نابلس- قبل أيام قليلة، اقتضت حاجة الفلسطيني إبراهيم عمران ذهابه إلى مدينة نابلس لقضاء بعض شؤونه بعد فترة طويلة من عدم مغادرة قريته بورين جنوب المدينة خشية حواجز الاحتلال الإسرائيلي ومضايقاته. وبدل قطع 10 دقائق مسافة الطريق الطبيعية، احتاجه الأمر 4 ساعات بفعل الحواجز العسكرية المقامة شمال القرية.
ويبدو أن عمران و11 ألف مواطن في قرى بورين ومادما وعصيرة القبلية، وأكثر من 50 ألفا في قرى أخرى جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية، سيكونون عرضة لتنكيل أشد بعد أن نصب جيش الاحتلال بوابات عسكرية عند مداخل بلداتهم ستزيد الخناق عليهم وتحاصرهم أكثر.
8 بوابات جديدة نُصبت قبل أيام قليلة فقط في المنطقة الجنوبية لنابلس، لتضاف لأكثر من 10 أخريات وضعها الاحتلال سابقا وتطوق المنطقة من جهاتها الأربع وتفرض عليها حصارا شاملا يعزلها عن بعضها ويشل حركة التنقل فيما بينها.
“سجن كبير”
وفي بورين المحاصرة أصلا بـ4 بوابات وحواجز عسكرية ثابتة ومتحركة، لا سيما ما يُسمى حاجز “المربعة” أضاف الاحتلال بوابة خامسة عند مدخلها الرئيس لتحولها إلى “سجن كبير” حسب وصف عمران الذي يشغل أيضا رئيس مجلسها القروي.
ويقول عمران إن هذه البوابات -حسب ادعاء الاحتلال- “احترازية وتحسبا لأي حدث أمني طارئ” بينما هي في الواقع لتضييق الخناق أكثر وعزل المناطق عن بعضها وتحويلها لأقفاص حديدية يفقد عبرها الفلسطيني أبسط حقوقه في التنقل والسفر.
ويضيف للجزيرة نت “بزعم أنها لدواعٍ أمنية يقيد الاحتلال حركة المواطنين ويتحكم فيها بإجبارهم على سلك طرق يحددها هو، وهذه حرب معنوية على صمود الفلسطينيين”.
وإلى جانب هذه البوابات التي يزود الاحتلال بعضها بكاميرات إلكترونية تراقب تحركات المواطنين، أغلق الاحتلال الطرق الفرعية البديلة وأطلق طائرات مسيَّرة إضافة إلى دور حراس المستوطنات الذين شاركوا في نصب الحواجز وملاحقة المواطنين والاعتداء عليهم.
وبإغلاق الاحتلال لأي من هذه البوابات في بورين، فهو يفصل شمال الضفة عن جنوبها إذ أضحت تشكل القرية الممر البديل شبه الوحيد لتنقل المواطنين عبر ما يُعرف بحاجز “المربعة” أي من منطقة نابلس شمال الضفة إلى وسطها وجنوبها.
ويؤكد عمران أن بوابات الاحتلال وإجراءاته العسكرية “التضييقية” شلَّت حركة المواطنين في بورين والقرى المجاورة بأكثر من 50%، لا سيما طلاب الجامعات والموظفين، وصار المواطنون “يعدون للمليون” قبل الخروج من منازلهم بعد أن وجدوا أن جل وقتهم يضيع على الطرقات “وحتى يتجنبوا القهر والإذلال من جنود الاحتلال”.
وفي قصرة والقرى المحيطة جنوب شرق نابلس أيضا، نصب الاحتلال -وبعد إغلاقه مدخل البلدة الرئيس لمدة 60 يوما- بوابة عسكرية أطبقت الإغلاق عليهم أكثر وعزلتهم عن تواصلهم مع القرى المحيطة بهم.
تصعيد
وبالرغم من أن سياسة الحصار والعزل ليست جديدة، فإن إسرائيل صعَّدت بشكل كبير ولافت من سياسة حصار وعزل المدن والبلدات في الضفة الغربية والقدس المحتلة بعد الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
وقطَّعت أواصر الضفة عبر حوالي 700 حاجز عسكري متعددة الشكل والنوع، ثابتة ومتحركة، وسواتر حجرية وترابية خاصة داخل وبين القرى نفسها، لتحكم حصارها أكثر بنصبها 132 بوابة عسكرية.
ويقول مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بمدينة نابلس مراد شتيوي، إن بعض هذه البوابات مغلقة منذ بدء الحرب ويمنع المرور عبرها بشكل دائم، وأخرى نصبها الاحتلال خلال عدوانه وخاصة جنوب نابلس، وجاءت إضافة نوعية في تعذيب المواطنين وضمن سياسة الفصل العنصري.
كما أنها، بتقدير شتيوي، تنفيذ لقرار المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي بإقامة مناطق عازلة بمحيط المستوطنات ومنع الوجود الفلسطيني عبر البناء وغيره فيها، إلى جانب السيطرة على الطرق الرئيسية التي كان يسلكها الفلسطينيون وتحويلها للمستوطنين.
وتكرست بذلك، يضيف شتيوي، “سياسة أمر واقع بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بالإسراع بشق طرق التفافية بالضفة لصالح المستوطنين”.
أخطار سياسية
وهناك أخطار كثيرة تواجه الفلسطينيين جراء هذه البوابات، حسب شتيوي، يكمن أهمها في منع تنقل الفلسطينيين على الطرق، وبالتالي ترسيخ واقع سياسي يمس عصب حياة الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا.
كما يسعى الاحتلال إلى إجبار الفلسطينيين على شق وسلك طرق جديدة لتعزيز سياسة الفصل العنصري، واستهدافهم بمكان واحد.
ولم يخف شتيوي تخوفه من أن تتحول هذه البوابات إلى إلكترونية، أو تزوَّد بالأسلحة الرشاشة الإلكترونية كتلك المنصوبة على مقاطع في جدار الفصل العنصري للتحكم بها عن بعد والتخفيف من عبء وجود جيش الاحتلال عليها.
كما حذَّر مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في نابلس من أخطار صحية إذا زود الاحتلال هذه البوابات بكاميرات تصوير تعمل بالإشعاع، كتلك المنتشرة عند الحواجز ومفاصل الطرق الحيوية.
وفضلا عن خطرها الأمني المتمثل في عزل المناطق وتحديد هوية الداخل والخارج عبرها، يرى الخبير العسكري الفلسطيني اللواء يوسف الشرقاوي أن خطرها سياسي أكبر لأنها “ترجمة لروح اتفاق أوسلو“.
وينص الاتفاق على أن “الدولة الفلسطينية بتصور العقيدة الإسرائيلية ستكون في محاشر ومعازل، وبالتالي القضاء على حلم دولة فلسطينية مستقلة” حسب الشرقاوي.
وعزا كثرة هذه البوابات وانتشارها بسرعة مؤخرا إلى اتساع منطقة نابلس وتعدد منافذها، وبالتالي -يقول الشرقاوي- يسعى الاحتلال إلى قطع التواصل داخل القرى ومع المدينة، والتضييق على الحاضنة الشعبية للمقاومة لمنع خروجها.
ويسكن 29 ألف يهودي في 14 مستوطنة إلى جانب 52 بؤرة استيطانية على أراضي نابلس. وكان غسان دغلس القائم بأعمال محافظ نابلس قد أكد -في حوار سابق مع الجزيرة نت- أن اعتداءات المستوطنين تضاعفت ضد المواطنين بنسبة 208% بعد الحرب الإسرائيلية على غزة.