لسنا غرباء على المعاناة الإنسانية والصراعات والكوارث الطبيعية، كنا هناك عندما اندلع القتال في الخرطوم بالسودان، وحضرنا سقوط القنابل على أوكرانيا، وعندما ضربت الزلازل جنوب تركيا وشمال سوريا كنا هناك، وقبل ذلك كنا موجودين عندما واجه القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ سنوات، والقائمة تطول.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لمجموعة من الشخصيات العالمية المنخرطة منذ عهود في العمل الإنساني، عبروا فيه عما يحدث في غزة، وهم ميشيل نان الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة كير بالولايات المتحدة، وتجادا دوين ماكينا، الرئيس التنفيذية لمنظمة ميرسي كوربس وجان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، وآبي ماكسمان الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام أميركا، وجيريمي كونينديك رئيس المفوضية الدولية للاجئين، وغانتي سويريبتو، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة إنقاذ الطفولة الأميركية.
يقول هؤلاء الرجال والنساء في مقالهم بالصحيفة “باعتبارنا قادة بعض أكبر المنظمات الإنسانية العالمية في العالم، لم نر شيئا مثل الحصار المفروض على غزة”.
ففي أكثر من شهرين منذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل، يقول المديرون قُتل حوالي 18 ألفا من سكان غزة، بينهم أكثر من 7500 طفل، مما يعني مقتل أكبر عدد من الأطفال في هذا الصراع مقارنة بجميع الصراعات العالمية الكبرى مجتمعة في العام الماضي.
انتشار الأمراض المعدية
ومع تعبير المجموعة عن “فظاعة” ما ارتكبته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فقد رأوا أن الحق في الدفاع عن النفس لا يتطلب ولا يمكن أن يتطلب إطلاق العنان لهذا الكابوس الإنساني على ملايين المدنيين، إذ لم تشهد أي حرب أخرى في هذا القرن “أن يكون المدنيون محاصرين إلى هذا الحد، دون أي وسيلة أو خيار للهروب لإنقاذ أنفسهم وأطفالهم”.
ودعا المقال زعماء العالم، وخاصة حكومة الولايات المتحدة، لتغيير نهجها لانتشال غزة من هذه الهاوية، بدءا بوقف تدخلاتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة، وعرقلة الدعوات لوقف إطلاق النار، لأن المناطق القليلة المتبقية في غزة التي لم يصلها القصف تتقلص كل ساعة، ليصبح الآن أكثر من 80% من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نازحين.
وليس القصف هو الشيء الوحيد الذي يقطع حياة الناس بوحشية، إذ أدى الحصار إلى ندرة حادة في الغذاء، وانقطاع الإمدادات الطبية والكهرباء، ونقص المياه النظيفة، ولا تكاد تتوفر أي رعاية طبية في القطاع، حيث يعمل الجراحون على ضوء هواتفهم المحمولة دون تخدير، مستعملين مناشف الأطباق كضمادات، وحيث يتزايد خطر حدوث موجات من الأمراض المعدية في ظل الظروف المعيشية والاكتظاظ.
لن يكون هناك اليوم التالي
ومع أن ما وصل إلى غزة من المساعدات المطلوبة ضئيل خلال الشهرين الماضيين منذ بدء الحرب، وحتى لو سمح بدخول المزيد، فإن “العمل في غزة يعتمد على ضمان قدرة فرقنا على التحرك بأمان، ولكن موظفينا ليسوا آمنين. يخبروننا أنهم يتخذون القرار بالبقاء مع عائلاتهم في مكان واحد حتى يموتوا معا أو حتى يبحثوا لهم عن الماء والطعام”.
وأشارت المجموعة إلى حديث القادة في واشنطن المستمر عن الاستعداد “لليوم التالي”، ولكن إذا استمر هذا القصف والحصار بلا هوادة، فلن يكون هناك “اليوم التالي” في غزة، بل سيكون الوقت متأخرا جدا، لأن مئات الآلاف من الأرواح معلقة اليوم.
وختم المقال بأن الأحداث المروعة التي تحدث أمام العالم إذا لم يتغير، سوف تكون بداية إرث من اللامبالاة في مواجهة معاناة لا توصف، ومن التحيز في تطبيق قوانين النزاع، ومن إفلات الجهات الفاعلة التي تنتهك القانون الإنساني الدولي من العقاب.