بيروت- قفزت إسرائيل إلى مرحلة ساخنة من التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، إثر غارة للمقاتلات الحربية يوم الأحد، أدت إلى تدمير مربع سكني في بلدة عيترون الحدودية، وذلك بعد 3 أيام من استهداف شبيه في عيتا الشعب، إضافة إلى غارات إسرائيلية استهدفت قرى حدودية جنوبية، مع تحليق كثيف لمقاتلاتها وبعلو منخفض، بإطار عمليات إسرائيلية هي الأعنف منذ حرب تموز 2006، في حين يواصل حزب الله عملياته نحو أهداف عسكرية إسرائيلية مركزة.
وواصلت إسرائيل تصعيدها ضد حزب الله الاثنين، حيث اعترضت منظومة القبة الحديدية 6 صواريخ من لبنان باتجاه مستوطنات بالجليل الغربي، وقصفت أطراف بلدات زبقين ويارين ومروحين والجبين وشحين الحدودية جنوب لبنان.
ولعل من أهم مؤشرات التصعيد أيضا، هو استهداف إسرائيل عدة مرات لمراكز الجيش اللبناني مما أدى إلى استشهاد عريف وجرح نحو 4 عسكريين، وسقوط قذائف قرب مراكز قوات اليونيفيل جنوب الليطاني الخاضع للقرار 1701.
ومع خلو المستوطنات الإسرائيلية الشمالية من عشرات آلاف المستوطنين، وكذلك مع نزوح آلاف المدنيين من القرى الجنوبية الحدودية بلبنان، يتساءل مراقبون إذا كانت إسرائيل تسعى لتحويل هذه المساحات إلى مناطق عسكرية عازلة.
وواقع الحال، يأتي التصعيد الإسرائيلي ردا على العمليات النوعية التي ينفذها حزب الله، وتسببت منذ انتهاء الهدنة في قطاع غزة في 3 ديسمبر/كانون الأول، إلى سقوط ما لا يقل عن 40 جريحا في جيش الاحتلال، في حين ترجح التقديرات العسكرية سقوط عدد أكبر من جرحى وقتلى الجيش، وأن إسرائيل لا تصرح عن كامل خسائرها.
ويعتبر خبراء أن إسرائيل التي ما زالت عاجزة عن تحقيق انتصار عسكري ضد حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، تسعى لتكثيف عملياتها جنوب لبنان كما ونوعا لاستدراج حزب الله للمبادرة بالحرب، بحثا عن مخرج لها من غزة، خصوصا مع تداول معطيات أن واشنطن منحتها مهلة لجولتها الأولى في الحرب حتى نهاية العام الحالي.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يقرأ في خلفيات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي، كل من الخبير العسكري ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث العميد المتقاعد هشام جابر، والكاتب والمحلل السياسي داود رمال.
تصعيد واستدراج
ميدانيا، يجد جابر أن لبنان أمام تصعيد عسكري مستمر ما دامت الحرب مشتعلة بغزة. والمفارقة برأيه، أن حزب الله ملتزم بقواعد الاشتباك الجديدة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لجهة مساحة النار واستهداف القواعد العسكرية. في حين، تصعد إسرائيل نوعية وأهداف عملياتها، عبر استهداف الجيش اللبناني وقتل عدد كبير من المدنيين وقصف مناطق مأهولة، بينما حزب الله يضرب مقرات جيش الاحتلال بعدما تحولت المستوطنات الشمالية لمعسكرات إسرائيلية.
ويقول “إن ضرب إسرائيل لحي مأهول في عيترون رسالة بأنها مستعدة لتكرار سيناريو غزة بلبنان، خصوصا أن تهديدات قادة الحكومة الإسرائيلية لحزب الله بتدمير لبنان لا تتوقف”.
كذلك يرى رمال، أن لبنان أمام تصعيد خطير جنوبا، وفيه مسعى إسرائيلي لكسر قواعد الاشتباك وتوسعة جبهة القتال بمساحة تتجاوز 5 كيلومترات. ويقول “إن إسرائيل تدير التصعيد جنوبا، وليس حزب الله، انعكاسا لرغبتها في انتقال الجبهة الشمالية لمستويات أعنف وبقواعد مختلفة”.
لكن، ما أسباب توسيع إسرائيل لمساحة النار والانتقال من ضرب المساحات المفتوحة إلى استهداف القرى المأهولة؟
لولا وجود الأساطيل الأميركية بالبحر، برأي الخبير العسكري هشام جابر، لما تجرأت إسرائيل على هذه الرسالة التهديدية لحزب الله، الذي سبق أن بُلغ تهديدات واشنطن بأنها ستقاتل مباشرة مع إسرائيل إذا ما شن حربا واسعة عليها.
بالمقابل، يعتبر المحلل السياسي داود رمال أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتأزم بالداخل الإسرائيلي، وفي غزة، يسعى لابتزاز المجتمع الدولي واستغلال الدعم الأميركي بنقل المواجهة إلى الجبهة الشمالية مع حزب الله، التي ستؤدي لفتح معركة مع إيران كمخرج له من مستنقع الحرب ضد حماس. وتاليا، يتوقع مضي إسرائيل باستفزازاتها لتغيير قواعد النار مع حزب الله، ولجره نحو مواجهة مفتوحة وفق التوقيت الإسرائيلي.
وعن تعامل حزب الله مع التصعيد الإسرائيلي، يعتقد جابر أنه يتصرف بمنطق قوة الحكمة لجهة عدم الانجرار لما تريده إسرائيل، “لأن من يبادر إلى الحرب سيكون هو المسؤول عن نتائجها”.
ورغم أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله أعلن سابقا معادلة المدني مقابل مدني، يرى رمال أنه يتجنب ضرب المدنيين المستوطنين، وأنه لم ينفذ المعاملة بالمثل، حيث لم يستهدف المناطق المأهولة كما فعلت إسرائيل، ويعتبر الكاتب أن مكسب حزب الله بهذا الإطار، خلق أمر واقع في الجليل، دون أن يدخل أي مقاتل إليه، إضافة إلى فقء عيون إسرائيل عبر تدمير كل أنظمة التجسس والمراقبة، مما دفعها للاعتماد على الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة بعمليات رصد وتتبع مراكز وعناصر حزب الله.
ويتحدث رمال أيضا عن الثمن الاقتصادي الباهظ لإسرائيل، حيث إن مستوطنات الشمال تعد مخزنا للإنتاج الزراعي، ويوجد فيها معامل للتصنيع والتعبئة والتوريد.
سيناريوهات التصعيد
ويتساءل الكثير عما إذا كانت العمليات العسكرية جنوب لبنان ستبقى بوتيرة تصاعدية مضبوطة أم ستجر حزب الله وإسرائيل نحو الحرب.
وهنا، يقول جابر إن “حزب الله لن ينجر لفتح الجبهة الواسعة لأسباب داخلية وإقليمية، ولأن إيران لا مصلحة لها بالتورط في جبهة ستكون واشنطن طرفا فاعلا بها، وأن الأخيرة لا مصلحة لها أيضا بإشعال بؤرة جديدة على أبواب الانتخابات الأميركية”.
ويضيف “اللاعبان الكبار، إيران وأميركا، لا يريدان حربا في لبنان، مما يجعل أي تصعيد إسرائيلي مرتجل محفوفا بالمخاطر”. ويرجح أن ما يريده نتنياهو جائزة ترضية في غزة مقابل تخفيف خطر الانزلاق إلى حرب في جبهة لبنان، والجائزة مثلا أن يكون شمال غزة منزوعا من السلاح وخاليا من عناصر القسام، “لأنه يخشى المحاسبة الداخلية الإسرائيلية، ولأن مستقبله السياسي على المحك، ولن يخرج من دون انتصار يقدمه لشعبه”.
من جانبه، يستعيد رمال رسائل دولية وصلت إلى لبنان عبر حركة الموفدين الأميركيين والأوروبيين، وخصوصا الفرنسيين، بعد زيارة وفدين أمنيين إلى لبنان الأول برئاسة رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار إيمييه وفريق عمله، والثاني وفد أمني جال علنا على القيادات اللبنانية. ويقول “نقل هؤلاء رغبة المجتمع الدولي بعدم توسع الحرب في لبنان”.
أما إذا لم يحقق نتنياهو إنجازا نوعيا في غزة، فهناك خشية حقيقية، وفق رمال، من أن يغامر بإشعال جبهة لبنان لقلب الوقائع الإقليمية، لأنها ستؤدي إلى تطورات عسكرية كبرى، وإلى تفعيل الجبهة اليمنية، وإلى تحريك جبهة الجولان السوري الصامتة حتى الآن.
ويتابع رمال أن هذا السيناريو المحتمل، يؤدي إلى حرب إقليمية، و”يصبح مجلس الأمن الدولي حينها أمام خيارات صعبة، لجهة كيفية وقف الأعمال القتالية الحربية، ولجهة إيجاد تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف التي سترفض الهزيمة”.