جاكرتا- أظهرت نتائج العد السريع، الذي تجريه مراكز استطلاعات الرأي مع الناخبين في إندونيسيا عند خروجهم من مراكز الاقتراع، تقدم المرشح الرئاسي برابوو سوبيانتو بفارق شاسع عن المرشحَين الآخرين، وبأكثر من ضعف الأصوات عن الذي يليه، بما يؤهله لحسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى.
ورغم أن النتائج الرسمية والتي ستعلنها مفوضية الانتخابات في 20 مارس/آذار القادم، بعد فرز كافة الأصوات وتلقي الاعتراضات والطعون والبت فيها، فإن نتائج العد السريع بعد فرز قرابة 90% من الأصوات، وهي نتائج غير رسمية وتصدر عن عدة مراكز إحصاء، فأظهرت حصول المرشح برابوو على ما يقارب 58% من الأصوات بالمتوسط، وهي أكثر من نسبة 50%+1 المطلوبة للفوز، فيما حصل منافسه أنيس باسويدان على نسبة تقارب 25%، وجاء ثالثا غانجار برانوو بنسبة 17%.
وتعتبر هذه النتيجة قريبة مما كانت تتوقعه استطلاعات المراكز المتخصصة ذات المصداقية في إندونيسيا، إلا إن الأصوات التي حصل عليها برابوو جاءت أعلى من المتوقع بحوالي 5%.
استعجال في الاحتفالات
ويبدو أن هذه النتائج قد حسمت المشهد الانتخابي لصالح برابوو بحكم الفارق الكبير بينه وبين أنيس، فتعجل برابوو والمتحالفون معه (8 أحزاب) بالاحتفال بالانتصار السهل الذي حققوه، وأقاموا احتفالا في قاعة بمنطقة سناين جنوب جاكرتا.
وشكر برابوو في خطاب الانتصار الشعب الإندونيسي بغض النظر عن اختياراتهم في الانتخابات، فالمهم حسب رأيه أن “الانتخابات الأكبر في العالم والتي تجري في يوم واحد تمت بشكل سلس وتنظيم دقيق، دون وقوع ما يعكر نزاهتها”، وشكر مفوضية الانتخابات وكل من شارك في إنجاح العملية الانتخابية.
وأكد برابوو أنه سيشكل مع نائبه غيبران رئاسة لكل الشعب الإندونيسي، دون النظر إلى أديانهم أو مواقفهم السياسية، لكنهما سينتظران النتيجة النهائية التي ستعلنها مفوضية الانتخابات في 20 مارس/آذار القادم.
وشكر برابوو قادة إندونيسيا السابقين، من أحمد سوكارنو إلى جوكووي مرورا بسوهارتو وحبيبي وعبد الرحمن واحد وميغاواتي وسوسيلو بامبنغ يوديونو، “فجميعهم خدموا إندونيسيا ونهضوا بها”.
من جانبه، قال نائبه غيبران “قبل 3 أشهر كنت مواطنا كغيري من الشباب، لذلك أشكر شباب الوطن على دعمي للوصول لهذا المنصب، وهذا لحرصهم أن يكون لهم دور في إدارة البلاد والعمل على نهضتها”.
انتصار سهل ومفاجئ
الانتصار اللافت الذي حققه برابوو، وبات على بعد خطوة من رئاسة إندونيسيا، التي سبق أن خاض من أجلها 4 محاولات على مدى 20 عاما للوصول إليها (2004 – 2024)، أثار مفاجأة لدى المراقبين، الذين توقعوا له الفوز لكن ليس بهذه السهولة.
ويقول الدكتور مدى سوكماجاتي أستاذ العلوم السياسية في جامعة غاجاه مادا “إن الرئيس الحالي جوكو ويدودو (جوكووي) له بصمة واضحة في فوز برابوو، من خلال حشد الدعم بمختلف الطرق خلف المرشح الفائز، مثل المساعدات الاجتماعية التي وزعها الرئيس قبيل الانتخابات، وهي طريقة قانونية ومن صلاحياته، لكن توقيت المساعدات خدم برابوو ونائبه (ابن جوكووي)”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “كما تدخل الرئيس بشكل غير قانوني وغير ملموس في الوقت ذاته، بدفع مسؤولي الدولة وموظفيها مثل رؤساء القرى والشرطة وموظفي الخدمة المدنية الآخرين لانتخاب برابوو”.
وكان لافتا حصول حزب النضال من أجل الديمقراطية، الذي تتزعمه ميغاواتي سوكارنو بوتري، ودعم المرشح الثالث غانجار برانوو، على النسبة الأكبر في مقاعد البرلمان المركزي، بحدود 18% من الأصوات، بينما لم تتجاوز حصة غانجار من الأصوات 17%.
وهو ما يفسره سوكماجاتي بأن “الكثير من أنصار حزب النضال لم يصوتوا لمرشح الحزب غانجار، وإنما دعموا مرشح الرئيس برابوو”، علما أن الرئيس فاز في الانتخابات الأخيرة عن حزب النضال.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن ترشيح برابوو لغيبران إلى جانبه نائبا للرئيس، جذب قطاعا كبيرا من الشباب للتصويت له، ولذلك يتوقع أن يحصل على قرابة 60% من الأصوات، وهي نسبة وصفها بالعالية جدا.
من جانبه يرى المحلل والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في جاكرتا محمد صالح أن “برابوو حقق فوزا سهلا لأنه تمكن من جمع الشخصيات السياسية المهمة في جاكرتا ومختلف مناطق إندونيسيا”.
ويتفق صالح في حديثه للجزيرة نت مع ما ذهب له سوكماجاتي، من أن “العامل الحاسم في فوز برابوو هو تحالفه مع جوكووي، الذي سخر سلطاته ومؤسسات الدولة لدعم التحالف، ولولا هذا الدعم لما تمكن من الفوز بالانتخابات”.
ويؤكد صالح أن “كافة المرشحين سعوا للتحالف مع جوكووي، للاستفادة من نفوذه في مؤسسات الدولة، لكنه اختار التحالف مع برابوو من خلال ترشيح ابنه، حتى يبقى له نفوذ في الحكومة القادمة”.
تحالف قد لا يطول
الائتلاف الواسع الذي أسهم بالفوز السهل لبرابوو، سيخلق له صعوبة في توزيع غنائم الانتصار على 8 أحزاب، مكافأة لها على دعمها وحشد أنصارها خلفه، خصوصا أن حزب برابوو (غيرندرا) سيحصل بحدود 14% من أصوات الانتخابات التشريعية، وفق نتائج العد السريع، لذلك سيبقى بحاجة للحفاظ على ائتلافه تحت قبة البرلمان.
وعن ذلك، يعتقد سوكماجاتي أن ما وصفه بـ”الائتلاف السمين جدا” سيشكل تحديا أمام برابوو، ويتطلب حكمة كبيرة في تشكيل الحكومة القادمة، “وقد لا يكون تحالف الانتخابات هو نفسه تحالف تشكيل الحكومة”.
ويرى أن التحدي الآخر الذي سيواجهه برابوو هو علاقته بالرئيس الحالي جوكووي، بعد أن يتولى الرئاسة بالفعل، والدور الذي سيبقى يلعبه الرئيس بعد انتهاء ولايته في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
ولا يستبعد سوكماجاتي أن ينفتح برابوو على حزب النضال بزعامة ميغاواتي، بحكم ثقله السياسي وتصدره الانتخابات التشريعية، ويقول “أعتقد أن الحكومة لن تكون قوية إذا لم تشمل حزب النضال”.
ويرى صالح أن “برابوو سياسي قديم ونجح في انتخابات الرئاسة في محاولته الرابعة، وهذا يؤشر على وضوح رؤيته لما يريد تحقيقه”، ولذلك يعتقد أن “برابوو اتخذ من جوكووي جسرا للرئاسة وسيحافظ على تحالفه معه لعامين، ثم سيبدأ في تغيير تحالفاته”، ولا يستبعد أن يسترجع برابوو علاقته بعائلة سوهارتو للتحالف معها في الانتخابات القادمة عام 2029.
ترقب النتائج النهائية
ولا يزال العد السريع للانتخابات التشريعية جاريا، لكن وفق ما تم فرزه -وهو بحدود 70%- فإن 9 أحزاب من الأحزاب الـ18 على المستوى الوطني، التي خاضت الانتخابات، لن تتمكن من دخول البرلمان القادم، لعدم تخطيها عتبة البرلمان (4% من الأصوات) والتي قد تكون بحدود 6 ملايين صوت، وفقا لنسبة التصويت من مجمل من يحق لهم الاقتراع.
وبالمجمل فإن البرلمان القادم سيتشكل من 9 أحزاب مثل البرلمان الحالي، ولا يبدو أن حصص الأحزاب ستتغير بشكل لافت، فما تم إعلانه حتى الآن في العد السريع، يقارب ما حصلت عليه الأحزاب الـ9 في الانتخابات الماضية عام 2019، ولم يحقق أي منها قفزة لافتة في هذه الانتخابات، لكن يبقى الأمر رهينا بالنتائج النهائية التي ستعلنها مفوضية الانتخابات الشهر القادم.