن “أي عضو هيئة تدريس في كولومبيا يتصرف بطريقة معادية للسامية أو تمييزية يجب أن يجد مكانا آخر يذهب إليه”.
كولومبيا فشلت
وحصلت جامعة كولومبيا على درجة “د” في تصنيف جديد للجامعات الأميركية حول مواجهتها “العداء للسامية”. وكانت رابطة مكافحة التشهير “إيه دي إل” (ADL) إحدى أكبر وأهم المنظمات اليهودية الأميركية، كشفت النقاب مؤخرا عن تصنيف 85 جامعة أميركية من تلك التي تضم أكبر تجمعات للطلاب اليهود الأميركيين.
واستند التصنيف إلى 21 معيارا وضعتها المنظمة، لقياس “درجة معاداة السامية في الحرم الجامعي”، وما اعتبرته ممارسات جديدة متزايدة تستهدف الطلاب اليهود.
ويعكس تصنيف الرابطة لجامعة كولومبيا رسوبا، ويعني ذلك أن الجامعة لا تقوم بما يجب من جهود لمنع “العداء للسامية” في نظر هذه المنظمة اليهودية.
كما رد مايكل أورين، سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة، وعضو الكنيست وكبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو خريج جامعة كولومبيا، على مقال نعمت شفيق بمقال في صحيفة وول ستريت جورنال، وقال فيه إن سياسات جامعة كولومبيا اللينة لم تمنع “معاداة السامية” من الازدهار في الحرم الجامعي.
وأضاف أورين أن شفيق حاولت “تجنب أخطاء نظرائها في جامعات هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذين قللوا في ديسمبر من محنة اليهود في الحرم الجامعي، وأكدت أن الدعوات للإبادة الجماعية لليهود معادية للسامية، وتعهدت بمعاقبة أولئك الذين يستخدمون لغة عنيفة”.
وبرأي أورين، فإن شفيق لم تعترف بفشل الجامعة في تطبيق الإجراءات التي سنتها لحماية الطلاب والأساتذة اليهود. كما أنها تتطرق إلى كيف أصبحت جامعة كولومبيا، تحت راية حرية التعبير، “غير مضيافة لليهود”. ولم تعترف كيف أن المظاهرات الخطيرة مثل إقامة مخيم الاعتصام “كان نتاج تقاعس الجامعة بالأساس”.
دعوات لإقالة شفيق
عقب دعوة شفيق الشرطة لاقتحام حرم الجامعة لفض اعتصام الطلاب الاحتجاجي والسلمي، دعا كثير من الأساتذة والطلاب لاستقالتها الفورية.
وعلى النقيض وخلال جلسة الاستماع، ضغطت النائبة ليز ستيفانيك على شفيق حول ما إذا كانت تعتبر هتافات المحرضين المناهضين لإسرائيل في الواقع معادية لليهود. واعترفت شفيق بأن تلك الشعارات التي سمعت في الحرم الجامعي كانت “معادية لليهود تماما”، وهو تعديل وتغيير في كلمات شهادتها الرئيسية.
إلا أن النائبة ليز ستيفانيك، والتي تعد ثالث أهم عضو جمهوري بمجلس النواب، دعت لاحقا جامعة كولومبيا إلى إقالة الرئيسة الحالية ومجلس الإدارة في بيان أصدرته بعد انتهاء جلسة الاستماع.
وقالت ستيفانيك “بينما أمضت قيادة جامعة كولومبيا الفاشلة مئات الساعات في التحضير لجلسة استماع الكونغرس هذه، من الواضح أنها كانت محاولة للتغطية على فشلها الذريع في فرض قواعد الحرم الجامعي الخاصة بها وحماية الطلاب اليهود في الحرم الجامعي”.
أضافت النائبة الجمهورية أنه خلال الأشهر القليلة الماضية وخلال الـ24 ساعة الماضية خاصة، فقدت قيادة جامعة كولومبيا بوضوح السيطرة على حرمها الجامعي مما يعرض سلامة الطلاب اليهود للخطر.
وبرأي النائبة، تحتاج جامعة كولومبيا -التي كانت في السابق منارة للتميز الأكاديمي أسسها ألكسندر هاملتون- إلى قيادة جديدة. و”يجب على رئيسة الجامعة نعمت شفيق الاستقالة على الفور”.
ونعمت شفيق الحاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أكسفورد، عملت في القطاع المالي العالمي في مراحل مختلفة ومع مؤسسات متعددة.
وبحسب مجلة التمويل والتنمية التابعة لصندوق النقد الدولي، عملت شفيق في البنك الدولي عام 1989. وقادت في منتصف العقد الأول من القرن الـ21، وزارة التنمية الدولية في حكومة المملكة المتحدة.
وكذلك عملت في صندوق النقد الدولي في مهام عدة، وشغلت منصب نائب محافظ بنك إنجلترا أثناء الاضطرابات التي صاحبت اتفاق خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.