“خافوا الله فينا”.. صرخة ألم من قلب مخيم عين الحلوة في لبنان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

عين الحلوة- “لا تصورنا.. كفانا ذلا” صوت مبحوح وحزين لوعته الحياة ومآسيها استقبلنا عندما وصلنا إلى مسجد الموصلي المتاخم لمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا اللبنانية، والذي يضم عشرات العائلات النازحة من جحيم معارك أحد أكبر مخيمات لبنان.

الداخل إلى ساحة هذا المسجد -الذي يبعد عشرات الأمتار عن مدخل “عاصمة الشتات الفلسطيني” في لبنان- يخيل له أن نكبة الفلسطينيين لم تنته بعد، وأن السنوات الـ75 التي مرت عليها رفضت مغادرة ماضي وحاضر ومستقبل هذا الشعب، فالأجداد نزحوا والآباء تشردوا والأطفال يعانون من نزوح مركّب ولجوء يتبعه آخر وفقر يزاحم المعاناة.

يرتفع صوت من إحدى زوايا ساحة المسجد، نقترب لنسمع إحدى السيدات التي صرخت عندما علمت أننا صحفيون للمطالبة بأبسط مقومات الحياة “نريد مياها لنشرب وطعاما لنأكل ومرتبة لننام عليها، صرفنا كل أموالنا في بضعة أيام وليس لنا إلا الله”.

بعد الأسبوع الحافل بالرصاص والقذائف الذي عاشه المخيم -الذي تبلغ مساحته كيلومترا واحدا ويعيش فيه أكثر من 85 ألف شخص- حقق وقف إطلاق النار نتائجه المرجوة بعد أن حصدت الاشتباكات التي جرت بين حركة فتح من جهة و”الشباب المسلم” من جهة أخرى أكثر من 17 قتيلا و150 جريحا.

صدى أصوات المعاناة والمطالبات خرق الهدوء الحذر وأسكت القذائف والرصاص وحتى الصواريخ التي أثخنت جراح جسد المخيم الذي يصارع وسكانه للبقاء على قيد الحياة، فخلف جدار المخيم مآسٍ من نوع آخر، فهؤلاء لا يهمهم من الأطراف المتقاتلة، ومن على حق، ومن المعتدي والمعتدى عليه، كل ما يريدونه العيش بسلام، والأهم بأمان.

هذه “الهدنة” أو وقف إطلاق النار أتاحت الكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها أبناء المخيم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وسمحت للجزيرة نت بالدخول إلى المخيم الذي يسوده الهدوء الحذر.

هنا لم يتغير شيء على أرض الميدان، الدشم والشوادر (تعيق الرؤية وتحمي من القنص) والمتاريس والاستنفار العسكري على حالها، والطرق مقطوعة بين منطقة وأخرى، ناهيك عن لوحات الدمار والأضرار التي تفوقت على كل نتائج جولات المعارك السابقة.

وهذه الجولات التي عادة ما يدفع ثمنها الباهظ المدنيون الذين “لا ناقة لهم ولا جمل” والذين يتمنى بعضهم “لو لم يخرج من فلسطين” كالمسنة التسعينية فاطمة الثلجي.

وتتابع فاطمة بصوت غير مفهوم “متنا وعشنا في المخيم، نعيش بذل فيه، من فلسطين تهجرنا وكذلك من المخيم، هذه إرادة الله”.

نواصل السير في المخيم بين الدمار والخراب، لنلتقي بأميرة سلوم التي روت لنا كيف نجت مع أبنائها من الموت المحقق قبل سقوط القذيفة على منزلها.

وتكشف أميرة بحرقة “جنى العمر ذهب هباء منثورا”، وتابعت “لا علاقة لنا بالأطراف المتقاتلة، 9 سنوات من التعب وتوفير المال لشراء منزل يؤويني أنا وعائلتي دمر بلحظة أمام عيني، حياتنا انتهت”.

وبما أن للمعارك وجها سياسيا وتحل بالاتفاق بين المسؤولين كان لا بد من كلام سياسي عالي النبرة تولته أم محمد ميعاري من سكان المخيم، والتي قالت “تعبنا في مخيم عين الحلوة من الاقتتال الداخلي”.

وطالبت أم محمد بـ”وقف إطلاق نار نهائي وليس مؤقتا، الناس نزحوا خارج المخيم تاركين خلفهم منازل محروقة ومدمرة بفعل الاشتباكات، وعلى المسؤولين إيجاد حلول سريعة لأنه من غير المقبول أن يعيش الشعب بضياع وقلق وخوف ورعب وتهجير”.

ومن أمام أحد الشوادر التي توضع في الأحياء التي تشهد عمليات قنص وتفصل بين مناطق سيطرة الأطراف المتقاتلة، يقول الفلسطيني إبراهيم شريدي “تدمرنا بالكامل، ولدينا محل لبيع الخضار لا نستطيع الوصول إليه، تحولت حياتنا إلى مأساة يومية، وعائلاتنا وأقاربنا ينزحون خارج المخيم، خافوا الله فينا يا مسؤولين وتنظيمات، نريد العيش بأمان وسلام بعيدا عن الاشتباكات والقتل اليومي”.

وتلخص الصحفية الفلسطينية نجية دهشة من مخيم عين الحلوة المشهد بالقول “إن الأزمة كانت تفتك بسكان المخيم قبل اندلاع الاقتتال الأخير، لكنها تفاقمت بتداعياتها الإنسانية بشكل غير مسبوق، لجهة فقدان الأمان والاطمئنان، والشعور بالخوف والخسائر الكبيرة التي لحقت بالممتلكات، وصولا إلى النزوح القسري وقطع الأرزاق في استعادة مشهد نكبة فلسطين العام 1948”.

وتابعت دهشة -للجزيرة نت- أن “وحشية الأزمة الإنسانية في المخيم تتعدد وجوهها بصور مختلفة، أولاها تتمثل بالنزوح القسري لأغلبية السكان الذين يعيشون نازحين خارجه، وسط احتياجاتهم المتزايدة، منها الإغاثية والطبية، في حين عاد آخرون فقط لتفقد ممتلكاتهم، دون أن تتيقن قلوبهم من العودة النهائية، إذ يخشون عودة الاشتباكات في أي لحظة، فلم تعالج الملفات العالقة، وأبرزها تسليم المتهمين باغتيال اللواء أبو إياد العرموشي إلى القضاء اللبناني، وانسحاب المسلحين من مدارس الأونروا، وإنهاء كافة المظاهر المسلحة وإزالة الدشم والمتاريس”.

وتختم بأن “الكارثة لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تتزايد مخاوف الأهالي المتضررين، خاصة الذين فقدوا منازلهم بشكل كامل جراء القصف أو اندلاع الحرائق فيها، ويتساءلون بمرارة: من سيعوضهم وسط تجاهل المسؤولين للبحث في قضية التعويضات في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة في لبنان؟”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *