واشنطن- يمثل ضرب إسرائيل عرض الحائط بكل “النداءات” الأميركية الداعية إلى تخفيف وطأة وكثافة هجماتها على جنوب قطاع غزة دليلا إضافيا على غياب أي رغبة جادة من إدارة الرئيس جو بايدن للتأثير بمسار التطورات في غزة، والاكتفاء بردود أفعال لا تؤثر في خطط إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض.
ومنذ بداية عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من عدوان غير مسبوق على غزة، خلّف حتى الآن استشهاد 15 ألفا و899 شخصا، وإصابة 42 ألفا آخرين، وتدمير كل مرافق الحياة، يؤيد البيت الأبيض ما يراه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وواجبها في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ومثّل التصعيد الإسرائيلي منذ انتهاء الهدن المؤقتة بزيادة وتيرة الهجمات على جنوب غزة كما وكيفا، إلى جانب الاقتحام البري، مفاجأة لإدارة بايدن التي توقعت أن تستمع إسرائيل لنداءاتها بمراعاة تخفيض أعداد الضحايا من المدنيين.
مجرد أقوال
وأصدر عدد من أركان إدارة بايدن تحذيرات للمسؤولين الإسرائيليين بشأن طريقة شنهم الهجمات العسكرية، وتمثل تصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة بعضا من أقوى التحذيرات حتى الآن، إلا أنها توقفت عند هذا الحد ولم تتحول إلى موقف أو فعل سياسي في هذا الاتجاه.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر مدير مؤسسة “دراسات دول الخليج” جورجيو كافيرو، أنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي لم يلحظ أي تغيير في موقف إدارة بايدن تجاه هذه الأزمة.
وقال “أعربت إدارة بايدن عن آراء تُظهر أن البيت الأبيض أقل انحيازا لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنها مجرد آراء، وإذا لم تستخدم واشنطن نفوذها للضغط على تل أبيب لتغيير سلوكها، فأنا أشك في أن هذه الخلافات بين فريق بايدن وحكومة نتنياهو ستؤدي إلى أي تغيير في سلوك إسرائيل”.
وفي تصريح للجزيرة نت، أشار الأستاذ بقسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا جوناثان أكوف، إلى أن احتمال تحقيق وقف إطلاق نار “ضئيل”؛ “فلدى نتنياهو حوافز قوية لمواصلة القتال، حيث يعتمد مستقبله السياسي في جزء كبير منه على سحق حماس”.
ويضيف أنها “شروط النصر التي وضعها نتنياهو في بداية القتال. ومن المؤكد أن حماس كذلك، وهي التي تفضل وقف إطلاق النار لإعادة تشكيل قواتها، إلا أنها مثل نتنياهو، يعتمد مستقبلها السياسي على استمرار الصراع بشكل ما وليس السعي إلى السلام”، حسب تقديره.
ويتابع أكوف “وأخيرا، هناك رغبة إقليمية ودولية قليلة لنشر قوة متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في المنطقة للفصل بين الأطراف المتحاربة، والإشراف على إعادة الإعمار، والمساعدة في رسم مسار سياسي إلى الأمام. هذا السيناريو فشل في لبنان عام 1983، وليس مرجحا نجاحه في غزة سنة 2024″.
مواقف متناقضة
وقال إن إدارة بايدن تحاول موازنة عدة مواقف متناقضة في آن واحد، فمن ناحية أكدت دعم إسرائيل للقضاء التام على حركة حماس، إلا أنها تمدها بما تحتاج من أسلحة وذخيرة، وتطالبها في الوقت ذاته بمراعاة المدنيين والعمل على عدم سقوط ضحايا بأعداد كثيرة مع السماح بتدفق المساعدات الإنسانية.
وأضاف الخبير الاستخباراتي “يعرقل موقف بايدن كذلك ما نراه من ضغط سياسي متزايد من داخل الحزب الديمقراطي لاتباع نهج أكثر إنصافا مع أطراف النزاع. ومما يُعقد هذا الأمر بعض مظاهر الدعم العلنية للفلسطينيين التي شملت العديد من أعضاء الحزب وبدا أنها تؤيد هجمات حماس العنيفة على المدنيين أو هدفها النهائي؛ تدمير دولة إسرائيل”.
ومنذ انتهاء الهدن الإنسانية، يستخدم الجيش الإسرائيلي كميات غير مسبوقة من القوة النارية في هجماته على جنوب قطاع غزة خاصة، ويبدو واضحا أن هذا الجيش يتجاهل الخسائر في صفوف المدنيين أكثر مما كان عليه من قبل، يضيف الخبير أكوف.
ويقول إن “هذه الوحشية لا ترضي الكثيرين في الولايات المتحدة، وتكشف عن انقسامات في السياسة الأميركية يصعب إدارتها، في وقت يتأكد فيه أن إدارة بايدن تتفاعل فقط مع الأحداث حتى الآن، ولا تشكّلها”.
من جانب آخر، استغرب الأستاذ بجامعة ميرلاند والخبير بمعهد بروكينجز بواشنطن شبلي تلحمي، من استمرار دعم بايدن حكومة نتنياهو على الرغم من كل ما تقوم به من قتل وترويع للمدنيين، وهو ما يضر بمصالح واشنطن في المنطقة.
وأشار إلى كلمة نائبة الرئيس كامالا هاريس في دبي حيث عبرت عن صدمتها من حجم الخسائر المدنية في غزة، وقالت إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن يجب احترام القانون الدولي والإنساني، لقد قُتل الكثير من الفلسطينيين الأبرياء، بصراحة، حجم معاناة المدنيين، والصور ومقاطع الفيديو القادمة من غزة، صادمة”.
وعلّق تلحمي على كلمتها في تغريدة على منصة “إكس” وأكد أن “التدفق المستمر للأسلحة الأميركية المدمرة يتحدث بصوت أعلى من الكلمات”.
انتقادات سرية
وأشار المحاضر المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن نيد لازاروس، إلى وجود تقارير تفيد بأن إدارة بايدن جادلت بقوة مع المسؤولين الإسرائيليين في اجتماعات مغلقة لزيادة المساعدات الإنسانية وانتقدت نطاق الخسائر الفلسطينية في العمليات العسكرية الأخيرة، لكن ذلك لم يؤد إلى أي تغيير في السياسة العامة.
وفي حديث للجزيرة نت، قال لازاروس إن “هناك أيضا مؤشرات واضحة على نزاع محتمل بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن حكم غزة بعد الحرب إذا نجحت إسرائيل في إزاحة حماس من السلطة”.
وفي هذه الحالة، يضيف “تصر الحكومة الأميركية على ضرورة تولي السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة القطاع، في حين رفض نتنياهو هذا الاحتمال”.
ومع ذلك، يقول لازاروس، من الممكن أيضا أن يتم عزل نتنياهو من السلطة من قبل الخصوم السياسيين والناخبين الإسرائيليين، الذين يعبرون في استطلاعات الرأي ووسائل الإعلام عن غضب واسع النطاق من فشل حكومته في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر وفشلها في الرد بشكل فعال بعد ذلك.