لندن– حوّل الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات في قطاع غزة إلى هدف رئيسي لعدوانه على القطاع، فحاصرها وقصفها واستهدف طواقمها الطبية والمدنيين الذين لجؤوا إليها، وكل هذا تحت ذريعة وجود أهداف عسكرية ومراكز قيادة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، تحت هذه المستشفيات.
ورغم عجز الاحتلال عن إثبات أي من ادعاءاته، فإنه ما زال مصرا على تدمير البنية الصحية في قطاع غزة، أمام صمت العالم والمؤسسات الدولية، ليبقى السؤال ماذا يقول القانون الدولي عن استهداف المستشفيات خلال الحروب؟ وما الاتفاقيات الدولية التي تحمي المستشفيات الصحية؟ وما العقوبات التي قد تطال مرتكبي الاعتداءات على المستشفيات؟
الجزيرة نت طرحت هذه الأسئلة على المحامية البريطانية والخبيرة في القانون الدولي “إيلورا شودهوري”، المستشارة القانونية في مركز العدالة من أجل فلسطين “آي سي جيه بي” (ICJP) في بريطانيا، وفيما يلي أجوبتها.
- ما الاتفاقيات الدولية والقوانين التي تحمي المستشفيات خلال فترات الحروب؟
تعتبر المستشفيات والمرافق الصحية، أماكن مدنية ولها حماية خاصة في القانون الدولي الإنساني أو “قانون الحرب”، وحسب القانون الدولي، فإن هذه المستشفيات يجب أن يتم احترامها وحمايتها وعدم استهدافها تحت أي ظرف من الظروف.
وحسب اتفاقية جنيف الرابعة التي تغطي كيفية حماية المدنيين خلال فترة الحروب، فإنها توسع مفهوم المرافق الطبية لتطال كل البنايات التي يوجد فيها مصابون أو مرضى، وتتم العناية بهم، وليس فقط المستشفيات، وحسب المادة 18 من هذه الاتفاقية، فإنها تنص على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفا للهجوم، بل يجب على أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.
وحسب الاتفاقية نفسها، فإن أي خرق لحماية هذه المؤسسات الصحية، من خلال هجمات تؤدي لمفاقمة معاناة الموجودين في هذه المؤسسات، أو تتسبب في إصابتهم أو جرحهم تعتبر خرقا خطيرا للقانون الدولي أو جريمة حرب، ويمكن أن تؤدي بمن يقترفها إلى مواجهة تهم جنائية حسب القانون الدولي.
وحسب البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف سنة 1977، فهناك بنود تنص على حماية المستشفيات، حيث تنص المادة 12 على أن “الوحدات الطبية يجب أن تكون محمية، ويتم احترامها في جميع الأوقات، ولا يمكن استهدافها تحت أي ظرف”.
وحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المادة 8 منها تنص على “الهجوم المتعمد ضد مستشفيات وأماكن يوجد فيها أشخاص مرضى وجرحى، ولا يوجد دليل أنها أهداف عسكرية يعتبر جريمة حرب”.
- على افتراض وجود هدف عسكري داخل المستشفيات هل يسمح القانون الدولي باستهدافها؟
تصبح المستشفيات والوحدات الصحية خارج حماية القانون الدولي فقط “إذا تم استخدامها خارج وظيفتها الإنسانية واستعمالها لاستهداف العدو” وذلك حسب المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة وحسب المادة 13 من البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف، ويشمل هذا الأمر “استخدام المستشفى كمأوى للمقاتلين أو الهاربين، أو كمخزن للأسلحة أو الذخيرة”.
ومع ذلك، حتى لو استخدمت القوات المسلحة المستشفيات بشكل غير قانوني لإخفاء المقاتلين أو تخزين الأسلحة، فيجب على أي جيش مهاجم أن يصدر تحذيرا مباشرا للمقاتلين، مما يتيح لهم الوقت الكافي للامتثال لوضع حد لأي سوء استخدام، إذا كان هناك أي شك وعدم يقين لدى الجيش المهاجم، فلا يجوز مهاجمة المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى.
ولا يمكن لأي طرف أن يجبر مستشفى بأكمله يعالج المرضى والجرحى على الإخلاء، ولا يُسمح لأي طرف بالهجوم إلا بعد عدم الاستجابة للتحذير. كما يتعين عليهم إثبات أن المقاتلين كانوا لا يزالون موجودين داخل المستشفى قبل أي هجوم، يجب أن يتوافق أي هجوم مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني المتمثلة في التناسب والتمييز والحذر.
والتناسب يعني أن أي خسارة في أرواح المدنيين يجب أن تكون متناسبة مع الميزة العسكرية المكتسبة. فالهجمات التي تكون فيها الخسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم مفرطة مقارنة بالمكاسب العسكرية الملموسة والمباشرة هي هجمات غير متناسبة، وتصبح المخاوف بشأن الهجمات غير المتناسبة أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالمستشفيات، لأنها مليئة بالأشخاص الضعفاء والمرضى والجرحى، وحتى الهجوم البسيط يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على حياة المرضى أو موتهم.
أما التمييز، فيعني أنه يجب على أطراف النزاع في جميع الأوقات التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. ولا يجوز توجيه الهجمات إلا ضد الأهداف العسكرية.
- حسب القانون الدولي هل يمكن تصنيف استهداف المستشفيات كجريمة حرب؟
نعم هي جريمة حرب حسب المادة 8 من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لسنة 1998، والذي وضع لائحة بجرائم الحرب، ومنها “الاستهداف المتعمد والمباشر للمستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها أشخاص مرضى أو الجرحى، والتي لا يوجد فيها أي هدف عسكري”.
- كيف يمكن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم الدولية؟
نعم يمكن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية، ويمكن محاكمة قادة هذه الهجمات، أو من أمر بتنفيذها إذا توفرت أدلة واضحة على استهداف المستشفيات بشكل متعمد وهي خالية من أي هدف عسكري، وقد فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في الوضع في فلسطين عام 2021، ولها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية -غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية- منذ 13 يونيو/حزيران 2014.