غزة- منذ نحو أسبوعين تعيش ولاء أبو جامع وشقيقها حمزة في جزء من غرفة بمنزلهما المدمر في بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتقول إنها تشعر براحة افتقدتها على مدار 4 شهور قضتها مع أسرتها في خيمة بمنطقة المواصي غرب المدينة.
عاد الشقيقان ولاء (28 عاما) وحمزة (25 عاما) إلى منزلهما المدمر كليا بفعل صواريخ وقذائف الاحتلال إبان عمليته العسكرية البرية التي بدأها في مدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي واستمرت 4 شهور، أسفرت عن دمار هائل في المدينة والبلدات الشرقية ومنها بلدة بني سهيلا.
وفي هذه الأثناء، تشهد هذه البلدات عودة ملحوظة من قِبل سكانها، الذين تشتهر غالبيتهم بالعمل بالزراعة، إلى منازلهم وأراضيهم المدمرة، واتسعت هذه العودة عقب العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في مدينة رفح المجاورة في 7 مايو/أيار الماضي، والنزوح الكبير منها إلى منطقة المواصي حيث لا خدمات أو مرافق.
عودة للديار
قبيل الحرب بـ3 شهور فقط، سكنت أسرة ولاء (7 أفراد) منزلها الجديد المكون من طابقين، ويبعد عن السياج الأمني الإسرائيلي نحو 3 كيلو مترات، وقد حولته قوات الاحتلال إلى ثكنة عسكرية أثناء اجتياحها البري، قبل أن تدمره كليا.
تقول ولاء للجزيرة نت “عدت وشقيقي حمزة للمنزل فوجدناه كومة من الركام، ومع ذلك لم نتردد في العودة إليه، ونقيم في أقل من غرفة، إنه ربع سقف وأحطناه ببعض الأغطية والقماش”.
“هذه الغرفة المحطمة بالنسبة لي أحسن من 100 خيمة”، تقول ولاء بعد تجربة قاسية عاشتها مع أسرتها في خيمة في أرض زراعية بمنطقة المواصي، شديدة الحرارة، وتنتشر في أرجائها الحشرات وأطنان من النفايات.
لكن، وباستثناء ولاء وحمزة، رفض باقي أفراد الأسرة العودة إلى بني سهيلا، خشية من توغل مباغت للاحتلال مثلما حدث في مدن وبلدات أخرى من القطاع.
ورغم إدراكهما لهذه المخاطر، اتخذت ولاء وشقيقها قرارهما بالعودة والإقامة في منزلهما المدمر، وشجعهما على ذلك عودة ملحوظة لما تقدره ولاء بـ”نصف عدد السكان”، ومع إقرارها بوجود خطر تقول ولاء “الليل هنا مرعب، وتزيده مسيرات “كواد كابتر” رعبا، ومع كل انفجار جراء صاروخ أو قذيفة تتساقط الحجارة من حولنا، عمليا نحن نعيش تحت الركام”.
رائحة أرضي
تشكو بلديات قطاع غزة من عدم قدرتها على القيام بمهامها جراء عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل آلياتها، ولتعذر نقل النفايات للمكبات المركزية في المناطق المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، بسبب مخاطر الاقتراب من تلك المناطق منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وتقول ولاء “تعبنا من جو الخيمة! حر وحشرات ونفايات”، ويتفق معها جارها إبراهيم القرا (37 عاما) والذي عاد بأسرته (7 افراد) إلى بلدة بني سهيلا، لكنه لم يستطع العودة إلى منزله المدمر في منطقة الزنة، ويقيم مع أسرته وأسرة شقيقته في أرض يمتلكها زوجها.
دمرت قوات الاحتلال منزل القرا كليا، وجرفت أرضه وجميع ممتلكاته، كما غالبية المنازل والأراضي في منطقة الزنة، أكثر مناطق البلدات الشرقية من خان يونس قربا من السياج الأمني الإسرائيلي بمسافة 1500 متر، وشهدت معارك ضارية بين المقاومة والاحتلال.
وقضى القرا وأسرته 4 شهور في خيمة بمواصي خان يونس، وعاد قبل نحو عشرة أيام وقد نصب خيمة لأسرته وسط الركام ويقول للجزيرة نت “اليوم عدت إلى بني سهيلا، وكلما تمكنت من الاقتراب ولو لمتر واحد من منزلي وأرضي في الزنة فلن أتردد” ويضيف “هنا أستطيع أن أشتم رائحة أرضي، نحن مزارعون، وحياتنا هي الأرض والزراعة، ولا نستطيع البعد طويلا عن مناطقنا”.
“هنا حياتنا وذكرياتنا”
تتشابه ظروف العائدين إلى بقايا منازلهم وأراضيهم في البلدات الشرقية من خان يونس، وقد أرهقتهم حياة الخيام التي تؤوي قرابة 1.7 مليون نازح في جنوب القطاع، يمثلون أكثر من 85% من الغزيين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويقول أبو محمد عوض العائد حديثا إلى منزله المدمر في بلدة عبسان الصغيرة للجزيرة نت “عودة الناس إلى عبسان وبني سهيلا وغيرها من البلدات الشرقية شجعتني على اتخاذ القرار بعد تفكير طويل”.
“الحياة هنا ليست سهلة، خطر وصعوبة في تدبير الاحتياجات اليومية بسبب الدمار الهائل”، وبالنسبة لأبو محمد فإن مياه البلدية العامة تتوفر يوما بعد يوم على مقربة منه، بينما تتوفر في منطقة ولاء وإبراهيم مياه “مكروت” (مياه مشتراة من الاحتلال توزعها شركة مكروت الإسرائيلية) عبر خطوط نقل إسرائيلية.
خاض عوض وأسرته (5 أفراد) تجربة النزوح عدة مرات، قبل أن تتمكن الأسرة من السفر إلى مصر بغية العلاج، وعقب نزوحه الأخير بمفرده من مدينة رفح على وقع العملية العسكرية البرية، لجأ إلى خيمة في “المتنزه الإقليمي” بمواصي خان يونس.
يمتلك عوض شقة في الطابق الثالث من منزل العائلة المدمر، وقد وجد به غرفة أرضية أصلح ما بها من دمار جزئي، ويقيم بها منذ 3 أيام، وله رأي مشابه لولاء، حيث يفضل هذه الغرفة على الخيام، ويقول “هنا حياتنا وذكرياتنا، أما الخيام فتنتشر فيها الأحزان وآلام الحرب، والحر الشديد والحشرات والروائح الكريهة نتيجة أكوام النفايات”.