خبير فرنسي بالشرق الأوسط: هذا ما تفعله فلسطين بالعالم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

قال موقع “أوريان 21” إن حرب إسرائيل على غزة تكشف أكثر من أي وقت مضى إفلات تل أبيب التام من العقاب والدعم غير المشروط الذي تقدمه أغلبية القوى الغربية لها.

ويلفت إلى أن هذه الحرب لعبت في فرنسا بالذات دور المسرّع في خطاب المواجهة الحضارية مع ما يسميه البعض “البرابرة”، في سردية يرد عليها المختص بالشرق الأوسط آلان غريش في كتاب جديد “فلسطين.. شعب لا يريد أن يموت”.

وآلان غريش، هو مدير موقع أوريان 21، وهو نفسه صاحب المقال الحالي، وقد اختار أن يستهله بجمل من موعظة ألقاها القس منذر إسحاق، راعي الكنيسة اللوثرية في بيت لحم بمناسبة عيد الميلاد 2023.

يذكر القس في تلك الموعظة أن الحرب الإسرائيلية على غزة أظهرت أن العالم لا يعتبر الناس متساوين، ربما بسبب لون البشرة، وربما بسبب التموقع في الجانب الخطأ من المعادلة السياسية، ولذلك إذا تطلّب الأمر قتل 100 فلسطيني لهزيمة “مسلح” واحد من حماس فليكن.

وهذه الموعظة -كما يقول القس- موجهة إلى “أولئك الذين يحتفلون بأعياد الميلاد بإرسال القنابل إلينا”.

ويذكر أن الولايات المتحدة، التي توفر القنابل والذخائر لسحق غزة بلا حساب، قررت بعد ذلك بـ3 أشهر إنزال الغذاء بالمظلات لضحايا هذه القنابل والذخائر نفسها، في مشهد أقرب ما يصوره كاريكاتير يظهر الصواريخ والخبز الفرنسي، وهما يتساقطان على غزة.

وبالتالي، يقول غريش إن غزة كشفت عن وجهين للغرب، وجه للسلام وحقوق الإنسان والعالمية، ووجه آخر للمجازر والإبادة الجماعية والعنصرية.

ويختم منذر إسحاق كلامه قائلا “إلى أصدقائنا الأوروبيين، لا أريد بعد الآن أن أسمعكم تعطونا دروسا في حقوق الإنسان أو القانون الدولي.. نحن لسنا بيضا.. والقانون لا ينطبق علينا وفقا لمنطقكم (الذي يحول) المستعمِر إلى ضحية والمستعمَر إلى معتدٍ”.

احتضار فكرة

ويضيف غريش أن هذا هو المنطق ذاته الذي لجأ إليه رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم وهو يرد، خلال مؤتمر صحفي مشترك في مارس/آذار 2024، على خطاب هادئ للمستشار الألماني أولاف شولتس، الذي تدعم حكومته دون مواربة السياسة الإسرائيلية، وتجرم التضامن مع فلسطين.

إبراهيم قال بالحرف “لا يمكنك إيجاد حل من خلال الانحياز إلى هذا الحد، والتركيز على قضية معينة ومحو 60 عاما من الفظائع. الحل ليس فقط تحرير المحتجزين ماذا عن المستوطنات؟ وماذا عن أعمال المستوطنين المستمرة يوميا؟ ماذا عن انتزاع ممتلكات (الفلسطينيين)؟ ماذا عن أرضهم، حقوقهم، كرامتهم، رجالهم، نسائهم، أطفالهم؟ هذا لا يعنينا؟ أين ذهبت إنسانيتنا؟ لماذا هذا النفاق؟”

ويمضي غريش، فيلفت إلى أن الحرب الأوكرانية قد أوضحت الفجوة بين الشمال وبقية العالم الذي لا يمكن أن يقبل بالتضامن مع كييف باسم “القانون الدولي” من قبل أولئك الذين ينتهكون هذا القانون عندما يكون ذلك مناسبا لهم، وبالتالي فإن غزة مثلت مرحلة مظلمة من هذا الانحدار الطويل إلى الجحيم، حيث لا منطق إلا مع الأقوى.

ويورد غريش تحذيرا أطلقه بيتر هارلينغ، مدير سينابس، وهو مركز أبحاث متخصص في البحر الأبيض المتوسط مقره في بيروت، قال فيه إنه يخشى أن تكون القطيعة بين أوروبا والعالم العربي قد تحولت إلى قطيعة في التواصل اهتزت بسببها فكرة أن أوروبا تمثل قيم الحقوق العالمية.

 

برابرة الداخل

وباعتباري مراقبا -يقول غريش- منخرطا لمدة 50 عاما في تطورات منطقة قريبة جدا من القارة القديمة جغرافيا وإنسانيا أيضا، ويربطها بها تاريخ طويل، بما فيه من جوانب مظلمة، لا يسعني إلا أن أسجل بمرارة هذا الطلاق.

وتساءل الكاتب هل يدرك القادة الأوروبيون ذلك، وهم يذهبون إلى حد فرض عقوبات على المنظمات غير الحكومية في الجنوب لإدانتها العدوان الإسرائيلي، وهي منظمات يقودها “أصدقاؤنا” الديمقراطيون العرب الذين كانوا رأس حربة ثورات عام 2010، ويدافعون عن حقوق الإنسان التي نطالب بها؟

ها هي أوروبا تحشد جهودها ضد معاداة السامية، ولكنها تغض الطرف عن الإسلاموفوبيا، وتصطف خلف أطروحات اليمين المتطرف، وفي كل مكان منها، وخاصة في فرنسا، تتصاعد الحملة ضد “البرابرة” في الداخل، والمسلمين المتهمين “بالانفصالية”، والمتواطئين المفترضين مع الإرهابيين.

ولا يدور أي نقاش جدي في فرنسا حول هذه الفجوة الآخذة في الاتساع -حسب الكاتب- لا بين الساسة ولا بين المثقفين ولا في وسائل الإعلام، لأننا منذ 11 سبتمبر، حبسنا أنفسنا في رؤية مؤلمة للعالم مبنية على الخوف من “البرابرة”، لأننا نرى -حسب قوله- المستقبل فقط على أنه حرب بين الغرب و”بقية العالم”، “حرب العوالم” القائمة على فكرة متعجرفة مفادها أننا نمثل “الحضارة” وقادرون على تحرير أنفسنا من القانون الدولي للقتال ضد “الشر”.

وختم آلان غريش كتابه “إسرائيل وفلسطين” عام 2003 -كما يقول- بسردية تحكي قصة شمشون، أحد أبطال كفاح الشعب اليهودي ضد الفلسطينيين.

ويقول إن أعداءه أسروه وأخذوه إلى غزة، ثم جاؤوا ذات يوم ليلعبوا معه، فتحسس شمشون العمودين الأوسطين اللذين يرتكز عليهما الهيكل، فاستند إليهما بذراعيه، وقال “لأموت مع الفلسطينيين”، ثم تمطط بقوة فانهار الهيكل على الطغاة وعلى كل الشعب الذي كان هناك، وكان القتلى الذين قتلهم بموته أكثر من الذين قتلهم خلال حياته.

وكنت أخشى، يقول غريش، أن يؤدي استمرار هذا الاحتلال إلى دفع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الهاوية، وقد تأكدت مخاوفي بشكل لا يصدق، فبعد مرور 30 عاما، يهدد سقوط الهيكل بابتلاعنا جميعا، في الجنوب وفي الشمال.

ويضيف غريش أن ما أراد أن يبينه هو أن مستقبل العلاقات الدولية ميدانه غزة، وهناك طريقان، إما حرب أبدية يحكمها قانون الغاب بين جهات فاعلة لكل منها مصالحها الخاصة التي تدافع عنها ولا يهمها سوى تحقيق النصر، وإما إعادة تأسيس النظام الدولي على أساس القانون، كما تدعونا قرارات محكمة العدل الدولية بشأن غزة، وهو طريق ضيق بالتأكيد، ولكنه الوحيد الذي يسمح لنا بتجنب الصراع، وفقا للكاتب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *