يقول بعض المراقبين إن حرب غزة ليست مشكلة كبيرة في الحملة الانتخابية الأميركية عام 2024، ولكن الحقيقة هي أنها كارثة سياسية كاملة بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن، وأفضل شيء يمكن أن يفعله، إن لم يكن من أجل إنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح البريئة المعرضة للخطر، فمن أجل مصلحته الخاصة، هو تحريك السماء والأرض لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن.
هذه الجملة تلخص مقالا لجوشوا كوهين بمجلة “ذا نيشن” الأميركية، أوضح فيه أن بايدن يحتاج إلى القيام بشيء ما، لإقناع الناس بأن أميركا لديها ربان يقود سفينتها.
وأشار الكاتب إلى وجود كثير من التناقضات في انتخابات 2024، فمن ناحية يبدو أن استطلاعات الرأي تشير إلى ما ليس أقل من ثورة جمهورية، إذ يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترامب يتقدم بشكل مستمر على مدى الأشهر الثمانية الماضية، في استطلاعات الرأي الوطنية وفي الولايات المتأرجحة الحاسمة، مما قد يمنحه فوزا سهلا ويجعله أول جمهوري يفوز بالتصويت الشعبي منذ جورج بوش الابن عام 2004.
ولكن في الوقت نفسه، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا، أن المرشحين الديمقراطيين لمجلس الشيوخ شهدوا تقدما قويا في نفس الولايات، مما قد يمنحهم نصرا تاريخيا على الحزب الجمهوري في سنة كان من المفترض أن تكون سيئة.
إيقاف نتنياهو
لذلك، أصبح السؤال السائد في الحملة قبل أقل من 6 أشهر على يوم الاقتراع، هو “لماذا لا يتمتع بايدن بشعبية كبيرة مثل حزبه؟” ليرد الكاتب بأن الجواب بسيط بالنسبة للكثيرين في اليسار، وهو “غزة”، لأن بايدن، من بين جميع أعضاء حزبه، يقف وحيدا في درجة تواطئه مع الحملة الإسرائيلية التي لا يمكن الدفاع عنها أخلاقيا ولا تحظى بتأييد شعبي.
رفض بايدن -كما يقول الكاتب- أن ينأى بنفسه عن الحرب رغم ارتفاع عدد القتلى إلى مستويات لا يمكن تصورها، ورغم تصدر الروايات المروعة عن الانتهاكات الإسرائيلية عناوين الأخبار اليومية، مما تسبب في انخفاض دعمه بين الناخبين الشباب والناخبين الملونين، وهما دائرتان انتخابيتان ديمقراطيتان أساسيتان.
وكل هذا يزيد من إلحاح ما يريده الناس من إنهاء الحرب، حتى إنه ليقال إن إيقاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لن ينقذ أرواحا لا حصر لها فحسب، بل سينقذ أيضا الرئاسة، وبالتالي الديمقراطية الأميركية ذاتها، ولكن البعض يعترض على هذا التفسير، ويرى أن أولوية الناخبين الشباب والناخبين الملونين هي للقضايا المحلية، لا سياسة بايدن في غزة.
الجاني الحقيقي
وعندما أعلن بايدن ترشحه قبل عام، كان من المسلم به أن صراعه الأكبر هو الاقتصاد، لكن هذا الافتراض خطأ -حسب الكاتب- والحقيقة هي أنه على الرغم من سوء بعض جوانب الاقتصاد في عهد بايدن فإن ذلك لم يكن السبب وراء انخفاض شعبيته في البداية، بل كان الجاني الحقيقي على بايدن هو سجله في السياسة الخارجية.
وذكر الكاتب بأن الهالة التي كانت حول بايدن في حملته الانتخابية لعام 2020، كانت تدور حول فكرة أنه رجل دولة كبير السن قادر على إدارة دور أميركا في العالم بطريقة لم يستطع ترامب أبدا أن يفعلها، وحدد هذا المفهوم كل جانب من جوانب شخصية بايدن العامة، وجعله يتمتع بشعبية أكبر من معظم أعضاء حزبه.
ولكن تلك الهالة -كما يقول الكاتب- اختفت منذ فترة طويلة، ولم يكن الاقتصاد هو الذي بدأ في تدميرها، بل انهيار الحكومة الأفغانية في أغسطس/آب 2021، هو الذي منح بايدن شرف رئاسة نهاية حرب خاسرة وحطم الغموض الذي أكسبه الرئاسة في عام 2020، وفكرة أنه رجل دولة ذو خبرة وكفاءة.
وهم بلغ حد التطرف
لذلك، يقول جوشوا كوهين، كان قيام أزمة ضخمة أخرى في السياسة الخارجية من أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث لبايدن على الإطلاق في الفترة التي سبقت إعادة انتخابه، لأن ذلك عزز التصورات الأكثر ضررا لدى الناخبين عنه، ولكن فريقه رفض هذا الجانب مما يعرضهم للخطر، لأنهم بقوا غير مبالين بضعف الرئيس فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مع أن قضية غزة أعمق بكثير من أي قضية أخرى.
وأضاف أن الوهم بلغ بهذا الشأن حد التطرف لدرجة أن البيت الأبيض اعتبر غزة بمثابة رصيد من شأنه أن يسمح لبايدن بمقارنة نفسه بشكل إيجابي مع ترامب، مع أن الأمر ليس مطلقا كذلك، كما يرى جوشوا كوهين.
وخلص الكاتب إلى أن الناخبين لا يرون بايدن من خلال الحرب، شخصية قوية وموثوقة، بل يرونه رئيسا غائبا غير كفء أثبت أنه غير قادر على إدارة البلاد، ناهيك عن العالم، ومع كل شهر تستمر فيه الحرب، ومع كل شيك بقيمة مليار دولار يتم إرساله إلى الخارج، يزداد هذا التصور سوءا، مما يقنع عددا صغيرا، ولكن له معنى، من الناخبين بأن بايدن لا ترامب، هو الأكثر خطورة بين الخيارين السيئين.