القدس المحتلة- تسابق إسرائيل الزمن لمواصلة التوغل في الجنوب السوري وفرض وقائع جديدة بالمناطق العازلة على طول خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، حيث وسّع الجيش الإسرائيلي توغله بالجهة الغربية لقرية المعلقة في القنيطرة.
وتزامن التوغل العسكري الجديد مع إنجاز تل أبيب مشاريع بنى تحتية وشق طريق يمتد من خط وقف إطلاق النار باتجاه الدرعيات العسكرية في الأراضي السورية، وهو ما يعكس توجه إسرائيل للتوسع بالتوغل نحو مناطق أخرى تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي وإحباط أي تهديدات مستقبلية لها.
ويرى محللون أن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية يحمل في طياته أهدافا معلنة تسوّغها تل أبيب بالإستراتيجية الأمنية، وأخرى سرية تعكس أطماعها في موارد المياه السورية، ومشروعها القديم الجديد المرتبط بتفكيك وحدة سوريا وتقسيمها إلى دويلات للأقليات، مع ضمان حصولها على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنه سيكون مطلوبا الحفاظ على “منطقة سيطرة” بعمق 15 كيلومترا داخل الأراضي السورية، إذ سيحافظ الجيش الإسرائيلي على وجوده، لضمان عدم تمكن الموالين للنظام الجديد من إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان، بحسب ما نقلت عنهم صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وتتطلع تل أبيب إلى خلق “مساحة نفوذ” بعمق 60 كيلومترا داخل سوريا، إذ سيكون لإسرائيل سيطرة استخباراتية، لضمان عدم تطور أي تهديد لها مستقبلا، وذلك في ظل حديث مسؤولين ومحللين إسرائيليين عن مخاوف سيناريو مواجهة عسكرية بين الجيش الإسرائيلي والقوات التركية بالأراضي السورية.
هواجس ومخاطر
وفي قراءة للأهداف الإسرائيلية من وراء التوغل، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن هذه التوغلات جاءت على خلفية الوضع الحالي في سوريا بسقوط النظام السابق ووجود إدارة جديدة لا توجد لها سيطرة تامة على الوضع من الناحية العسكرية الميدانية أو حتى السياسية من وجهة النظر الإسرائيلية.
واستعرض شلحت للجزيرة نت الأهداف الإسرائيلية المعلنة من هذا التوغل، والتي تتمحور بالأساس حول تدمير ترسانة الجيش السوري، إذ أظهرت تقارير متطابقة وجود ترسانة لا بأس بها وعدد من منظومات الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية، وهي أسلحة وذخيرة تعتبرها تل أبيب إستراتيجية وتخشى أن تقع في أيدي جهات أخرى، لذا تقوم بتدميرها.
ويقول شلحت “على ما يبدو، فإن هذه الترسانة -وبحسب تقديرات إسرائيلية- امتنع النظام السابق عن استخدامها ضد إسرائيل التي رأت بسقوطه فرصة للقضاء عليها وتدميرها، وأيضا إضعاف الإدارة الجديدة عسكريا، وبذلك تتجنب أي تهديدات أو مخاطر مستقبلية”.
ويعتقد الباحث أن الهدف الأهم بالنسبة لإسرائيل من التوغل هو إغلاق منطقة الحدود السورية اللبنانية، ومنع نقل شحنات الأسلحة التي مصدرها إيران أو تصنع في سوريا إلى حزب الله، وذلك ضمن تطلّع تل أبيب إلى حسم الصراع مع المقاومة في لبنان حتى لو كان الثمن هو شن حرب لبنان الرابعة، بحسب ما يرشح من قراءات وتصريحات للإسرائيليين.
وتعكس هذه القراءات -بحسب شلحت- عدم ثقة إسرائيل بقدرة الجيش اللبناني على نزع سلاح حزب الله والسيطرة على جنوب لبنان “بحيث إن المقاربة الأمنية الإسرائيلية باتت أكثر وضوحا بعد طوفان الأقصى، وتتلخص في عدم الاعتماد على أي كان بالقضاء على التهديدات لأمنها القومي”.
وتطرق شلحت إلى المزاعم الإسرائيلية حيال الهواجس من سيناريو وقوع مواجهة عسكرية مع تركيا في الأراضي السورية بالقول إن “هذا كان حاضرا حتى قبل سقوط نظام الأسد، خصوصا أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب شهدت توترات حتى قبل الحرب على غزة، وبالتالي لا يمكن الجزم بحقيقة مثل هذ المواجهة العسكرية”.
أطماع ومخططات
وإلى جانب الأهداف المعلنة التي استعرضها شلحت، ثمة أهداف غير معلنة من التوغل في الأراضي السورية تتلخص بالسطو على مصادر المياه والآبار والينابيع في الجنوب السوري ومحافظة القنيطرة، وتحويل مجراها إلى المستوطنات الإسرائيلية بالجولان المحتل، بحسب تقديرات المحلل السياسي مجيد القضماني.
وكشف القضماني -وهو من سكان بلدة مجدل شمس عند خط وقف إطلاق النار في الجولان- للجزيرة نت النقاب عن إجراءات للجيش الإسرائيلي خلال عمليات التوغل تتمثل في القيام بشق طرقات وحفر أنفاق وتمديدات لخطوط المياه في الجنوب السوري والقنيطرة وجبل الشيخ، وهي مناطق غنية بالموارد الطبيعية ومنابع المياه.
وشكك المحلل السياسي بما تروج له إسرائيل بأن عمليات التوغل في المنطقة العازلة والجنوب السوري تأتي في سياق الإستراتيجية الأمنية لتل أبيب بالقضاء على أي تهديد مستقبلي، مرجحا أن عمليات التوغل تندرج في سياق الأمن المائي لإسرائيل والأطماع بالموارد والمقدرات السورية، علما أن المنطقة تضم عشرات الآبار وسدود المياه التي تتم سرقتها.
وحيال هذه الأطماع، يقول القضماني إنه “لا يوجد أي وزن عسكري وأمني للمناطق السورية التي تتوغل فيها إسرائيل”، وهي المناطق التي لها امتداد جغرافي مع الجنوب اللبناني، والتي تقع أيضا في محط أطماع الجانب الإسرائيلي الذي يروج ويسوّق لذلك تحت غطاء الهواجس الأمنية، في حين أن حقيقة الأهداف الخفية هي السيطرة على مصادر المياه بالمنطقة.
وإلى جانب هذه الأطماع والمشاريع، يقدر المحلل السياسي أن تل أبيب ليست سعيدة بسقوط نظام الأسد وصعود إدارة جديدة للحكم مدعومة من تركيا وتحظى بدعم دولي وإقليمي، بحيث إن الاستقرار في سوريا لا يتلاءم مع المخططات والرغبات الإسرائيلية التي تعول على تأزم الأوضاع والعلاقات السورية الداخلية وتفكيك وحدة سوريا.
ويعتقد المحلل السياسي أن “إسرائيل تسابق الزمن من خلال هذه التوغلات، وتسعى إلى فرض أمر واقع في الميدان بغية تحقيق مشروعها القديم الجديد بتقسيم سوريا إلى دويلات للأقليات”، لكنه استبعد نجاح هذا المشروع، ورجح أن تل أبيب ستتعرض مستقبلا لضغوطات دولية وإقليمية تجبرها على الانسحاب من المناطق التي توغلت فيها.