جنين- داخل قسم الحضانة في مستشفى جنين الحكومي، شمال الضفة الغربية، تجلس 3 سيدات رفقة أطفالهن الخُدج (حديثي الولادة) منذ ساعات الصباح الأولى في غرفة الرضاعة الصغيرة، فيما تُسمع أصوات تحركات آليات الاحتلال عند مدخل المستشفى المحاصر منذ بدء اقتحام عسكري إسرائيلي جديد لمدينة جنين فجر اليوم الثلاثاء.
وفي تكرار لمشاهد مستشفيات غزة بتفاصيلها، ألقت قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع في ساحة مستشفى جنين الذي يحوي مئات المرضى في أقسامه المختلفة، فيما وصلت رائحة الغاز إلى غرفة العناية في قسم حضانة الأطفال، مما اضطر الطاقم الطبي لنقلهم في حاضنات موصولة بالأكسجين إلى ممر القسم.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مساء الثلاثاء، استشهاد الشاب فؤاد عماد عباهرة (36 عاما) إثر منع الاحتلال سيارة الإسعاف من نقله إلى المستشفى لمدة نصف ساعة، بعد إصابته في الفخذ وتركه دون إنقاذ.
فيما استشهد الطفل المريض أحمد محمد سمار (13 عاما) بعد إعاقة الاحتلال وصوله لتلقي العلاج في مستشفى الشهيد خليل سليمان (جنين الحكومي)، أثناء العدوان على المدينة، لترتفع حصيلة الشهداء في المدينة إلى 6 منذ صباح الثلاثاء.
خدّج بمواجهة الغاز
وقالت الممرضة في قسم الحضانة مجدولين زكارنة “يوجد اليوم في قسم الحضانة قرابة 14 طفلا، يتراوح وضعهم الصحي بين المستقر والخطِر الذي يحتاج إلى جهاز أكسجين”.
وأضافت “منذ لحظة دخول قوات الاقتحام مدينة جنين وتمركز الآليات عند مداخل المستشفى، حاولنا نقل بعض المواليد من إحدى الغرف التي تطل نوافذها بشكل مباشر على الساحة الخارجية للمستشفى، إلى منطقة أكثر أمانا، لكن مع وصول رائحة الغاز إلى داخل القسم أصبح الوضع أكثر صعوبة”. مؤكدة أن “هؤلاء الأطفال خُدّج، جهازهم التنفسي معرض للتضرر بسرعة في حال استنشقوا الغاز المسيل للدموع”.
وكانت إدارة المستشفى قد قررت خروج 4 من هؤلاء الأطفال، مساء الاثنين، بعد استقرار وضعهم الصحي، وبعد استدعاء أهاليهم، إلا أن الأهل حوصروا مع أطفالهم في قسم الحضانة، ولم يستطيعوا مغادرة المستشفى حتى الآن.
وتوضح الممرضة “اضطررنا لإبقاء هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم في الحضانة بعد الاقتحام، لكن في القسم أيضا عندي حالة طفل يبلغ من العمر 34 أسبوعا، يعاني من صعوبة في التنفس ومربوط على أكسجين مخفف”.
وتضيف “فور ضرب قوات الاحتلال قنابل الغاز، نقلناه مع الحاضنة الخاصة به إلى ممر القسم، لأنه معرض للموت المباشر إذا استنشق أي شيء من الغاز”.
ويؤكد الطاقم الطبي في قسم الحضانة أنهم نقلوا عددا من الخدج إلى مستودع الأدوية الموجود بجانب القسم -وهو عبارة عن غرفة بمساحة متر واحد فقط- في محاولة للحفاظ على سلامتهم.
ويطلّ قسم الحضانة على ساحة المستشفى الخارجية التي تتمركز فيها قوات الاحتلال عند كل اقتحام للمدينة، كما أن مدخل القسم الرئيسي محاصر بشكل كامل من الآليات العسكرية.
وعند مدخل المستشفى كان أب من جنين يحمل طفله ويركض به باتجاه قسم الطوارئ، بعد منع قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من التحرك في شوارع المدينة لنقل المرضى والجرحى للمستشفيات.
وحُمل الطفل محمد أحمد سمار (13 عاما) إلى داخل المستشفى مشيا على الأقدام بعد منع سيارة إسعاف من الوصول إليه ونقله من بلدة اليامون شمال غرب مدينة جنين، إلى المستشفى الحكومي، الذي كانت آلية عسكرية إسرائيلية تتمركز في مدخله.
حصار وإغلاق طرقات
وبعد وصول الطفل سمار إلى قسم الطوارئ بفترة قصيرة أُعلن عن وفاته، بسبب تأخر وصوله إلى المستشفى وتردي وضعه الصحي.
يقول والده إن محمد سقط مغشيا عليه صباح اليوم، وحين حاول نقله إلى المستشفى أخبره الهلال الأحمر أنه يصعب تحرك سيارات الإسعاف في مدينة جنين بسبب منعها من قبل قوات الاحتلال من نقل المرضى والمصابين، فحمله ومشى به حتى وصل إلى المستشفى حيث أُعلن عن وفاته.
يقول الأب المكلوم “أحمد من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتعرض من فترة إلى أخرى للتعب والإعياء، ويحتاج إلى رعاية طبية، واليوم صباحا فقد الوعي فنقلته من بلدة اليامون بالسيارة إلى مدينة جنين، وهنا كان من الصعب أن أتقدم بالسيارة بسبب الاقتحام الإسرائيلي”.
وأفاد وسام بكر مدير مستشفى جنين الحكومي، بأن الطفل سمار توفي نتيجة تأخر حصوله على العلاج اللازم في وقته جراء تأخر وصوله للطوارئ، وأنه كان يحتاج إلى تدخل طبي سريع.
ويؤكد بكر أن “الاحتلال تسبب بوفاة هذا الطفل بسبب حصاره المستشفى والمدينة، كما أن الطواقم الطبية لم تستطع القيام بواجبها بسبب إعاقات قوات الاحتلال، وهذه الطواقم في كافة أقسام المستشفى توجد على رأس عملها منذ يومين دون التمكن من تبديل الدوام”.
استهداف مرضى غسيل الكلى
وفي قسم الكلى داخل المستشفى، وهو الوحيد الذي يخدم مرضى الكلى في محافظة جنين، وصل أحدهم لجلسة العلاج المخصصة له اليوم وقد قُطعت أنفاسه. وبعد سؤاله عن السبب، قال إن قوات الاحتلال لاحقته في الشارع الخلفي للمستشفى حتى وصل إلى المدخل.
وعلى جهاز غسيل الكلى تجلس المريضة حنان (50 عاما) ويبدو على وجهها التعب الشديد، فيما تفحص ممرضة قيم ضغطها المرتفع للغاية بالنسبة لمريض موصول بجهاز غسيل الكلى.
وتوضح حنان أن السيارة التي كانت تقلها تعرضت لإطلاق نار من الاحتلال في طريقها إلى المستشفى صباحا، وهو ما سبّب لها حالة من الخوف الشديد، وأدى إلى ارتفاع ضغطها.
وتقول الممرضة في وحدة غسيل الكلى شمس أبو فرحة “كان يُفترض أن نستقبل خلال الفترة الصباحية 52 مريضا موزعين على فترتين، الأولى تبدأ في السابعة حتى العاشرة، والثانية تبدأ في العاشرة والنصف وتنتهي عند الثانية بعد الظهر”.
وتضيف “منذ الصباح لم يصل سوى 8 مرضى من أصل 52 مريضا بسبب اقتحام الاحتلال وحصار المستشفى وإغلاق طرقات المدينة، وأحد المرضى تعرض للملاحقة واثنان آخران تم إطلاق النار عليهما في طريق وصولهما لجلسة الغسيل، والباقي تعذر وصولهم حتى الآن”.
وتؤكد أبو فرحة أن تأخر جلسات الغسيل لمرضى الكلى يعني مضاعفات صحية منها ارتفاع البوتاسيوم في الدم وتجمع السوائل في الجسم، وهو ما قد يؤدي إلى ضيق في التنفس واختناق، ما يعرض حياة المرضى للخطر.
كما أن تأخر وصول المرضى المقرر حصولهم على جلسات غسيل اليوم يعني وصولهم في أوقات مخصصة لمرضى آخرين، ما يعني تكدس عدد المرضى في القسم، وتأخير الجلسات، ما ينجم عنه تقليص مدة الجلسة التي تتراوح من ساعتين إلا ثلاثة لتخفيف السوائل من جسم المريض وليس غسل دمه بشكل كامل من السموم.
وتزامن حصار مستشفى جنين الحكومي مع اغتيال الاحتلال 4 شبان، قالت مصادر محلية إن مسيّرة إسرائيلية استهدفتهم في حي السيباط بالبلدة القديمة وسط مدينة جنين، فيما اندلعت بمدينة ومخيم جنين اشتباكات مسلحة بين مقاومين وقوات الاحتلال طيلة ساعات النهار.