حكومة الإنقاذ في إدلب والطريق لحكم دمشق

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

تستعد الدوائر والمؤسسات الرسمية السورية للعودة إلى مسار عملها الطبيعي، مع بداية مرحلة جديدة، وذلك بعد إعلان القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع عن تكليف رئيس حكومة الإنقاذ في الشمال السوري محمد البشير بتشكيل حكومة تصريف أعمال، تقود مرحلة مؤقتة في البلاد.

ولقيت عملية الانتقال السلس ارتياحا شعبيا وسياسيا، لسرعة سيطرة إدارة العمليات العسكرية على الوضع الداخلي، وحماية البلد من الفوضى التي كان يخشى من انتشارها في حال فراغ السلطة.

وضمت حكومة تصريف الأعمال، شخصيات تسلّم أغلبها مناصب وزارية في حكومة الإنقاذ السابقة، التي مضى 8 أعوام على تشكيلها في مناطق شمالي سوريا، حيث أشرفت على إدارة إدلب وريفي حلب وحماة المتاخمين لها.

وعلى الرغم من وجود فروق واضحة، من حيث المهام والمسؤوليات، بين تجربة حكومة الإنقاذ المحدودة في مناطق الشمال السوري خلال الفترة السابقة، وتجربتها الجديدة المتوقعة في إدارة عموم البلاد، فإن الشرع أكد أن لدى حكومة البشير خبرات تدعم قدراتها على تسيير شؤون البلاد -في المرحلة الحالية- وإعادة الهدوء والاستقرار.

وفي هذا السياق، أقر البشير أن حكومته ورثت من النظام المخلوع تركة إدارية ضخمة فاسدة، ووضعا ماليا سيئا للغاية، حيث لا يوجد غير الليرة السورية، وهي عملة لم تعد تساوي شيئا مقابل العملات الأخرى، ووعد في تصريحات إعلامية، بمواجهة هذه التحديات، وتخطيها، والنجاح في تحسين الأوضاع مع مرور الوقت.

التجربة والتحديات

تراهن حكومة تصريف الأعمال في إدارتها للفترة الانتقالية، على تجربة حكومية سابقة امتدت لـ8 سنوات داخل المناطق المحررة، وهي تجربة كانت تخضع في الواقع لتقييمات مختلفة، لم تثنها -كما يرى محللون- عن هدفها الرئيس، وهو الرقي بمناطق حكمها وتحسين مستوى الواقع المعيشي والتعليمي، وصناعة مجتمع منتج لا مستهلك.

لكن تلك التجربة كانت تصطدم بمعوقات، أدت إلى تأخر نضوج ثمار خططها، ويمكن تلخيصها في 4 قضايا مهمة:

  • وجود تعقيدات عاشتها المنطقة على خلفية تدخلات دولية وتجاذبات داخلية.
  • مواصلة قوات النظام وحلفائه هجماتها اليومية.
  • انهيار سبل الحياة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض قيمة الليرة السورية.
  • تراجع الدعم الذي كانت تتلقاه من المانحين الدوليين.

ومما يزيد من حجم التحديات وجود 4.1 ملايين شخص، يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، بحسب تقارير الأمم المتحدة، منهم نحو 80% من النساء والأطفال، إضافة إلى معاناة أكثر من 3.2 ملايين شخص، من انعدام الأمن الغذائي.

في الطريق إلى المؤسساتية

لجأت حكومة الإنقاذ إلى توحيد المؤسسات والمجالس المدنية المحلية في جميع المناطق التي خضعت لإدارتها، واستبدلت بعض القائمين عليها، بوجوه جديدة، وفق سياسة تدعو للحفاظ على حالة من الاستقرار.

كما تسلمت إدارة المعابر الحدودية التي تربط مناطقها بتركيا، ومناطق النظام في الداخل، وأشرفت وزاراتها على القطاع الخدمي الذي كان يعاني من تدهور واضح في أدائه، إلى جانب قطاعات التعليم العالي والتربية والنقل والكهرباء والمياه والزراعة.

ويرى الناشط السياسي من إدلب سليم الأحمد أن ما ساعد حكومة الإنقاذ على أداء عملها تأييد الحاضنة الشعبية لهيئة تحرير الشام التي عملت على الحد من تجاوز الحركات والفصائل المسلحة في المنطقة، بعد أن منعت مظاهر التسلح داخل المدن والبلدات، وسعت للتقرب من الوجهاء والعشائر من أبناء المنطقة ومن ممثلي النازحين إليها، وكذلك المؤسسات الأهلية.

ورغم ذلك، فقد أربك الوضع الحياتي المتدهور في المنطقة نتيجة خفض المساعدات الأممية، وارتفاع الأسعار، وانتشار الفقر والحاجة، الحكومة ووضعها في مواجهة حالة من التذمر، انتهت باحتجاجات شعبية داخل إدلب وبلدات أخرى، طالب المحتجون فيها بإعادة تقييم سياساتها وخاصة ما يتعلق منها بالشأن الاقتصادي العام.

ورصدت جهات محلية وقتئذ أهم المطالب:

  • شمل جميع النازحين في المساعدات التي تصلها.
  • معالجة ارتفاع الأسعار، وأسعار الخبز بالذات.
  • التخفيف من احتكار استيراد الوقود والبضائع.
  • خفض الضرائب والرسوم والغرامات التي تفرضها الوزارات على المواطنين.

لكن مصادر في الحكومة أرجعت معاناة السكان من الضغوط الاقتصادية والحياتية إلى تراجع صرف الليرة التركية -العملة المتداولة- والتضخم الاقتصادي العالمي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأولية، وارتفاع أسعار الوقود.

ووجه وزير الاقتصاد والموارد في حكومة تصريف الأعمال باسل عبد العزيز رسالة طمأنة للسكان، وتحدث عن قدرة الحكومة على تجاوز المصاعب، ودفع عجلة النمو الاقتصادي نحو الأمام، مشيرا إلى دور المشروعات الحيوية التي نفذتها وتنفذها الحكومة، ومن بينها المدينة الصناعة التي تضم 50 منشأة منتجة و80 أخرى قيد الإنتاج، في تأمين فرص عمل كبيرة، وتحسين مستوى الحياة المعيشية للسكان.

وأكد أن وزارته تسعى بشكل جاد لاستقطاب استثمارات جديدة، في مختلف القطاعات، بعد أن قدمت الحكومة تسهيلات للمستثمرين، ووفرت بيئة تحتية مؤهلة، وبيئة قانونية مشجعة، ومحاكم مختصة تحمي حقوقهم. من شأنها أن تعزز النهوض الذي تشهده المنطقة.

القبضة الأمنية

وكانت أكثر السياقات التي وجد المحتجون ذريعة فيها من أجل تصعيد احتجاجاتهم، ازدياد القبضة الأمنية للهيئة، واعتقال عشرات العناصر والقادة بتهمة التعاون مع روسيا ونظام بشار الأسد، إلى جانب اعتقال من وصفتهم التقارير بأصحاب رأي فقط، وعدم إطلاق سراحهم.

وأجرت حكومة الإنقاذ وقيادة الهيئة على خلفية تلك الاحتجاجات لقاءات مع النخب المجتمعية ووجهاء البلدات والقرى، أبلغتهم فيها بتبني مطالبهم، والبدء بتنفيذها، في مسعى جاد لاحتواء الأزمة وارتداداتها، وصدرت قرارات شملت تخفيض بعض الرسوم والضرائب، والعفو عن جميع السجناء وغيرها.

واستخدمت الحكومة سياسة الاحتواء والتقرب من المجتمعات المحلية المؤثرة، ومعالجة قضاياها بصورة هادئة، هدفت من ورائها إرسال رسالة تؤكد احترامها لحرية التعبير والانتقاد، في أجواء لم تكن متوفرة في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة نظام الأسد المخلوع.

إنجازات

على الرغم من مصادرها المحدودة استفادت حكومة الإنقاذ -وفق خبراء اقتصاديين- من عائدات المعابر التي تشرف عليها، والضرائب والرسوم المفروضة على السكان، في تلبية احتياجات مجتمعاتها المحلية، وتنفيذ مشاريعها الخدمية.

أنجزت الحكومة -وفق موقعها الإلكتروني- مشاريع تأهيل وتعبيد لطرقات محورية وعادية، ومرافق خدمية واضحة للعيان، يجري استخدامها منذ سنوات.

وقامت بعد مرحلة التأسيس التي ركزت فيها على هيكلة مؤسسات خدمية قادرة على تلبية احتياجات المناطق التابعة لها بإيصال التيار الكهربائي إلى كل بيت، ونفذت مئات المشاريع تنوعت بين صيانة الطرق، وتركيب الإنارة في الساحات والشوارع، وتأهيل ومد شبكات جديدة لمياه الشرب والصرف الصحي.

وأنجزت في عام 2023 نحو 710 مشروعات طرقية بطول 50 كيلو مترا، و1854 مشروع تمديد صرف صحي بطول 4 كيلومترات، و185 مشروع إنارة وتجميل وصيانة.

وفي مجال التعليم، أدارت وزارة التربية والتعليم، ووفرت الدعم اللوجيستي -وفق المصدر ذاته- لـ1658 مدرسة، بلغ عدد طلابها 474 ألف طالب وطالبة، يتلقون التعليم، إلى جانب 410 مدارس جرى إنجازها في مخيمات النزوح، و571 مدرسة للتعليم الخاص، تضم 109 آلاف طالب وطالبة. جرى تشغيل الأخيرة بمبادرات محلية.

لكن ظاهرة تسرب الطلبة تركت أثرا سلبيا على مخرجات العمل التعليمي، لاضطرار كثير من الأطفال ترك مدارسهم -وفق تقرير أصدره مكتب أوتشا- لمساعدة ذويهم، وتأمين احتياجات أسرهم الأساسية، مما نتج عنه وجود أكثر من مليون طفل وطفلة -على المستوى العام- خارج نطاق عملية الدراسة.

كما دعمت الحكومة برامج الرعاية الصحية الأولية، وزودت المراكز الصحية بما تحتاجه من أدوية ومستلزمات، في ظل ظروف الحرب والتهجير وانتشار الأمراض والأوبئة، مما حمّلها مسؤوليات كبيرة، على صعيد تأمين ما تحتاجه من أدوات وأدوية.

ومع ذلك بقيت مناطق الشمال السوري تشكو عدم وجود مراكز وأطباء وتجهيزات قادرة على التعامل مع الأمراض الخطيرة، مثل السرطان والكلى والتشوهات، والأمراض العصبية والقلبية وغيرها.

وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، فإن ثلث المرافق الصحية في إدلب وريف حلب أوقفت أنشطتها، أو علقتها جزئيا، بسبب نقص التمويل.

وأوضحت المنظمة، في بيان لها، أن الدعم المالي الدولي للنظام الصحي شمالي سوريا يشهد تراجعا، في حين تتجاوز الاحتياجات الطبية في المنطقة الخدمات الطبية المتاحة بكثير، ويتحمل السكان العبء الأكبر بسبب الدعم المحدود الذي نجم عنه إغلاق بعض المشافي والمرافق الصحية.

نجحت ولكن

من جهته، ربط المعارض السياسي السوري عماد غليون -المقيم في باريس، في تصريح للجزيرة نت- نجاح أداء حكومة الإنقاذ، بالنظر إلى ما تعيشه مناطق مجاورة، حيث أدارت مناطقها ضمن قوانين جرى استخلاصها من مبادئ الشريعة الإسلامية، واجتهادات هيئة تحرير الشام، في حين افتقر غيرها لهذه المركزية التي تقودها جهة واحدة وبمبادئ واضحة.

وأشار إلى أن الحدود المفتوحة مع تركيا، ساعدتها في مجالات عديدة، حيث ضمنت لها حركة تجارية وصناعية متواصلة، وأسهمت في اتساع نطاق الخدمات التي تقدمها، كما باتت الحركة الاقتصادية والتجارية أكثر حرية وديناميكية من مناطق النظام البائد، وبدأ يظهر نمط اقتصادي مزدهر في المنطقة، شكل علامة فارقة على اعتبارها منطقة صراع.

بيد أن نجاح حكومة الإنقاذ في إدلب ضمن نطاق جغرافي محدود، بشكل مقبول نسبيا، وفق غليون، يختلف تماما عن تجربتها الراهنة على مستوى سوريا التي تدار وفق دستور وقوانين وعلاقات دولية.

وقال إن طريقة تعاطي القائد العام للقيادة السورية الجديدة أحمد الشرع مع القضايا الداخلية والعلاقات الخارجية، يبدو أنها ستنجح في رفع اسم الهيئة عن قائمة الإرهاب، وفي إلغاء قانون قيصر، مما يسهم في تدفق المساعدات والاستثمارات الخارجية بعد توقف دام أكثر من عقد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *